انتهت عزلة دمشق دولياً في 14 آذار. لقاء خافيير سولانا المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد لأوروبي مع الرئيس بشار الأسد، إشعار رسمي بالوصول الى نهاية القطيعة الدولية ـ أهمية سولانا ليست فقط في موقعه الأوروبي الكبير. قبل ذلك تولى أمانة سرّ حلف الناتو. أهمية سولانا انه "الأوروبي" حتى العظم لدى الأميركيين، و"الأميركي" العارف والمضطلع في العمق لدى الأوروبيين. هذه الازدواجية، فعل تزاوج وليس منافسة، والنتيجة هي في وحدة الخطاب وتوجيه الرسائل.
دمشق أرادت وهي في قمّة عزلتها، أن تكون بداية الحوار معها من لبنان وصولاً الى الجولان مروراً بالعراق. سولانا ومعه الغرب، قبلا بهذا المطلب ولذلك تمحورت المباحثات حول لبنان. لكن هذا العنوان المشترك للمباحثات، لا يعني مطلقاً تفاهماً سورياً ـ غربياً على صلب القضية. ولذلك تبدو المطالب رغم تقاطعها متعارضة.
تنفيذ القرارات الدولية
خافيير سولانا جاء الى دمشق "مكلّفاً من الاتحاد الأوروبي لبحث الملف اللبناني"، لكن على قاعدة "التمسك بوحدة لبنان واستقلاله". في دمشق حيث أجرى محادثات "جدية وصريحة وفي مناخ ايجابي" مع الرئيس بشار الأسد طالب "ببذل جهود كبيرة لتطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، لأن هذا الأمر ضروري لتحقيق السلام والاستقرار في لبنان".
"الرسالة" التي حملها سولانا وقالها علانية في دمشق لا تحتمل أي تأويل. لا بل دخل سولانا على خط التفاصيل متجاوزاً القيود البروتوكولية، فطالب دمشق "بالقبول على الأقل بجدول زمني لحل المشاكل"، فالوعود لم تعد تكفي. والمطلوب رؤية "خطوات ملموسة على الأرض".
والجائزة الكبرى لسوريا متى وقع انخراطها في تنفيذ مطالب المجتمع الدولي منها في لبنان، "العمل لاستعادة الجولان المحتل حتى حدود الرابع من حزيران 1967"، علماً أن هذا المطلب هو حقها الطبيعي ولا منّة لأحد به عليها. إنما هذا الكلام الغربي العلني الصادر من سولانا يؤشر الى عودة الحياة الى المسار الدولي لإحلال سلام شامل وكامل في المنطقة الذي بدون استعادة سوريا للجولان المحتل لا يقوم.
تجاوب دمشق مع هذه "الرسالة" الدولية مهم جداً. والتحولات العربية والاقليمية، تساعدها بالانخراط في هذا المسار، الا اذا اعتبرت دق الغرب على بابها هو من "غريق" يجب استثمار قلقه بمزيد من المطالب والشروط في لبنان. لا شك ان دمشق تعرف جيداً ان الأسابيع القليلة المقبلة، سواء السابقة فيها على انعقاد القمّة العربية، أو على مؤتمر اسطنبول اللاحق على مؤتمر بغداد، هي فترة اختيار ميداني لكل تصريح وقرار وخطوة تنفيذية من جانبها سواء في لبنان والعراق أو فلسطين.
"الغواصة السورية"
لبنان هو كما كان منذ زلزال 14 شباط، مركز الحسم في كل المواجهات والقرارات. ومهما ألقت دمشق بكرة النار على الأفرقاء اللبنانيين، فإن المجتمع الدولي أصبح يعرف التفاصيل الدقيقة لحركة كل طرف من الأطراف السياسية اللبنانية. ولذلك ليس من الصعب مطلقاً على "رادارات" المتابعة الدولية، التقاط حركة "الغواصة السورية" ومسارها في أعماق المعارضات اللبنانية.
