8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الأزمة اللبنانيّة إلى الرياض والحلّ في وقف بيّاع الخوف عن بيعه

لم تكن القمّة العربيّة لتُعقد غداً في المملكة العربيّة السعوديّة، لو لم يقرّر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الإمساك بقيادة العمل العربي المشترك. وهذا القرار يأتي في وقت تكاد فيه الأخطار تمسك بوجود الأمّة كلها. عناوين هذه الأخطار قد تختصر بكلمة "العرقنة" التي لم يعد لها توصيف واحد ولا آلية وحيدة. لكل شريك من شركاء هذه الأمّة خصوصيّته، وبالتالي وصفة خاصة له من "العرقنة".
الملفات المشتعلة المركزية هي: العراق وفلسطين ولبنان وإلى جانبها ملفات حامية بعضها مضى عليها ما يكفي من الزمن ولم تهدأ وهي السودان واليمن والصومال. لكن رغم خطر العراق اليومي داخلياً وإمكانيّة انتشاره داخل الدائرة العربيّة أولاً ثم اقليمياً والأرجح إسلامياً حتى باكستان وأفغانستان فإن الملف المحوري الذي ترتكز عليه مجمل الملفات هو المشكلة الفلسطينية، مع بقاء لبنان مركزاً للحسم الملحّ الذي على أساسه يتم استيلاد آلية وأد "العرقنة".
"أم الصراعات"
الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية كان دائماً يعمل لفكفكة هذه العلاقة المركزية والمصيرية بين أم الصراعات وهو الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ومجمل القضايا القديمة والناشئة في المنطقة، الآن يعترف علانيّة بوجود هذا الرابط، وضرورة العمل لحلّ أصل النزاعات في فلسطين، لأن بعدها يسهل فكفكة باقي العقد. فالمشكلة الفلسطينية ولدت وسط العنف وهي تستولد من هذا العنف أشكالاً وأنواعاً من التطرّف غير المسبوق في التاريخ الحديث. ولذلك ما لم يتم فتح ثغرة في هذا النفق المظلم يولد الأمل لدى الفلسطينيين أولاً، فإنّ الانزلاق نحو الهاوية التي لا يعرف أحد أين تقع سيتم بوتيرة أسرع وبخسائر أكبر.
أمام القمّة العربيّة أيضاً أزمة كبيرة هي أزمة العلاقات العربيّة. فالعلاقات بين الرياض والقاهرة ودمشق مأزومة وحتى عاصفة مهما كان الصمت السعودي حول ذلك من ذهب. وأصل الأزمة في دمشق. وإذا كانت دمشق قد وجّهت مؤخراً "رسائل" عدّة، لفتح مسار للمصالحة مع الرياض والقاهرة. المشكلة ان دمشق تفعل ذلك وهي مستقوية بالمتغيّرات التي تعتبر أنها حققت بها انتصاراً في المواجهة مع انها لم تحرز أكثر من فوز بالنقاط في معركة واحدة من عدة معارك في حرب طويلة. ونتيجة لقناعة دمشق هذه، فإنها وهي توجّه الرسائل ومنها فتح الباب أمام خالد مشعل لزيارة الرياض وإعلان الاعتدال في موقف حركة حماس خصوصاً ما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. فان تفعل دمشق ذلك وهي تطلب مزيداً من رفع قيمة الثمن لها. والثمن الذي تطلبه فوراً هو في لبنان ومن ثم في العراق، والأهم من ذلك المساندة العربيّة الكاملة لها تعزيزاً لموقعها التفاوضي مع الولايات المتحدة الأميركية.
إيران "ضيف شرف"
ما يعزّز هذا الموقف السوري، أن إيران هي "ضيف الشرف" في هذه القمة، وان كانت لن تحضرها فهي موجودة بوجود دمشق أساساً، وهي تترأس "رباعية التشدّد" التي تضم معها دمشق و"حزب الله" وحركة "حماس" مسنوداً إلى تواجدها الواسع والعميق في شبكة القوى العراقية من الجنوب الشيعي إلى الشمال الكردي مروراً بـ"مثلث الموت" السنّي.
