ممنوع توقف الحوار. البديل من الحوار، التوتر فالمناكفة، فالمشاغبة، فالتصادم، فالعودة إلى الشارع. فالشوارع، الحل ما زال معلقاً، والحوار وان كان غير منتج له، على الأقل يبلور المواقف خطوة خطوة، ويفرض الهدوء. الحوار في ظل هذه الحرب الأهلية الباردة، هو مثل حبوب تهدئة الاعصاب. الأزمة موجودة ومستمرة. لكن التعامل اليومي معها يجري بهدوء مصطنع. هذه الاستمرارية وهذا الهدوء يُبقيان على الأمل. واللبنانيون بحاجة يومية له. فالأزمة حامية والضحية حالياً هو الاقتصاد أي رغيف عيش كل اللبنانيين واستطراداً طموحاتهم المشروعة لازدهار اقتصادي متوافق مع فورة أسعار النفط.
ضبط الانحدار
هذا الاستثناء قام فقط على إرادة ضبط الانحدار البطيء نحو "العرقنة"، لعل الحل الآتي يحقق المعجزة ويُخرج اللبنانيين من وسط هذه "الحرب" التي طبعاً كل فريق من الأفرقاء اللبنانيين يمكنه اتهام خصمه بالمسؤولية عما وقع ويقع. والواقع ان لا أحد بريء. ولا أحد يقف عاري الصدر في مواجهة الآخر الذي يطلق عليه النار يومياً، فما يجري في لبنان بدءاً من زلزال 14 شباط مروراً بكل الاغتيالات الإرهابية وصولاً إلى زلزال 12 تموز، يمكن أن يضع أي دولة مهما كانت قوية وراشدة على خط النار، فكيف بلبنان الذي ما إن يخرج من أزمة يتداخل فيها المحلي بالعربي بالإقليمي مع الدولي، حتى ينزلق نحو وضع أكثر تعقيداً وخطورة.
السؤال الذي يشغل اللبنانيين والكثير من العرب، هل يمكن أن يأتي الحل قبل انعقاد القمة العربية أم بعدها؟ وإذا جاء بعد القمة هل يكون في الوقت المناسب؟
انعدام الثقة بين الأطراف اللبنانية يؤجل الحل. ومما يزيد تعقيد المسألة، وقوع لبنان في مفترق طرق خطير وحساس ومستقبلي داخلياً وعربياً وإقليمياً. ذلك أن انتخاب رئيس للجمهورية يشكل "أم الاستحقاقات" في لبنان، لأن العادة جرت أن الرئيس الجديد لرئاسة الجمهورية هو نتاج حقيقي وواقعي للتوازنات المحلية والعربية والدولية. مرة واحدة لم يقع لبنان في شباك هذا الوضع، ذلك عندما انفردت دمشق بالقرار ومددت للرئيس إميل لحود نتيجة لهيمنتها عليه. فكان انفرادها كارثة حقيقية دفعت هي ثمنه غالياً قبل لبنان. من هنا فإن كل المعارك الدائرة حالياً تخفي المعركة الحقيقية وهي "هُوية" رئيس الجمهورية المقبل.
دمشق المستقوية
دمشق الخارجة من الحصار، وتبدو في أعلى درجات "شهيتها" لقطف ثمار ما تعتبره انتصاراً لها. ولذلك تعمل لفرض شروطها على اللبنانيين والعرب والأوروبيين. وهي بدأت في تقديم العروض. فدمشق وقبل الدخول في المسألة اللبنانية للتأكيد على مدى "شهيتها" أبدت استعدادها للتوسط بين إيران والدول الأوروبية حول الملف النووي مع العلم انها لم تنجز هي مصالحتها مع هذه الدول وهي ما زالت تلاحق تداعيات "الرسائل" التي وجهها إليها خافيير سولانا وغيره من المسؤولين الأوروبيين ومنهم وزير خارجية بلجيكا.
ودمشق أيضاً لا تبدو مستعجلة على الحل في لبنان، وهي قادرة على ذلك لانها تشكل عقدة القطع والوصل في الأزمة اللبنانية عبر الصيغة السحرية المجسّدة في الإجماع اللبناني، وعدم الاستعجال مكشوف في كل التحركات السورية حالياً.
وضوح العروض
والرئيس بشار الأسد بدا مؤخراً واضحاً في عرضه لما عنده ولما يريده وممن يريد التعاون معه. ومفتاح العرض "أن لبنان في كل أزماته السياسية عبر التاريخ بحاجة لمساعدة الدول، وأولاها الدول العربية ومن الطبيعي ان الأولى بذلك جارته الوحيدة سوريا".
وفي محاولة جادة لاستدراج العروض فإن الرئيس الأسد المشغول بقوة في تحقيق المصالحة مع السعودية لانها الطرف الوحيد القادر على فتح الأبواب أمامه. يستعيد الماضي للتأسيس عليه: "فاتفاق الطائف كان إحدى ثمرات التعاون السوري ـ السعودي"، ولضبط الوضع في لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري يجب قيام حركة سعودية ـ سورية مشتركة في إطار حركة عربية شاملة".
المشكلة أن ذاكرة العرب وخصوصاً اللبنانيين والسعوديين على السواء قوية جداً. ذلك أن دمشق استثمرت كامل مفاعيل الاتفاق لتحقيق هيمنتها على لبنان. ولو ان دمشق طبقت اتفاق الطائف الذي أمنت السعودية إنجازه، وضمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كل أسباب نجاحه، لما وصلنا إلى الوضع الذي جعل اللبنانيين يرفعون على مختلف انتماءاتهم العلم اللبناني تأكيداً لانتمائهم الوطنيّ ولما كان الشعار الأول والأخير المطالبة بالحرية والاستقلال والسيادة.
الرئيس بشار الأسد صريح جداً هذه الأيام. انه يريد "بحث إنشاء حكومة الوحدة الوطنية في القمة العربية لكي تولد" برعاية عربية مع التأكيد على خصوصية الدور المهم لدمشق والرياض في هذه المهمة". والمفاجأة في كل هذا العرض، أن دمشق تناست كلياً حليفتها طهران الموجودة بقوة على مسار الأزمة والحل معاً.
تحقيق "الربح الكثير" هو ما يشغل بال الرئيس بشار الأسد (راجع مقابلته مع صحيفة الوطن العمانية) والسؤال هنا: ما هي نوعية هذا الربح المطلوب وما هو حجمه؟ هل يتوقف عند العودة للإمساك بجزء أساسي من القرار اللبناني على قاعدة وحدة المسار والمصير فقط؟ أم أن "الربح الكثير" يعني أكثر من ذلك بكثير. وأول الرقص "حنجلة" كما يقول المثل الشعبي. وبهذا فإن "تفريغ قانون المحكمة الدولية وتحويل هذه المحكمة إلى محكمة جنائية عادية مع العلم أن بان كي مون الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة كان واضحاً جداً عندما أكد ان إنشاء المحكمة مسألة حاسمة وضرورية للغاية وبأسرع وقت وانه من دون تأسيسها لن ينجح التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري وإحلال العدالة"!.
التجارب السابقة اثبتت دوماً أن مفتاح الشهية "لقمة لبنانية"، فهل يكون الحل لأزمة الحكومة في لبنان هي "بداية" لنهاية معروفة لن ينفع أمامها لا المراجعة ولا الندم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.