8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الهدوء الحذر معلّق على الانزلاق نحو أزمة اقتصادية عميقة

مطلوب معجزة حقيقية، لإنجاز المبادرة التي تؤمن الحل للأزمة في لبنان. خريطة الطريق موجودة. المهم السير عليها وليس الالتفاف عليها. والأهم عودة الثقة الى كل طرف بالطرف الآخر. الأزمة المفتوحة تجاوزت مئة وعشرة أيام. وقد تمرّ مئة يوم أخرى، والحال على حاله في مخيّم رياض الصلح. لكن من المؤكد أن حال اللبنانيين لن يكون على حاله. وإذا نجحت الأطراف كلها في الإبقاء على الأزمة في ثلاجة الحرب الأهلية الباردة، فإن هذا النجاح لن يغيب ولن يزيل خطر الانزلاق نحو هوّة أزمة اقتصادية تطيح الأمن الاقتصادي كله ومنه وإليه بالأمن الاجتماعي.
أحد كبار "طباخي" الحل يعترف بعيداً عن الساحة اللبنانية، أن كل ما حصل حتى الآن هو "حلحلة" للأزمة لكن الحل مؤجل". لا بل يصرّ هذا "الطباخ الماهر" ان لبنان يقف على مفترق طرق خطير جداً، يهدد مصيره، ولا حل، لأن الإعاقات متعددة وهي داخلية وخارجية معاً".
النار الكامنة
والعجيب أن قوى أخرى عربية وإقليمية وهي تشدد على "رغبتها وإرادتها على حل الأزمة في لبنان لأنه لا يجوز أن يبقى الوضع معلقاً على المتغيرات، إلا أن الحل أيضاً ما زال بعيداً، ولذلك فإن البديل هو في متابعة حلحلة الوضع والمحافظة على الهدوء الحالي، وعدم تعريض الوضع الهش لتجارب شارعية جديدة. والدليل ان حادثتي بر الياس ­ المنية أول من أمس أكدت ان النار كامنة تحت الرماد وكلما شعرَ اللبنانيون ان الحل بعيداً، ازداد قلقهم وتوترهم، مما يدفع بحادثة فردية صغيرة للتحول بفعل الاشاعات الى مواجهة مذهبية تضع لبنان كله أمام خطر تحوّل "الشارع" الى "شوارع".
"طباخو" الحل يقرّون أن اللاعبين بالنار التي تطبخ عليه "طبخة" الحل، هم من الداخل اللبناني ومن القوى الخارجية. والتقاطعات هي بين هذه القوى في المصالح وأحياناً في الأهداف لكن لا أحد يريد فعلاً كشف هوية اللاعبين بدون لبس ولا مغمغة، لأن من قواعد اللعب في الساحة اللبنانية أن يترك كل طرف "ورقة" أو أكثر مخفية حتى يكون وقعها أكبر عند الكشف عنها.
والواضح حتى الآن ان الانتظار هو سيّد اللعبة وبدلاً من صياغة الحلول قبل القمة العربية للتوقيع عليها في الجلسة الختامية، يبدو أن كل طرف يريد حمل "رزمة" مواقفه ساخنة الى القمة وهذا المستجدّ في المواقف يعود الى مواعيد واستحقاقات ستفرض متغيرات مهمة ومنها مؤتمر اسطنبول بعد بغداد والذي سيكون تمثيل الدول فيه وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية عالياً على مستوى كونداليزا رايس، وأيضاً قمة الدول الست التي اجتمعت في باكستان والتي ستجتمع في السعودية لاحقاً، وفي اجتماع الأمم المتحدة التي سيكون الرئيس أحمدي نجاد حاضراً فيه للدفاع عن الملف النووي لبلاده.
وبين هذه المواعيد وتلك، فإن الرئيس بشار الأسد "يعتقد أن الوقت يلعب لصالحه خصوصاً في لبنان وكلما ازداد ربحه ارتفع رصيد المصالح التي سيطالب بها في لعبة المقايضة".
إمّا لبنان وإمّا الجولان
السؤال الملحّ طالما أن الحل سيبقى معلقاً والأزمة مستمرة مع فرض أجواء من الحلحلة والتهدئة التي لا تضمن شيئاً. هل يتحمل لبنان البقاء أسيراً لكل هذه الأوضاع والتعقيدات الاقليمية والدولية فترة قد تمتد حتى الصيف المقبل؟
الجواب البديهي والسريع والشفاف ان لبنان لن يتحمل هذه الفترة من الانتظار، لأنه اذا لم ينفجر الوضع الأمني بفعل ارادي داخلي وخارجي، وهو مرجح جداً لأن التخريب هو النجاح والفوز على الساحة اللبنانية، فإن الوضع الاقتصادي لن يتحمل ولبنان معرّض للانزلاق نحو أزمة اقتصادية خطيرة قد لا تعني "مخيم" رياض الصلح ومقيمه، لأنهم يخلطون بين الدولة والحكومة. بين فكفكة الدولة وإسقاط الحكومة، بين نهاية لبنان وبين الانتصار على الحكومة.
الرئيس نبيه برّي وكما نُقل عنه يقول: "إن مؤتمر باريس 3 أصبح في مهبّ الريح". الخسارة هي أكبر بكثير من خسارة مفاعيل باريس ـ 2، لأن استحقاقات فوائد الدين الى جانب اجزاء من الدين تقترب من الاستحقاق ولا مال في الخزينة لتسديده من جهة، وإمكانية انعقاد باريس ـ 4 بعيدة جداً ان لم تكن معدومة، ان لغياب الرئيس جاك شيراك عن الدفع بكل قوته وحرارة علاقته بلبنان، أو لأن الاهتمام الدولي سيأخذ في الانسحاب لأن لا أحد يريد أن يكون ملكياً أكثر من الملك.
والاعترافات اليومية تتوالى فالدولة تواجه معضلة اعتمادات المحروقات للكهرباء وتردد المصارف وديون الشركات تزداد الى درجة تعثر العديد منها. هذا عدا انسحاب الدول وكبار المستثمرين من الاستثمار في لبنان بمبالغ يقدر حجمها بأكثر من 18 مليار دولار. الى جانب كل هذا فإن اقفال المؤسسات الاقتصادية يتوالى يومياً، مع استمرار تقسيم بيروت بالأسلاك الشائكة، أو بمفاعيل الخوف المتبادل.
القمة العربية المقبلة في الرياض، ستضع الكثير من النقاط على حروف "قوس الأزمات العربية". والخيارات مفتوحة على التصعيد أو التهدئة وصياغة المبادرات في صيغ واضحة لا لبس فيها.
والمشكلة كلها مهما كابر البعض هي في دمشق. ذلك ان استمرارها في المبالغة بتقديراتها في ربح الحرب في لبنان يدفعها فعلاً الى اختبارات خاطئة وخاسرة، علماً أن امكانية فتح ملف الجولان واستعادته تبدو الآن قائمة أكثر من أي وقت مضى، والعرب والعديد من القوى الدولية مستعدة حالياً للدخول في مسار احياء ملف الجولان اختيار دمشق هو الحاسم، ذلك ان الجمع بين الجولان ولبنان يبدو مستحيلاً. اما لبنان واستمرار الأزمة في ظلال العرقنة هو النتيجة، وإما الجولان وعندها فإن العرب وفي مقدّمهم اللبنانيون سيكونون مع دمشق قلباً وقالباً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00