"حزب الله" حساباته أكبر بكثير من حسابات باقي حلفائه في المعارضة. عليه يقع عبء المقاومة واستمراريتها إلى حين تحرير كامل الأراضي اللبنانية المحتلة والانتهاء من ملف الأسرى اللبنانيين. ولذلك فإن مواجهته للتحوّلات الجارية لا بد أن تكون مدروسة جيداً. و"الحزب" كما اعتاد يعمل دائماً على أساس مواجهة الاستحقاق القادم قبل استحقاقه، لأن المفاجأة تربك وأحياناً تعطل وتشتت. ولذلك استعد اثناء الحرب لمرحلة الإعمار لما بعد الحرب بحيث أن الأجهزة المعنية كانت قد شكلت قبل صدور القرار 1701 والأموال أصبحت مقسمة ومجدولة بحيث بدأ توزيعها في الأيام الأولى لوقف إطلاق النار، مما انتج استيعاباً كاملاً لكل ردّات الفعل الشعبية في مواجهة الدمار وأحزانه وآلام الخسائر الانسانية.
الآن، يستعد "الحزب" لمرحلة ما بعد حل الأزمة السياسية، أي لما بعد تفكيك "مخيم رياض الصلح" وتشكيل حكومة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، ولذلك فإن كيفية مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة من مهماته الأساسية، ومعالجة المفاجأة الكبيرة التي واجهته في فشله الحقيقي في تحقيق اختراق واضح لدى السنّة، الذي اربك كل حساباته ودفعه بالقوة نحو "المربع المذهبي" بعد أن كان قد نجح عبر المقاومة بالانتشار مما كان يحصنه ويقويه.
"حزب الله" وتوازن حركته
ولا شك أن "حزب الله" وهو يدرس كل هذه المهمات وواجباته مضطر أساساً للإبقاء على توازنه بحيث يكون دائماً تحت "عمامة" ولاية الفقيه المطلقة، من جهة، ولا يتخلى عن تحالفه مع دمشق دون أن يضطر إلى تغليب شروط تحالفه هذا على موقعه. فلبنان مهما بلغت أهمية التحوّلات حوله، لا يمكن أن يعود إلى ما قبل 14 آذار 2005. المجتمع الدولي، لا يريد ذلك ولن يقبل به. وهذا الموقف ليس حباً فقط بلبنان المستقل وانما لانه لا يرغب باستقواء دمشق أكثر. ولا العرب وعلى رأسهم الرياض والقاهرة، سيتراجعون عن رؤيتهم للبنان بلداً مستقراً يحلو فيه العيش والاستثمار والأهم تحصين المنطقة به من "العرقنة"، ولا حتى طهران مستعدة مهما بلغت قيود تحالفها مع دمشق لأن تتعامل مع لبنان عبر دمشق.
المعارضات وتحديداً "حزب الله" فيها، تستطيع أن "تخيم" الف يوم آخر في ساحة رياض الصلح. لكن مهما بالغت بعض أطراف هذه "المعارضات" بحجم مطالبها لأنها في النهاية ستخرج من "العرس كله بحمص الهتاف بالنصر" فإن هذا التوافق الدولي ـ العربي ـ الإقليمي على ضرورة خروج لبنان من الأزمة التي تكاد حتى الآن تهدد كيانه ومستقبله يفرض مفاعيله. وإذا كانت دمشق تبدو وكأنها مستعدة للتعامل معه، لأن الوقوف في وجهه، هو وقوف في وجه "إعصار"، معلن فإن "حزب الله" عليه ان يعيد حساباته حتى لا يتحوّل لبنان كله إلى "مخيمات" ولعل الخطوة الشجاعة الحقيقية هي في إخراج التفاوض من تحت ضغط الشارع خصوصاً وأن الحل إذا جاء نتيجة لاستمرار وضع السكين على رقبة اللبنانيين سيكون حلاً موقتاً يبقي لبنان ساحة مكشوفة ومفتوحة أمام الأعاصير، وستدفع نجاح هذه التجربة إلى قياس باقي القوى والطوائف عليها مستقبلاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.