8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

قمّة الرياض أحيت العروبة سلاحاً لإنقاذ الأمّة وليس للقتال به ضد الآخرين

فوراً، تدق أجراس القلق لدى اللبنانيين، لدى أقل تحرك سياسي قادم من الغرب باتجاه دمشق، فكيف اذا جاء التحرك من واشنطن. عناوين القلق واحدة وهي: هل قررت واشنطن ومعها العواصم الغربية في ظل أزمة العراق واتساع المستنقع العراقي أن تبيع لبنان؟، وما هو الثمن الذي سيأخذونه لتمرير مصالحهم؟، وما هو الثمن الذي علينا تسديده من "كيسنا" للطرفين؟.
أحياناً كثيرة لا تجدي الاجابة ولو بلا قاطعة لعمليات البيع والمقايضة، لأن القلق المزروع في عقول الأغلبية المطلقة للبنانيين قبل قلوبهم يدفعهم نحو الاصرار على مشروعية هذا القلق. فدمشق لا تخفي طموحها بالعودة الى بيروت تحت أي صيغة تضمن لها حضوراً سياسياً مؤثراً ومنتجاً على مختلف المسارات والأحوال من جهة، والدول العظمى خاصة، لا تعرف غير المحافظة على مصالحها، ودائماً بتراتبية منطلقة من الأولويات الاستراتيجية الى الآنية.
زحمة الزيارات
زحمة المسؤولين في بيروت أو حولها، تؤشر الى أن لبنان وقضيته لا يزالان في قلب اهتمامات العالم، وأن كل المباحثات التي جرت وتجري تؤكد على الخروج بمضمون واحد بعدة لغات. وأي قراءة متأنية لما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون و"السيدتان الحديديتان" انجيلا ميركل المستشارة الألمانية ورئيسة الاتحاد الأوروبي ورئيسة الدول الثماني الكبرى حالياً، ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي، تؤشر الى وجود "روزنامة عمل" واحدة بلغات سياسية وديبلوماسية متعددة.
وتأكيداً لوحدة هذا المضمون، فإن الزعامات الثلاث مون وميركل وبيلوسي، تحدثوا "بصوت واحد" لا مجال للتساؤل حوله بكل ما يتعلق حول "قيام المحكمة ذات الطابع الدولي، ومطالبة دمشق بالتعاون مع لجنة التحقيق والاعتراف بلبنان كدولة مستقلة".
القلق الحقيقي لدى اللبنانيين هو في زيارة بيلوسي الى دمشق لما لها من تأثير، حاضراً على السياسة الأميركية الخارجية، والأهم مستقبلاً مع احتمالات فوز مرشح ديموقراطي بالرئاسة. متابعة كل ما قالته المسؤولة الأميركية وأعضاء الوفد المرافق لها ضرورية لرفع درجة "الطمأنينة ولو مع بقاء الحذر". وبالتالي فإن الزيارة ليست كما يحاول البعض تصويرها وكأنها عملية "ضخ الأوكسجين في رئة دمشق في وقت أخذت تراهن على انتصارها وتحضير نفسها لقبض الثمن الذي ستفرضه لاحقاً".
نانسي بيلوسي أكدت أنه "ليس لديها وزملاءها أوهام حول الزيارة"، وهي ذاهبة الى دمشق بعد بيروت (بعد أن كانت طريق بيروت تمرّ عبر دمشق أولاً وأخيراً) لبحث "الدور الذي يمكن لدمشق أن تلعبه في المساعدة أو عرقلة حل الأمور المعلنة".. وبالتسلسل فإن لبيلوسي "روزنامة عمل" محددة جداً طالما ان "طريق الحل لبعض المشاكل يمرّ عبر دمشق" ومن هذه المشاكل كما قالت هي والنواب المرافقون لها "مكافحة الارهاب والحرب ضده والقول لدمشق ان تكون جزءاً من القوى الايجابية"، ومن ثم "الاعتراف بسيادة لبنان ووحدة أراضيه وأن يفسح المجال أمام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لأن تسيطر على حدود لبنان".
