"خريطة الألغام" السياسية على مساحة الساحة اللبنانية، موجودة في دمشق. وهي غير مستعدة لتسليمها إلى الدولة اللبنانية، لا اليوم ولا مستقبلاً.
دمشق بذلت جهوداً جبارة طوال ثلاثة عقود لرسم هذه "الخريطة" لتحديد "الألغام" القديمة والتي أعيد تحديثها أو الجديدة التي زرعت لتفجيرها تبعاً للظروف والمتغيّرات.
اللبنانيون ليسوا غرباء، عن هذه "الخريطة"، هم يعرفون عناوينها وأحياناً أحجام "ألغامها" وقوتها وفعاليتها وخطورتها، وحتى ما إذا كانت موقوتة أم أنها صالحة للتفجير بمجرد المرور عليها. لكن اللبنانيين غير قادرين على تفكيك هذه "الألغام" أو بالأصح معظمها، حتى وهم يدركون ومتيقنون بأن مستقبلهم يكمن في هذه العملية. ذلك مهما كابر البعض فإن العديد من الأطراف اللبنانية المعنية هي طرف في هذه "الخريطة"، والوجه الآخر لهذه المعضلة تكمن تفاصيله في فكفكة أحجية قرار دمشق في مواجهة كل "لغم" على حده أو جميعها وعلى السواء.
مزارع شبعا والجولان
مزارع شبعا، كانت ملفاً. لا خلاف حول تحريرها وإعادتها إلى لبنان لانها أرض لبنانية، الآن هي "لغم" ضخم في مواجهة اللبنانيين جميعهم ولكن الأخطر والأهم في مواجهة المقاومة و"حزب الله" بعد عامين من الكلام السوري حول "لبنانية" مزارع شبعا وضرورة استمرار المقاومة بالمقاومة لتحريرها، كشفت دمشق عن وقوع ملف "مزارع شبعا" في قلب "خريطة الطريق" للألغام، وتبين أنه بعد نزع بطاقة هويته اللبنانية جرى ربطه مباشرة بقضية تحرير الجولان. ولذلك فإن السؤال المنتصب أمام "حزب الله" هو إذا كانت دمشق لا تعترف بلبنانية "المزارع" فما العمل؟ خصوصاً وأن الخصم والحكم معاً هما دمشق؟
"لغم" الملف الفلسطيني، معروف الموقع والتفاصيل. وهيئة الحوار بين القوى والأحزاب اللبنانية كانت خلال انعقادها في مجلس النواب قد توصلت إلى اتفاق جماعي حول هذا الملف ـ اللغم يقضي بنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه داخل المخيمات، وقد تم تحديد مهلة زمنية لتنفيذ ذلك.
لكن جاءت حرب 12 تموز في الصيف الماضي، ودفعت بهذا الملف بعيداً عن التنفيذ. إذ يكفي اللبنانيين بناء المعابر لحل آثار الحرب وما نتج عنها وما أدت إلى فرزه في إطار عملية إعادة بناء موازين القوى داخلياً على وقع إنجازات الحرب من جهة، وشعور دمشق بأنها ربحت المعركة ضد الوقت والدليل تفكيك العزلة حولها.
وبعد أن قبلت مختلف القوى اللبنانية بتأجيل تنفيذها اتفق عليه حول الملف الفلسطيني، كشفت دمشق بطريقة مدروسة عن وجود "قنابل عنقودية" جرى قذفها إلى الداخل لتحيط بالملف ـ اللغم الفلسطيني إحاطة السوار بالمعصم. وبذلك تم صرف الهم اللبناني ـ الفلسطيني عن مداواة الوضع بالاهتمام بالوضع الاجتماعي والمعيشي داخل المخيمات على طريق فكفكة مشكلة السلاح عبر بناء جسور الثقة، باتجاه التعامل مع مشكلة جديدة هي "فتح الاسلام" حيث تبدو تفاصيل الخلط فيه بين العمل الفلسطيني والنشاط الخارجي الذي يطلق عليه مجازاً أو تزويراً "الجهادي"، حادة جداً، إلى درجة ان تفكيكها لا تشكل خطراً على اللبنانيين وعلى سلمهم الاهلي وانما الاهم على سلم المجتمع الفلسطيني في كافة المخيمات على مساحة لبنان وليس فقط مخيم نهر البارد.
لبنان "ارض رباط"
"فتح الاسلام" لا علاقة لها "بفتح" لا اسمها. لقد جرى إعلان انشقاقها عن حركة "فتح الانتفاضة" بعد سجن مسؤولها ابو خالد العملة لانه رفض متابعة "اللعب" خارج ما كان يعتقد انه قضيته ومهمته. ابو خالد العملة كان "قناة جهادية" ضد الاميركيين في العراق للعرب الراغبين بالقتال في العراق وبالاتفاق مع دمشق، لكن قواعد اللعبة تغيرت في لحظة دمشقية، ووجد ابو خالد العملة نفسه يحمل مسؤولية العشرات من المتطوعين العرب الخليجيين والمغاربة والمصريين والجزائريين والتوانسة ومن اللبنانيين والسوريين.
قصة تشكل تنظيم "فتح الاسلام" بعد سجن ابو خالد العملة اصبحت معروفة، ورغبة "المتطوعين" العرب للمغادرة ايضاً معروفة والمجيء بشيخ ليفتي لهم بأنهم في "ارض رباط" او "ارض نصرة" او في دار الاسلام مكشوفة. وهم الآن لا يستطيعون المغادرة بعد ان انكشفوا وفي الوقت نفسه يجري شحن تطرفهم يومياً ليتحولوا الى "احزمة ناسفة" يستخدمون عاجلاً او آجلاً على غرار جريمة عين علق الارهابية، او محاولة نسف مخيم رياض الصلح لإحداث فتنة مذهبية قبل ان تشكل صداماً بين قوى 14 آذار و8 آذار.
اجتثاث "فتح الاسلام" يزداد يوماً بعد يوم صعوبة، هذا الملف هو مجموعة من "القنابل العنقودية". ذلك ان اي قرار فلسطيني لتنفيذ هذه المهمة يتطلب اجماعاً فلسطينياً. وهذا مستحيل حالياً وربما مستقبلاً، خصوصاً وان منظمات عديدة قرارها ليس بيدها. وقيام الدولة اللبنانية بهذه المهمة يضعها في مواجهة اجماع لبناني، ولا يبدو هذا الاجماع موجوداً لان البعض يعتبره تجاوزاً للوصول الى المشكلة الفلسطينية كلها وبعض آخر يأخذ بعين الاعتبار صدى موقف دمشق. الى جانب كل ذلك ان اي صدام بين الجيش اللبناني وهذا التنظيم لا يمكن حصره في دائرة جغرافية ضيقة. ذلك ان رجال "فتح الاسلام" قادرون على الانتشار بسرعة بين المدنيين في مخيم نهر البارد والاستعانة بأعضاء جدد او قوى ملتحقة بهم تشكل على عجل في المخيمات الفلسطينية الاخرى تحت اسماء مختلفة او نتيجة لانشقاقات مفتعلة تحت شعار حماية الدم الفلسطيني.
باريس تتوقع وضع نظام دمشق يده على لبنان في اقل من سنة كاملة،اذا لم يتم التوصل الى إقرار انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي ويبدو ان دمشق التي "لا تعنيها المحكمة" كما تشدد مستمرة في المواجهة بناء على "خريطة الالغام" التي وضعتها، وهي مستقوية الآن لانها تشعر انها ربحت "الحرب" مع ان كل المؤشرات تقول بأنها لم تربح اكثر من "معركة" ضد الوقت.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.