هل قدر منطقة الشرق الأوسط أن تنتقل من حرب إلى حرب؟ هل هذه الحروب من فصل مؤامرات خارجية فقط؟ وماذا فعلت شعوب المنطقة وحكامها مجتمعين وفرادى لعدم الوقوع مباشرة في "بيت العنكبوت" بدلاً من الالتفاف عليه وتجنبه ولو ببذل بعض التضحيات والتنازلات؟
طبول عدة حروب في حرب واحدة تقرع حالياً، وأصواتها تتردد في أربع زوايا المنطقة، ترافقها قعقعة السلاح، والتفجيرات والاغتيالات، وما كان همساً قبل أشهر فقط أصبح علناً. وما كان يبحث في اجتماعات فائقة السرية تحول إلى جداول أعمال لمؤتمرات علنية تعقد على أعلى المستويات.
الحرب والخراب
الحرب الأولى وهي خطر قائم حتى اشعار آخر، تكاد تكون "أم الحروب" إذا وقعت، والمقصود بها المواجهة العسكرية الشاملة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران. ورغم أن هذه الحرب تكاد تكون معلنة ولا يريدها أحد في المنطقة، لانها "ستخربها لعقود طويلة، فمن لن يشارك بها مباشرة أو بالواسطة قد يبقى متهماً حتى اشعار آخر". وإذا كانت إيران تعرف أن هذه الحرب إذا ما وقعت ستكون مدمّرة لها، لأن واشنطن تريد إلغاءها كما الغت العراق، إذا لم يكن ممكناً استرجاعها كما كانت في عهد الشاه، فإنها لا تتنازل عن "مشروعها النووي"، لأن تنازل قيادة المرشد علي خامنئي سيعتبر إسقاطاً لمشروع قومي أدرك أهميته وعمل له الشاه وواشنطن مستعدة "للتفاوض على كل شيء مع طهران مقابل تنازلها عن مشروعها النووي". وأمام هذه العقدة، فإن الحرب تبدو وكأنها مساراً لا رجعة عنه، رغم "أن العقل والمنطق والحسابات الميدانية تقول بوجوب عدم الوقوع في هذا الفخ". لكن ما العمل مع إدارة أميركية يرأسها جورج بوش تؤمن بأن تسليمها للقيادة الإيرانية وتحديداً للرئيس أحمدي نجاد بمطالبها هو بداية النهاية للنفوذ الأميركي في المنطقة، والأخطر من ذلك هو "قرع جرس نهاية الاحادية الأميركية في العالم". ولذا فإن "التشاؤم" العميق والواسع هو سيد الموقف.
والمشكلة أن بعض قوى المنطقة وهي تتابع وتلاحق هذا الخطر، تجد نفسها عاجزة عن دفع المسار الحالي إلى خارج هذه القدرية التي تسكن في عقول أهلها قبل قلوبهم. ومما يزيد عمق هذه القدرية، أن عدم وقوع الحرب المفتوحة لا يعني نجاة المنطقة. ذلك أن وسائل أخرى يتم ايقاظ "شياطينها" على مساحة المنطقة. وهي لم تعد سوى بقعة الزيت العراقية التي تتمدد بسرعة إلى إيران وغيرها.
"الحرب الناعمة"، التي كانت خطة في مراكز الدراسات الأميركية تحولت خطة مدروسة تستثمر واقعاً قائماً منذ قرون واخطاءً مرتكبة منذ عقود. ولذلك فإن إيران المميزة بحدة وحدتها الوطنية وقوتها تتعرض لصدامات ظاهرها الاعتراض على السلطة وباطنها، اشعال حروب مذهبية وعرقية، تبدأ في زاهدان في بلوشستان وتنتهي في اذربيجان الإيرانية مروراً بالبركان الهادئ في كردستان.
والمسؤولية حالياً وهي كبيرة وخطيرة ومستقبلية تقع كلياً على عاتق القيادة الإيرانية، ففي مثل هذه الحالات لا يمكن أن يكون الحل عسكرياً ـ أمنياً، لأن أساس المشكلة سياسي ـ اقتصادي.
