8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طهران تواجه علناً خطر "العرقنة" داخلياً بالتفاهم مع محيطها.. ودمشق مطالَبة بالقرار الصعب

توجد الآن "مخارج مطروحة لتسوية الأزمة في لبنان"، وإخراجه من حالة الحرب الباردة التي يعيشها والتي تهدّد تطوراتها المفاجئة يومياً بتحوّلها الى حرب أهلية دامية، أولها "العرقنة" وآخرها نهاية لبنان مهما كان هذا الاعتراف صعباً ومؤلماً.
ويكفي أن الكلام أصبح جدياً حول هذه المخارج العديدة وحتى المتناقضة، وأن لقاءات تكاد تكون لجاناً تبحث صياغات الحل، حتى يأمل اللبنانيون بالخروج من حالة الظلام والمرارة التي يعيشونها.
ولا شك أن قوّة الدفع الأساسية لهذا التحوّل جاءت أولاً من الرياض المشدودة بقوة الى إخراج المنطقة من حالة العيش فوق حافة السكين، وجاءت ملاقاة طهران التي تريد أن تأكل "عنب النووي" دون أن "تضرب الناطور الأميركي" لأنها تعرف أن لا قدرة لها على دفع ثمن مثل هذه المحاولة مهما كانت إغراءات الإيديولوجيا كبيرة جداً.
الخيارات الصعبة
لكن يبدو حتى الآن، ان "أجراس" الحل النهائي لم تقرع حتى الآن. والحل ما زال معلقاً على الشرطَين المتبادَلين في لبنان وهما الثلث الضامن زائد واحد وقانون المحكمة الدولية. لكن رغم هذا الجمود، فإن نوعاً من الاطمئنان يسود مختلف الأوساط. ذلك أن الخلافات تجسّدت في المركز وليس حولَه ولذلك فإن لحظة الخيارات الصعبة اقتربَت ولا بدّ من مواجهتها سواء الآن أو غداً.
ولذلك فإن المباحثات الايرانية ـ السورية خلال زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران، هي جزء أساسي من استكمال الحوار السعودي ـ الإيراني. فالرئيس السوري يتابع تفاصيل هذا التحوّل الذي فتح الطريق بين الرياض وطهران على خطين، في وقت ما زالت، كل الطرق مقفلة بين دمشق والرياض. ولأن الملفات المشتعلة وهي العراق وفلسطين ولبنان مشتركة بين العواصم الثلاث، من الطبيعي أن يشعر الأسد بعدم الاطمئنان للتطورات مهما بلغت ثقته بعمق العلاقات التاريخية بينه وبين الجمهورية الاسلامية. فالإرث لا يكفي للاستثمار في حال التغيّرات الحادة للأسواق و"التاجر الدمشقي" خبير في قراءة مؤشرات السوق وتقلباتها.
طبعا يمكن البناء كثيراً على مقولة "العلاقات الاستراتيجية" لكن المسألة أن ايران لا تواجه العراق كما في التسعينات وإنما هي تواجه مباشرة الولايات المتحدة الأميركية وبعض المجتمع الدولي وحول قضايا تتناول وجودها المستقبلي بعيداً عن طبيعة النظام الحالي وديمومته أو عدمها. ولذلك فإن حسابات طهران الآنية مختلفة اختلافاً حاداً والمصالح في العلاقات بين الدول تُعلى ولا يُعلى عليها، خصوصاً بالنسبة لدولة مثل إيران الهاجس الوطني فيها أقوى بكثير من كل الروابط الأخرى.
ومما يزيد من أهمية هذا التحوّل الحسّاس في طهران والذي لا بدّ لدمشق من أخذه بعين الاعتبار في حساباتها لأن رفضه يلقي عاجلاً أو آجلاً مفاعيل "الزواج" القديم، ومواكبته والعمل تحت سقفه، له ثمن من الصعب دفعه بدون تقديم تنازلات حسيّة. ومما يرفع من سقف هذه الوضعية الصعبة أن الثمن لا بد من أن يكون من ضمن الملفات المشتركة، العراق وفلسطين ولبنان. ولذلك كلّه اقتربت ساعة الحقيقة التي لا يمكن الهرب منها أو التلاعب عليها. فإما اختيار اللعب أحادياً، وهو ما لا قدرة لدمشق على القيام به، خصوصاً وأن صدرها سيصبح مكشوفا وفي وقت ظهرها فيه بلا حماية عربية كما كان الحال دائماً او التنسيق والتفاهم مع الآخرين لتجاوز العاصفة.
الحالة الدمشقية
ومما يعزز دقّة ظروف "الحالة الدمشقية" هذا الوعي الكامل بأن "الورقة الأخيرة في يد الأعداء هي اثارة الفرقة في صفوف المسلمين". وطالما أن "الرقص" يتم حالياً على التوزيع الخارجي لموسيقى الحروب المذهبية، فإن السؤال الكبير هو كيف يجب التعامل مع هذا الخطر القاتل والمدمر علماً أنه لا يمكن حصر ناره في لبنان قبل العراق، كما حصل أثناء حروب السبعة عشر عاماً. فالقياس عليها خطأ قاتل، لأن لا أحد فوق "سكين المذهبية" في المنطقة.