ولا شك ان هذه "الروزنامة" الأميركية تتكامل مع "الرسالة" القاسية التي وجهتها انجيلا ميركل المستشارة الألمانية لدمشق وهي "عدم زيارتها"، والسبب معروف جداً رغم انه لم يعلن رسمياً وهو "عدم تجاوب دمشق مع خافيير سولانا عندما زارها في أواخر الشهر الماضي، وخرج منها كما دخلها صفر اليدين"..
امساك دمشق بالحدود والقوى
الواقع يفرض التباحث مع دمشق لأنها تمسك بالحدود العراقية واللبنانية وبقوى عراقية ولبنانية وفلسطينية. وهي قادرة وقد أثبتت فعالية استثمارها ولعبها بكل ما يقع تحت يدها لتحقيق لمصالحها وحفاظاً منها على النظام وثوابته. ولكن دمشق أوقعت نفسها في قلب مشكلة كبيرة لأنها أدارت ظهرها لها كما فعلت مع القرار 1559 عندما اعتبرت انه لا يعنيها مع انها كانت في صميمه، ذلك ان دمشق معنية بقرار المحكمة ذات الطابع الدولي مهما أكدت انها لا تعنيها بصرف النظر عن براءتها أو مسؤوليتها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.
ويكفي ان يخرج الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون محاضر مباحثات السفير السوري فيصل المقداد في الأمم المتحدة سابقاً مع المسؤولين في المنظمة الى جانب الدور الذي اضطلع به مكتب المحاماة في لندن حول قانون المحكمة، حتى يصبح القول بأن المحكمة لا تعني دمشق "شبهة اضافية ضدها أمام المجتمع الدولي".
اقرار قانون المحكمة الدولية تحت البند السابع خطير جداً. وهذا الحل ممكن حالياً. وكل ما يجري من مناقشات وتهريبات ومناكفات وقتل للوقت انما يدفع باتجاه هذا "الحل الدامي". ولا يكفي مطلقاً لإدانة هذه الآلية الدولية "القول ان ما يجري مؤامرة ضد قوى المقاومة والممانعة حتى تسقط هذه المؤامرة، الأهم الالتفاف عليها وتفكيك ساعة التوقيت لقنبلة البند السابع التي بدأت في العدّ العكسي قبل الانفجار غير المرغوب به".
القمة والكرامة
القمة العربية في الرياض فتحت الطريق نحو الحل، مع المحافظة على كرامة جميع الأطراف اللبنانية والعربية والاقليمية. المهم أن تتلقف القوى المعنية هذه الفرصة وتعرف كيف ترمي "كرة النار" خارج الدائرة اللبنانية المقفلة. والمصالحة السعودية ـ السورية تساهم كثيراً في ذلك. لكن على دمشق وقد قدمت لها الرياض هذه المبادرة، أن تقوم من جهتها بتقديم ما عليها نحو العرب ولبنان، وهي تعرف جيداً ما يجب عليها تقديمه. فالأعمال قبل النيات.
أما القوى السياسية في لبنان وخصوصاً "حزب الله" بما يقع عليه من مسؤولية ضخمة حاضراً ومستقبلاً وهو الذي يحمل همّ المقاومة، العمل للخروج من هذه الأزمة التي تكاد تعصف بالسلم الأهلي. فالخاسر الأكبر في مثل هذه الحالة هو المقاومة، لأن سلاح المقاومة سيتحول حكماً الى "سلاح ميليشاوي" بكل ما سيترتب على ذلك من مفاعيل شعبية لبنانية وعربية ودولية وتاريخية.
بعيداً عن كل ما قيل من ايجابيات حول القمة العربية في الرياض، فإن البارز فيها العودة الى "خيار الأمة العربية والعروبة الحضارية" من جهة ومواجهة التطرف الذي عصف ويعصف بالأمة منذ جرى ضرب العروبة تحت مسميات كثيرة كان أخطر ما أفرزته نمو "غول التطرف" وانتشار الارهاب. الى جانب هذا الانجاز، فإن امساك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بقيادة العمل العربي المشترك انطلاقاً من هذا الالتزام يعني أيضاً أن اللعب على الوقت لن ينجح دائماً، خصوصاً وأن الخيارات محدودة، بدايتها ونهايتها انقاذ هذه الأمة من "العرقنة" والعودة بها الى زمن الكرامة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00