الالتفاف الإيراني
وإذا كانت طهران تعمل بكل قواها على الالتفاف على هذا الفخ القاتل، بالانفتاح على محيطها الإقليمي، إلا انها تبدو مقيدة بمفاعيل العلاقات والأحلاف القديمة، مثل حلفها مع دمشق، من جهة، والشروط الجيوسياسية التي تفرض عليها الابقاء على التوازن مع انقرة رغم كل دوافع التفاهم معها. وأمام هذه العقدة تبدو انقرة واعية جداً وهي تعود إلى الشرق دون أن تتناسى لحظة واحدة إرادتها وطموحها بالارتباط مع الغرب الأوروبي، العبء الكبير الواقع عليها. والاتراك على مختلف مواقعهم ومسؤولياتهم يعرفون ويعترفون بأن إيران وسوريا هما جزء من أمنهم القومي "لا يستطيعون سوى التعامل مع كل التطورات على أساسه. ولذلك لا يريدون مطلقاً ان تقع الحرب بين واشنطن وطهران، ولا يرغبون بأن تبقى دمشق مندفعة على مسار حافة الهاوية، حتى لا يقع المحظور ويفاجئوا بما لا يريدونه".
والخوف الأكبر لدى الجميع في المنطقة أن تتواصل بؤر النار المشتعلة أو الكامنة في العراق وفلسطين ولبنان لتتحول إلى "حزام نار" يخنق المنطقة كلها، فالحرب المذهبية السنّية ـ الشيعية "ستعيد حكماً المنطقة مئات السنوات إلى الوراء، ولن يكون أحد فوق سكينها. فالجميع يرقص حالياً تحت حدها".
العمل لإطفاء النار العراقية
ولذلك فإن المسارعة في "إطفاء النار العراقية"، ليست فقط واجباً عربياً، وانما مهمة وطنية لكل دولة على حدة. فاللعب على هذه "النار" قاتل مهما بدا ناجحاً في البداية. فالقاعدة أصبحت معروفة أن "غول" الاصولية والمذهبية يلتهم من دفعه ورباه وغذاه ولو بعد حين. والدليل الميداني قائم في دفع واشنطن لآلاف الشبان العرب والمسلمين إلى أفغانستان، وعندما خرج السوفيات، دخل هؤلاء الافغان في نسيج معظم الدول التي اتوا منها، الى ان وصلوا إلى اشعال الحرب العالمية الثالثة في 11 أيلول من العام 2001.
والمهمة الثانية هي في تثبيت وتطوير "اتفاق مكة" بحيث لا يكون مجرد عملية كيّ بالنار تجنباً للدماء، وانما توصلاً إلى انجاز مصالحة فعلية تبقي على مشروع العودة واستعادة فلسطين جذوة لا تنطفئ حتى تبلوّر الظروف المنتجة لذلك.
يبقى لبنان الذي يعيش حرباً أهلية باردة تهدده يومياً بتحولها حرباً أهلية مدمّرة. والخطر هنا لم يعد وسيلة، لتحقيق أهداف اخرى صغيرة . انه خطر قائم، فالسلاح عاد إلى الأيدي والخوف المزروع قادر على الدفع نحو الانتحار به. ومهما كانت المسؤولية عن هذا الواقع جماعية، فإن الجزء الأكبر من هذه المسؤولية يقع بالذات على "حزب الله". ذلك أن تحول سلاح المقاومة إلى سلاح ميليشياوي مأساة حقيقية، يجب تجنبها.
وقد سبق للمقاومة الفلسطينية أن خسرت حرب العام 1982 قبل سنوات، عندما غرق سلاحها في مستنقعات أزقة بيروت والمناطق. والجميع بانتظار خطوة كبيرة من "حزب الله" العمود الفقري للمعارضة لضرب مثل هذا المشروع المذهبي، ليؤكد بالممارسة رغبته وإرادته بالحرب ضد الحرب الأهلية، التي لا أحد يعلنها، وانما يكفي الانزلاق اليه احتكاكٌ صغير يتحول إلى مواجهات شاملة سلاحها "القناصة"، وعمليات "الفانات المجوقلة".
واشنطن ودمشق تتحملان مسؤولية هذا الاندفاع "بكرة النار". الأولى لانها ليست مستعدة للقبول بالنظام الإيراني بعيداً عن رفضها للمشروع النووي من جهة، وخوفها من الهزيمة في العراق من جهة اخرى، مما سيرسم مساراً جديداً مختلفاً لحضورها وسطوتها في المنطقة. ودمشق المستعدة لتقديم كل التنازلات التي تطلبها منها واشنطن، طلباً منها لاستعادة لبنان دون أن تقبل بالتنازل أخوياً للعرب من موقع المصير المشترك. ولذلك كله فإن لبنان باقٍ حتى اشعار آخر في عين الإعصار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.