8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سواء اشتعلت الحرب الأهلية أو حصل توافق لبناني فإن دمشق ترى أنها الرابح الكبير

عندما تحقق الانسحاب الإسرائيلي من سيناء في 24 نيسان/ابريل، بعد حرب تشرين، كان السؤال الكبير، ماذا بعد هذا التاريخ؟ هل تكون الصفحة الجديدة في تاريخ مصر، هادئة ومستقرة أم أن المقاومة ستمنع التطبيع؟
يومها دارت نكتة في مصر تقول: إن أحدهم سأل رفيقه عما سيحدث بعد 24 نيسان/ابريل، فأجابه بهدوء: "25 نيسان ابريل"، أي أن يوماً عادياً آخر سيبدأ مع شروق الشمس.
صحت التوقعات وانسحبت الدبابات الإسرائيلية ورفع العلم المصري فوق سيناء. وبدأت ممانعة شعبية مصرية ضد التطبيع ما زالت مستمرة حتى بعد ثلاثة عقود، لتؤكد مرة أخرى أن للمقاومة وجوهاً وأساليب عديدة بعضها يماثل في قوته وإنجازاته المقاومة المسلحة، ودائماً تبعاً للمراحل وطبيعتها، وتوافقاً مع المتغيّرات التكتيكية على قاعدة استراتيجية واضحة.
في لبنان انتهى الوجود المسلح السوري قبل عامين. لكن على خلاف الاشقاء المصريين، فإن اللبنانيين رأوا في هذا الحدث الاستثنائي الذي تحقق نتيجة لـ"التسونامي الشعبية" في 14 آذار، أن غدهم لن يكون هادئاً، لأن الزلازل الارتدادية التي تأتي غداة الزلزال الكبير الذي وقع في 14 شباط مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه لا بد أن تفرض نفسها وبوتيرة تتابعية. وقد تأكد اللبنانيون من هذه الحالة مع بدء الجرائم التي اخذت تقع واحدة بعد الاخرى سواء ضد قيادات معروفة بوطنيتها وصلابتها أو ضد المدنيين الآمنين.
المرارة الدمشقية
ولا شك أن شعور القلق لدى اللبنانيين قد تزايد مع معاينتهم اليومية لمدى المرارة الحادة لدى دمشق منذ 26 نيسان من العام 2005 ومن ثم الإدراك بأن دمشق قد دمجت بين هذه المرارة ومعركتها المفتوحة لفك حصار المجتمع الدولي عليها، من جهة ومن جهة أخرى لتحسين موقعها وشروطها للتفاوض مع واشنطن. كل ذلك تحت عنوان عريض يجذب الحلفاء والمتعاونين والأبرياء على السواء، وهو النضال ضد الامبريالية الأميركية التي تريد وتعمل لتدمير الأمة العربية وبناء الشرق الأوسط الكبير على انقاض "الفوضى البنّاءة".
دمشق لا تنام كما تثبت الأحداث والوقائع إلا على وقع حلم العودة إلى لبنان، ان لم يكن عسكرياً وأمنياً فعلى الأقل سياسياً، ودائماً في إطار وحدة "المسار والمصير". ودمشق ترى أن عامين من العزلة والصمود قد انتهيا بها بالعودة إلى الواجهة وفي موقع متقدم حيث واشنطن بحاجة لتعاونها ولذلك فإنها قادرة على فرض "الثمن" الذي تريده في عملية مقايضة لا بد أن تكون تاريخية ونهائية تشمل دورها وموقعها في لبنان والعراق وفلسطين.
أما لبنان، فإنه يتذكر اليوم انسحاب القوات السورية وانتهاء الوجود العسكري والأمني لدمشق، وهو في قلب دائرة النار. فالقلق تحوّل إلى خوف حقيقي من اشتعال حرب أهلية جديدة. وها هو لبنان ـ وبقدرة قادر ـ يعيش من جديد على وقع احزان الخطف على الهوية عشية ذكرى الانسحاب السوري، وكائناً من كان الخاطف فإن أي لبناني ومهما بلغ من السذاجة أو من الارتباط بدمشق لن يصدق أن عشيرة قد تحولت بين ليلة وضحاها، إلى "طلقة المسدس" التي ستعلن بداية الحرب الأهلية الثانية والأخيرة، لانه لن يبقى بعدها لبنان الذي عاشه اللبنانيون وعرفه العالم.
