كيفية انعقاد قمّة عربيّة ناجحة، هي الشغل الشاغل للرياض والقاهرة. الوضع العربي لم يعد يحتمل التأجيل. الملفات المشتعلة تكاد توازي الملفات الساخنة. وكل ساحة من ساحات العراق وفلسطين ولبنان تحمل خطراً مصيرياً على العرب مجتمعين، فكيف بها مجتمعة توحد بينها التداخلات الخارجية والداخية. الى جانبها، تقوم أيضاً ساحات الصومال واليمن والسودان، كل واحدة منها تشكل مشروع بركان مدمّر يوازي في عنفه خطر "العرقنة".
نجاح القمة العربية متوقف على حل عقدتين: الأولى عربية وهي في دمشق والثانية إقليمية وهي في طهران. والاتفاق قائم على أن دمشق هي عقدة القطع والوصل في الساحات الثلاث العراقية واللبنانية والفلسطينية. دمشق قادرة على الحل وفي الوقت نفسه تريد ثمناً لدورها هذا بعيداً عن شعارات الواجب القومي. وهذا النهج القائم على تقاطع المصالح تمهيداً للانطلاق في مسار الحل يعطل الحل نفسه.
صيغة التفاهم؟
الجهود الديبلوماسية والسياسية مستمرة بدون توقف للعثور على صيغة يتم من خلالها التفاهم مع دمشق. لكن كما يبدو ان "الدهشة" مستمرة من مواقفها. والواقعية السياسية تعترض تفاهماً ثلاثياً بين الرياض والقاهرة ودمشق ولا يبدو حتى الآن رغم حديث القاهرة مع دمشق "من القلب الى القلب وبكل الانفتاح والموضوعية والصراحة"، قد أنتج الصيغة الايجابية لحصول قمّة ثلاثية مع الرياض. ذلك ان دمشق المستقوية بالتطورات الدولية ومنها اقتراب رحيل الرئيس جاك شيراك من الرئاسة وغرق الرئيس جورج بوش في مماحكات لا تنتهي مع الديموقراطيين من جهة وادراكها لحاجة العرب لها من جهة أخرى، تجعلها لا تبدو مستعجلة، رغم انّ التأني الآن لا يضمن السلامة لأحد.
بدورها طهران تشكل حالياً العقدة الحساسة والصعبة والدقيقة في المنطقة، وهي أصبحت حاضرة على امتداد "قوس الأزمات" العربية. ولم يعد أحد ينكر لها هذا الحضور وإن كان يستنكر هذا التصاعد في القدرة على اللعب بكل هذه الساحات بحيث تحوّلت الى "كروت" بيديها تواجه بها خصومها وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية.
والواقع أن طهران تمسك الآن "حق" الفيتو في العراق ولبنان وفلسطين، وهي تقوم "بتحركات واعية على مساحة المنطقة" و"الحدائق الخلفية" للولايات المتحدة الأميركية في أميركا اللاتينية وللأوروبيين في افريقيا لتحسين مواقعها.
التقاطع السعودي ـ الايراني حول محاربة الفتنة، أنتج تفاهماً حقيقياً لا يمكن الحركة خارجه أو التلاعب عليه، لكن أيضاً فرض شروطاً جديدة للعب خصوصاً بالنسبة لحليفتها دمشق ولابنها الشرعي والوحيد" "حزب الله" اضافة الى باقي القوى والمنظمات على امتداد "قوس الأزمات العربية".
طهران بين الحرب والحصار
لكن طهران، وإن كانت تبدو قوية ومستقوية بسبب حضورها الفاعل في المنطقة، إلا أنها واقعة تحت ضغوط ضخمة من جانب المجتمع الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. واذا كانت تبدو مطمئنة الى استبعاد الحرب الشاملة أو الجزئية ضدها رغم تسريب لموسكو لسيناريو "اللسعة" الذي حدد السادس من الشهر المقبل نيسان موعداً لضرب عشرين هدفاً استراتيجياً ونووياً داخل ايران. لأن نقطة اخيل القاتلة منه وفيه. فالنفط سيتجاوز سعره تسعين دولاراً ولفترة طويلة. والرد الايراني سيكون واسعاً ومؤلماً حتى في داخل الولايات المتحدة الأميركية.
لكن استبعاد المواجهة العسكرية، لا يمنع وجود خطط بديلة تقوم على المزاوجة بين تشديد العقوبات الاقتصادية لخلق بؤر توتر اجتماعية داخلية قابلة لتلقي صيغ من الحلول المقبولة دولياً من جهة، وتصعيد "الحرب الناعمة" التي تقوم على تفجير "البوابات" المذهبية والعرقية المشكّلة من: البلوش، والأكراد والآذاريين والعرب المحيطة "بالقلب" الفارسي لإيران من جهة اخرى.
أمام هذا الوضع، تبدو تضاريس الساحة الساخنة في العراق وفلسطين ولبنان واقعة بين "المطرقة" السورية و"السندان" الايراني. رغم الاختلاف في الأهداف والوسائل، وبذلك فإن الوضع العربي كله يبدو أسيراً لتقلبات ومتغيرات دمشق وطهران، ومن الطبيعي أن شعور كل من العاصمتين بالأمن وبالاقتراب من قطف ثمار سياستهما ينعكس ايجاباً على تشكل الحلول والعكس صحيح.
لبنان باتفاق الجميع هو مركز الحسم للسلام والحرب على طول "قوس الأزمات العربية". ولذلك فإن كيفية تعامل دمشق وطهران عبر حلفائهما من أحزاب وقوى لبنانية خلال الأيام القليلة المقبلة هو الذي سيرسم مسار نجاح القمّة العربية أو فشلِها. مع العلم ان أي قراءة خاطئة لمتغيرات موازين القوى ستكون هذه المرة قاتلة. ورغم خطورة الوضع في العراق، فإن "مطبخ" الحل يمكن أن يعمل وهو يعمل حالياً فوق "نار" يوميات العنف الأسود. وفي فلسطين يبدو أن الحس الوطني الفلسطيني كان مؤثراً على اخراج الساحة الفلسطينية من كمين الحرب الأهلية تحت "السكين" الاسرائيلية.
كيفية تفاعل وحركة القوى والأحزاب المعارضة في لبنان مع الرغبة بإخراج لبنان من دور الساحة المختزلة لكل المواجهات الخارجية، سيؤشر حتماً الى مدى توافق حركتها مع "نبض" اللبنانيين. وهذا كله يتم في مرحلة تبدو فيها "ساعة الرمل" للحقيقة قد قاربت نهاية انزلاق حباتها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.