طهران اختارت كيفية "مواجهة إشعال الحرب المذهبية". ولذلك لم تعد محاولة ضرب مشروع "العرقنة" كلاماً اعلامياً للاستهلاك السياسي الاقليمي للقيادة الايرانية. ذلك ان "الحرب الناعمة" (سبق لـ "المستقبل" تفصيلها في مطلع حزيران من العام الماضي) التي كانت حتى ربيع العام الماضي نظرية للدراسة، أصبحت كما يبدو خطة تنفذ سواء بفعل المؤامرة الخارجية أو بفعل التواصل بين الداخل والخارج بحكم قواعد الجغرافيا وروابط العلاقات الاجتماعية.
ولا شك أن توالي الانفجارات والاعتداءات في زهدان على الحدود مع باكستان كان يمكن ان تبقى من فعل "مخربين" يحاربون بصمت، لولا عدم وعي طهران الكامل خطورة انفجار مواجهات مذهبية ـ قومية. ذلك أن طهران التي تابعت بدقة عملية "الحرب الناعمة" التي وصفتها بأنها من تدبير واشنطن، التقطت بسرعة إمكانية نجاح هذه "المؤامرة"، فعملت على تسمية الاشياء باسمائها وهي أن "العمليات الإرهابية" في بلوشستان هي حلقة لبث الفرقة بين الشيعة والسنّة" واستكمالاً لهذا الهدف تحويل مشروع دولة بلوشستان الكبرى إلى حرب قوميات داخل إيران وباكستان وأفغانستان. ومن الطبيعي أن اندماج صراع قومي بالعامل المذهبي، ينتج بركاناً ضخماً لا بد لشظاياه من التمدد واصابة حالات اخرى مثل الاذريّين والاكراد والعرب.
والدعوة الملحة لقائد الباسيدج الجنرال محمد حجازي "للشعب الايراني من الشيعة والسنّة المحافظة على وحدتهم والتحلي بمزيد من اليقظة"، لا يمكن العمل بها داخل إيران، وإهمالها على الحدود سواء في العراق أو لبنان "الحدودي" لإيران في جانبين: المذهبي والسياسي مجسداً بحزب الله والمقاومة. ولذلك فإن طهران وهي تبحث مع السعودية لصياغة مخارج للحل"، تفعل ذلك وهي مدركة بقوة انها أيضاً في هذا انما تخدم أمنها القومي وتحصنه. فالذين يريدون الإمساك بأقدارهم وبناء موقع لهم لا يتركون مصيرهم مرهوناً لحسابات ضيقة، أو أحلام صغيرة مهما بدت كبيرة لهم.
"الإجماع" الصعب
يمكن الآن وغداً تعليق الحل على حبل الصيغة المستهلكة وهي "إجماع اللبنانيين". فهذا الإجماع ممكن إذا توقفت دمشق عن المضاربة من كيس اللبنانيين مستخدمة في ذلك "رصيدها" الذي جمعته طوال ثلاثة عقود من حلفاء ومتعاونين ووكلاء، كلاً منهم على موقعه وقدره. وهذا القرار التاريخي لا يمكن أن يحصل إلا في حالتين هما:
أولاً الانسحاب السياسي السوري بعد العسكري من لبنان، وهذا ليس مطلباً واقعياً فلدمشق وبيروت مصالح مشتركة نابعة من التاريخ والجغرافيا والقضايا المشتركة، على قاعدة أن أمن سوريا من أمن لبنان والعكس صحيح. لكن أيضاً لا يمكن لدمشق أن تحول الوضع إلى سلاح يومي ضد الخيارات اللبنانية.
وثانياً القبول بوقائع الوضع الناشئ عن أخطار الحرب المذهبية التي "تعدي ولا تستثمر" ولها في ذلك نصير وحليفها التاريخي طهران، فتتفاهم أولاً مع طهران على ما تريده، وعلى قاعدة ما هو ممكن وليس ما هو مطلوب.
إستعداد الداخل
يبقى أن كل دوائر هذا الخارج مهما التقت وتداخلت وتفاهمت وساهمت في صياغة الحلول، لن تتجسد في مبادرة حل حقيقية ما لم يكن الداخل اللبناني مستعداً ومتقبلاً فعلاً للحل. ويمكن هنا الحديث حتى الصباح عن المصلحة اللبنانية في وأد مشروع "العرقنة". ويمكن بناء جبل كامل من التصريحات الرافضة للفتنة وللحرب الأهلية. لكن المهم أولاً وأخيراً كيف ومتى سيتم الخروج أولاً من "تصخر" المواقف ثم عبور جسور الثقة ومن ثَمّ فتح الباب أمام الحل، مهما بدت التضحيات المطلوبة قاسية وتتطلب شجاعة استثنائية ولا شك أن البداية لكل ذلك داخلياً في التوقف نهائياً عن ترداد لغة قاتلة تقوم على أن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الأزمة وخصوصاً في الوسط التجاري، لا تعنيها لانها أموال الأغنياء في خدمة الأغنياء. فالأمن الاقتصادي كان وما زال صنواً للأمن السياسي وكلما ازداد وتعمق الانهيار الاقتصادي تقطعت أوصال الحل السياسي.
أمام هذه الأخطار المحدقة والمصيرية، حان الوقت لمختلف القوى الخارجية ومنها طهران ودمشق والداخلية من 14 آذار و8 آذار، أن ترسم حدودها على صعيدي المطالب والواجبات. ذلك أن الاكتفاء بتعليم لخطوط زرقاء لم يعد ينفي الأخطار، ومن أساسات رسم الحدود انه مهمة مشتركة وليس أحادية. لذلك يجب العمل بواقعية وإيجابية لمصالح ومواقف كل طرف على حدة، وإلا فإن التهدئة على حدود غير مرسومة ليست سوى المدخل المباشر لانهيارات نهائية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00