8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

دمشق تداوي إحراجها من التفاهم السعودي ـ الإيراني بدفع "حزب الله" نحو الخيارات الصعبة

أن تغضب دمشق، ليس أمراً جديداً، ولا حدثاً مفاجئاً. دمشق منذ خرجت من لبنان، وهي غاضبة، لا تستطيع أن تبلع مرارة انسحاب قواتها، في وقت كانت تعتقد ان حركة الأرض تتغير وجهتها، ووضعها في لبنان لن يتغير. المفاجأة الكبرى التي فاجأتها، انها لم تقرأ جيداً ميزان "زلزال" 14 شباط.
الآن غضب دمشق يتجدّد، لا بل يزداد سطوعاً، بعد فترة هدوء اعتقدت خلالها أن رهانها على "جنرال الوقت" كان بمحله، فقد أنتج لها تقدماً على مختلف الجبهات، بعد انكفاء تكتيكي مكلف لكنه ناجح. يكفي أن يعود رأيها سيّد الآراء لحل الأزمة في لبنان حتى يتأكد الجميع من نجاحها.
"تعمّق التقاطع"
المفاجأة الكبيرة التي يبدو أنها خلطت كل حسابات دمشق، بعد استقوائها بقرب رحيل الرئيس "القِبلي" (حسب مقاييسها الديموقراطية) جاك شيراك، وإنحلال "البوشية" في واشنطن مع تقدّم الديموقراطيين حالياً وإمكانية فوزهم بالرئاسة المقبلة، هي في تعمق "التقاطع" الحاصل في العمق بين طهران والرياض حول ملفات المنطقة الساخنة. ولا شك في ان التداخل غير المتوقع في الحفاظ على الأمن القومي واستقراره على صعيد المنطقة من جهة وعلى صعيد البلدين قد دفع هذا التوجه الى العمل لـ"حدّ الفتنة بين المسلمين سنة وشيعة" يعني الرياض وطهران بالقدر نفسه. ولذلك فإن العمل لفكفكة عقد المنطقة خصوصاً في "مثلث الموت" الكبير المنشأ حديثاً من العراق وفلسطين ولبنان هو مهمة من صلب أمنهما القومي. وهذا التوجه هو عكس توجه دمشق وهو استثمار كل هذه العقد في "مثلث الموت" الجديد الى أقصى ما يمكنها لأن عائداته تقوّي النظام وتزيد حاجة الآخرين له ولخدماته.
دمشق المحرجة
هذا التقاطع ـ التقارب بين الرياض وطهران يحرج أكثر ما يحرج دمشق في لبنان. ذلك أن صوغ أي حل تنضم اليه دمشق حول بيروت، ولا تضعه أو على الأقل لا تشارك في تشخيصه وتعمل لفرز ما تراه مناسباً لها من حلول، ليشكل العمود الفقري لنقاط أي مبادرة، هو حلّ ضدها، وضد دورها، وضد نفوذها المغيب الذي يجب أن يعود بطريقة أو بأخرى.
وأمام هذه المفاجأة التي جاءت دمشق "من الشرق بدلاً من الغرب"، كما كانت تتوقع فإنها مضطرة الى التعامل معها بحذر شديد برغم أعاصير غضبها. فدمشق لا تقبل الحل في لبنان دون إرادتها لأن مستقبلها في اللعبة. فهي ليست قادرة على الدخول في مواجهة مع طهران، لأنها في موقع الحليف المحتاج، وليس كما كان الوضع سابقاً في وضع الحليف القوي الذي يطلب فيسمع ويطاع. ولذلك عمدت دمشق إلى التعامل مع هذا الإعصار بالاختباء خلف "حزب الله" لتحمي نفسها ولتحرج طهران أكثر فأكثر فتضطر ولو متأخرة إلى التراجع والسير حسب وجهة "البوصلة الدمشقية".
ولا شك في أن حرج "حزب الله" أكبر من الآخرين. ذلك انه مهما كان ملتزماً "الولاية المطلقة" في طهران، ومهما كان مضطراً الى التعامل بدقة وحذر مع دمشق لانها تمسك "بوريده" اللوجستي، إلا انه مضطر الى العمل على وقع "النبْض اللبناني"، لأنه إذا خرج عن هذا المسار يستطيع أن يصون حاضره في "الحاضنة المذهبية"، لكنه لن يضمن مستقبله وخصوصاً أن القاعدة الأولى في المنطقة هي ندرة الثوابت وكثرة المتغيّرات. ولذلك كله فإن "حزب الله" وان كان يرى أن "مخيم رياض الصلح" قد استنفد اغراضه وأهدافه، وانه عاجلاً أم آجلاً سيكون مضطراً للعثور على صيغة ترضي أو تهدئ حليفه الجنرال ميشال عون لانه لن ينتخب رئيساً للجمهورية وانه سيكون مضطراً للسير بهذا الخيار، ولذا فإنه أخيراً سيكون مكرهاً لا بطلاً في الاختيار بين قرار الحل الآتي من طهران والرياض، وإرادة دمشق في اللعب على الوقت الضائع لضرب هذا الحل الذي لن يرضيها.
معرفة دمشق بحساسية وضعها مع طهران وعقدة موقف "حزب الله" من جهة وإدراكها القوي بأنها تقترب أكثر فأكثر من "ساعة الحقيقة" وذلك كما اطلعت مباشرة من وزير خارجية بلجيكا كارل دوغريت هو الذي دفعها إلى هذا التصعيد والتهديد "بإقفال الحدود مع لبنان" وإصرارها على محاكمة المتهمين السوريين (متى أعلنت اسماؤهم) أمام محكمة سورية مع ان ذلك مخالف للقانون الدولي".
مشكلة دمشق ليست في رحيل جاك شيراك من قصر الاليزيه، ولا في زوال سطوة وقوة جورج بوش ومجيء خليفة له من الحزب الديموقراطي، ولا حتى هي مع طهران التي تقدم قواعد الاستراتيجية وشروطها في حركتها السياسية على التكتيك مهما بلغت البراعة في تنفيذه.
مشكلة دمشق انها لا تريد تغيير سلوكها والخطوة الأولى في هذا المسار هي الخروج من هذه السياسة، والتعامل مع لبنان من موقع الاخوّة وليس الرغبة بالهيمنة عليه.
وحتى يقع هذا التحول، فإن انتظار ترجمة المساعي الجدية في مبادرة واضحة قد يطول قليلاً. فالأزمة في لبنان ما زالت على موعد مع استحقاقات كبيرة منها اولها مؤتمر بغداد وما سيستتبعه من حركة سياسية تفرزها نتائجه وصولاً إلى الحلقة الأساسية وهي القمة العربية في الرياض.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00