والمشكلة الكبرى أن القمة العربية برئاسة السعودية وهي تعمل لفكفكة الأزمات الموجودة أو مشاريع الأزمات المفترض قيامها، تريد صياغة آلية مؤثرة وفاعلة لوقف التمدد الإيراني، وفي الوقت نفسه التأكيد على التعاون مع طهران لمواجهة الفتنة بعد التقاطع الذي حصل بينهما على هذا صعيد، والأهم عدم التعرض لتجربة الوقوع أمام حرب أميركية ـ إيرانية لأن ساعة اشتعالها بيد أصحاب القرار لكن نهايتها معلقة على المجهول، الذي قد تفتح أبواب الجحيم المفتوحة أصلاً مواربة على المنطقة.
العرب يدفعون حالياً ثمن اخطاء الاستراتيجية الأميركية التي ولّدت كل هذه الاخطار المحيطة والكامنة بهم. ولعل أخطر ما في نتاج هذه الاخطاء، أن التطرف ينتشر يومياً على مساحة المنطقة. وأن العجز في مواجهته يكاد يولد اليأس بعد أن انتج مرارات لا تحصى.
"الإعصار" اللبناني
ووسط كل هذه العواصف، يستحضر "الإعصار اللبناني" نفسه ضيفاً على هذه القمة، ولا يبدو هناك وجود عصا سحرية لوقف هذا الإعصار، لأن مواعيده ليست لبنانية فقط. فاستحقاقاته ليست لبنانية أيضاً. ولذلك فإن انتهاء القمة العربية بحل يخرج لبنان من حالة الحرب الأهلية الباردة الحالية، قد يبقى أملاً ورجاء لفترة جديدة.
كل ما يمكن أن يحصل حتى إشعار آخر إبقاء لبنان تحت سقف التهدئة والعمل على إدارة الأزمة فيه. وطالما أن الداخل اللبناني متداخل مع الخارج العربي والإقليمي والدولي، فإنه يجب انتظار هدوء رياح التصعيد العسكري والسياسي ضد إيران أو ربما ملاحقة نيرانها إذا ما أكد الرئيس الأميركي جورج بوش مرة اخرى قدرته على كسر كل قواعد المنطق السياسي والعسكري.
ودائماً في مرحلة الانتظار الصعبة، يجب ملاحقة تفاصيل المؤتمر التالي لمؤتمر بغداد المنتظر عقده في تركيا. لانه في هذا المؤتمر ستظهر آلية حوار بين واشنطن وطهران ومعها دمشق. وأساس هذه الآلية في المباحثات ضمن اللجان المصغرة الأمنية والسياسية المقررة، والمعروف في هذه الحالات أن غير المعلن يكون دائماً أخطر من المعلن.
لا داعي للافراط في التشاؤم ولا في التفاؤل. من الأفضل السير في مسار الواقعية السياسية. وأولى الإشارات الزرقاء على هذا المسار، محاولة الاعتدال العربي الإعلان عن نفسه دون إرباك ولا قلق. فقد أصبح لهذا الاعتدال وظيفة وطنية وقومية تقوم على مواجهة التطرف الظاهر والكامن معاً، الذي يهدد بضرب أسس المنطقة وإعادتها إلى البدايات قبل قرون عدة. وما لم يحاصر الاعتدال العربي، بهويته ووظيفته دون عقد فإن التطرف سيلتهم الجميع، لانه ليس بحاجة لأحد فهو قادر على استيلاد التطرف من ذاته.
من أسس الواقعية السياسية، الوقوف في وجه الذين يستثمرون قوتهم في الأزمات اما لانهم يعتقدون انهم محصنون ضد العدوى منها، أو لانهم قادرون على بيع الخوف بأعلى الأثمان. والبداية من لبنان لأنه مركز الحسم في كل الأزمات، والحسم فيه يفتح دوائر النار لإطفائها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00