مثل هذه العمليات النابعة من المزج بين الانتماء العشائري والمذهبي، تمت تجربتها بنجاح منقطع النظير في العراق، مما خلف آلاف القتلى وعشرات آلاف النازحين والمهجّرين، ولذلك فإن إلصاق مثل هذه العملية المبرمجة بعشيرة بعلبكية في هذا التوقيت المدروس لن يمر على أحد. فالتجارب علمت اللبنانيين أن الاختراقات الأمنية المعدة بعناية تنتج أبشع المذابح وأكثر الحروب بشاعة وإجراماً.
لبنان الخاسر الكبير
يبدو أن لا فائدة من التكرار، بأن رياح "العرقنة" البركانية تهب على لبنان بقوة. وان هذه الرياح دفعت لبنان كله نحو قلب "دائرة النار". وما لم تجتمع ارادة كل اللبنانيين، فإن انتقالهم من الحرب الأهلية الباردة الى تحت "سكين" الحرب الأهلية لا يتطلب أكثر من انزلاقة غير محسوبة.
لبنان هو الخاسر الكبير من الحرب الأهلية مع العلم، انه ينزف يومياً على الصعيد الاقتصادي. ومن مسار الوضع فإن الليرة اللبنانية التي صمدت سنوات عدة أمام جرافة الحرب الأهلية، ستصل الى أي حرب أخرى وهي غير قادرة على الصمود ساعة واحدة، لتكتمل بذلك الكارثة الكبرى. ويأتي هذا التطور في وقت ترى فيه دمشق انها ستكون الرابحة الكبرى مهما حصل في لبنان.
والمعادلة واضحة بالنسبة لدمشق، لأنه اذا اشتعلت الحرب الأهلية في لبنان، فإن العرب والعالم لن يجد أفضل من خبرة الاطفائي السوري لإطفاء النار في لبنان، وبذلك سيكون الثأر عظيماً وسيكون دور اللبنانيين في بلع المرارة لعقود طويلة وليس لمجرد عامين. أما اذا انتهى الوضع الحالي باتفاق اقليمي ودولي يتيح وفاقاً لبنانياً، فإن دمشق أيضاً ستكون رابحة، لأنه سيؤخذ في الاعتبار دورها في انجاز هذا الوفاق اللبناني. ولذلك يصبح من الطبيعي جداً العمل على رفع درجة حرارة الوضع في الساحة اللبنانية.
مشكلة بسيطة تواجه حلفاء دمشق من القوى اللبنانية، ذلك اذا اشتعلت الحرب الأهلية، فإنهم سيصبحون بما فيهم "حزب الله" أدوات وأرقاماً في الحسابات السورية، والربح اذا حصل سيتم تحويله الى "كيس المضارب الدمشقي". أما اذا وقع الوفاق فإنه كما ستطلب دمشق ثمناً لدورها في انجازه سيطلب الآخرون وأساساً الولايات المتحدة الأميركية ان تدفع دمشق فاتورة عودتها، وهنا سيكون أحد أرقام هذه الفاتورة تحجيم "حزب الله" وضبطه الى أقصى حد وقد سبق لدمشق أن أكدت قدرتها على الضبط والربط ولو بتنفيذ مجزرة محدودة مثل مجزرة ثكنة "فتح الله" في بيروت.
رغم كل ذلك ما زال باب الخيار مفتوحاً أمام كل القوى اللبنانية لمنع "عرقنة" لبنان. والثمن المطلوب حالياً ليس أكثر من تنازلات محدودة بداياتها ما تم الاتفاق عليه على طاولة الحوار في البرلمان. أما العناد والتصلب في ظل لعبة اقليمية ­ دولية مفتوحة فالثمن أصبح معروفاً ولا داعي لتكرار حيثياته.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00