8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بعد قمّة الرياض المطلوب من دمشق المساهمة في نزع الألغام لحماية الأمة وإنجاز المصالحة

"كرة النار" حالياً في دمشق. هذا التوصيف مرفوض وربما مستنكر من دمشق وبالتالي من حلفائها في بيروت. الحجة، هي كيف تكون "الكرة" في ساحة دمشق في وقت تعيش فيه على وقع انفتاح عربي ودولي عليها بعد خصام أو حصار دام عامين تقريباً؟ الا تكفي رؤية نانسي بيلوسي في سوق الحميدية والجامع الاموي وفي "قصر الشعب" حيث التقت الرئيس بشار الأسد للأخذ بالأسباب الموجبة لتزايد قوة دمشق وشرعية شعورها بأن الحاضر أفضل من الماضي، والمستقبل واعد أكثر من أي وقت مضى؟
في الشكل، تفاؤل دمشق صحيح. في المضمون غير واقعي ولا هو مكفول. التطوّرات والمتغيرات خففت من الثقل الواقع على دمشق. ولكن هذه الوضعية لم تخرجها من "خط النار"، لا بل وضعتها مباشرة تحت "المجهر". في الماضي كان الأمل وكأنه مقطوع من تغييرها لسلوكها أمام أزمات المنطقة وخصوصاً نحو لبنان.
حالياً فتحت أمام دمشق مرحلة تجربة حقيقية لاختبار نواياها بعد أن أبدت الأطراف العربية والإسلامية والدولية حسن نواياها باتجاهها.
مصالحة تحت الاختبار
العرب في قمة الرياض وخصوصاً خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك أعطوها فرصة ذهبية تحت بند العروبة والمحافظة على الأمة. ولكن ما زال الوضع مقلقاً، فالمصالحة هذه المرة ليست كما في الماضي، لأن الوضع مصيري وحاسم. المطلوب القيام بخطوات واسعة وحقيقية للمساهمة في نزع حقول الألغام المزروعة على مساحة الأمة وليس فقط الامتناع عن المشاركة في زرعها إظهاراً للحضور وتثبيتاً لقوتها. ومن الطبيعي أن تكون كل حركة وكل قرار صادر من دمشق أو من حلفائها موضع تدقيق ومحاسبة في مسار المصالحة الشاملة.
إسلامياً، فإن طهران الغارقة حتى انفها في إدارة الأزمة مع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، تريد وتعمل على طريقتها على تخفيف أعباء الملفات الشائكة في المنطقة. وهي وان كانت في مفاوضاتها تأخذ بعين الاعتبار مصلحة "حديقتها الخلفية" السورية، فإنها من الطبيعي ان تطلب منها التناغم مع حركتها بحيث لا يقع أي نشاز يعطل حساباتها الدقيقة. ولذلك فإن اتفاقها مع الرياض على اقفال ملف الفتنة بين المسلمين هو موقف استراتيجي يضع تحت سقفه جميع الحركات والتحركات التكتيكية، إلى جانب ذلك فإن طهران وان كانت تعمل على أساس إمكانية وقوع مجابهة عسكرية اليوم قبل الغد إلا انها فعلياً لا تريدها ولا تسعى اليها، وبالتالي فإن اي تحرك يربكها أو يرفع من مخاطر المواجهة ترفضه.
بياع الأمل أم الخوف!
بدورها فإن تركيا الناشطة بقوة ولكن بحذر شديد وبناء على حسابات دقيقة تجعل من حركتها فاعلة ومؤثرة وليس خطوة للمناكفة والمزاحمة، ضمت جهودها لتهدئة الوضع. ولا شك أن زيارة رجب طيب أردوغان إلى دمشق هي لدفعها إلى مزيد من الواقعية السياسية خصوصاً تجاه لبنان، ذلك أن تركيا لا تخفي موافقتها وتعاطفها مع مبدأ إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي كما انها لا تريد مطلقاً أن تجتاح "العرقنة" لبنان والمنطقة لانها وكما يشدّد أردوغان نفسه ستعيدها مئات السنوات إلى الوراء.
دولياً، تبقى زيارة نانسي بيلوسي ومباحثاتها مع الرئيس بشار الأسد هي الأساس. ولا شك أن هذه الزيارة تشكل مبادرة مهمة في ظل الوضع الصعب للإدارة الأميركية ولازدياد عزلة الرئيس جورج بوش وإنعكاس كل ذلك على خياراته السياسية، لكن من المهم وكما لمس المسؤولون اللبنانيون الذين التقوها، "انها قوية ومضطلعة ومتابعة وتعرف جيداً ماذا تريد وإلى من تتوجه ولذلك لا يمكن اللعب معها أو التحايل عليها". إلى جانب هذا العامل الشخصي، فإن بيلوسي وهي تزور دمشق يجب الانتباه جيداً إلى انها "ليست مركز قرار وانما هي قوة ضغط" حالياً في واشنطن، لكنها وهذا مهم جداً هي "قوة مستقبلية، التعامل معها حساس جداً لان أثار هذا التعامل لا بد انه يكون له اثار عميقة على المستقبل في واشنطن خصوصاً مع إمكانية فوز مرشح ديموقراطي بالانتخابات الرئاسية المقبلة".
وفي هذا الجانب، فإن بيلوسي "التي بدت في بيروت "مستمعة دقيقة"، ستسمع ما ستقوله لها دمشق، وسيكون ما تسمعه متابعة لاحقة، لمعرفة ما إذا كان الأمر كلاماً بكلام، أم أفعالاً تترجم ميدانياً النوايا الحسنة المعلنة.
ودائماً في هذا الإطار فإن بيلوسي لا تحمل شيئاً لتقدمه لدمشق أكثر من مبادرتها الكامنة في زيارتها، ولذلك فإن الكرة في ملعب دمشق ـ وما ستقدمه لها ـ وتحديداً في مباحثاتها مع الرئيس بشار الأسد رداً على "روزنامة" العمل التي حملتها معها وكشفت تفاصيلها في بيروت حول المشاركة في الحرب ضد الإرهاب ووقف التسلل إلى العراق والقبول بالمحكمة الدولية في لبنان والإقرار باستقلاله وسيادته هو المعيار الحقيقي لنجاح الزيارة وللبناء عليها مستقبلاً من جانب دمشق.
أما إذا عادت بيلوسي إلى واشنطن محملة بذكريات جولتها في سوق الحميدية والطبية، وبإعلان نوايا غير مترجمة ميدانياً، فإن موقفها مستقبلاً سيكون نابعاً من تزاوج خيبة أملها مع صحة موقف الرئيس جورج بوش من الزيارة نفسها. ولا شك أن "المرارة" الناتجة عن مثل هذه النتيجة ستجد صدى لها في واشنطن بمجرد وصول إدارة ديموقراطية إلى السلطة.
أمام تضاريس هذه الخريطة الواقعية جداً فإن الكلام عن أن "كرة النار" في دمشق ليس مبالغة ولا تجنياً عليها. الجميع يريد الخروج من دائرة الخوف التي تحيط بالمنطقة، وخصوصاً في لبنان، فهل دمشق قادرة من أجل المستقبل على أن تساهم في زرع الأمل خصوصاً بالنسبة للبنانيين بدلاً من متابعة الاستمرار رغم جميع الخسائر المتوقعة في دور "بياع الخوف"؟!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00