8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

جريمة جدرا إرهابية ولن تكون يتيمة وضرب أهدافها يتطلب أكثر من الإدانات

حفرت جريمة اغتيال الفتى زياد غندور والشاب زياد قبلان في 26 نيسان عام 2007 عميقاً في الذاكرة الشعبية للبنانيين، وخصوصاً أنها اختلطت مع ذكرى انسحاب القوات السورية في 26 نيسان عام 2005. وهذا التزاوج بين الحدثين لم يكن ليحدث لو كانت عملية اغتيال الفتى والشاب جريمة عادية، فما حصل هو جريمة ارهابية بامتياز. فالهدف من الجريمة كلها هو إرهاب اللبنانيين، وقد نجح الفاعلون في تحقيق هذا الانجاز.
لكن اللبنانيين نجحوا بدورهم في مواجهة هذا الارهاب بسلوك سياسي وإنساني يؤكد أكثر من أي وقت مضى، أنهم يعرفون جيداً بأن أمنهم وسلامهم الاجتماعي ومستقبلهم مهدّدة اليوم أكثر من الماضي. ومما يؤكد ذلك هذا الانضباط الشعبي العميق الذي لا شك ان مقدماته وقمته في الوقت نفسه كان التصرف الواعي لعائلتي الضحيتين ­ الشهيدين اللتين اكتفتا بالحزن العميق الذي كل دمعة سقطت على خد والدة من الوالدتين المفجوعتين وقعاً أكبر بكثير مما كان يحصل في حرق الدواليب وقطع الطرق احتجاجاً ولو ضد تصريح أو تعبير ثقافي أو اعلامي.
الدولة هي "الحل"
ومما عزز كل هذا السلوك، المسؤولية التي سادت كل الخطابات السياسية، وخصوصاً لدى النائب وليد جنبلاط الذي أثبت مرة أخرى قدرته على التقاط الحدث ومفاعيله والتعامل معه وفقاً لمعادلة سقفها الحفاظ على الدولة اللبنانية، لأن لا مكان للبناني واحد مهما بلغت قوته من وجود ومستقبل خارج هذه الدولة. وبذلك تعود معادلة "ان الدولة هي الحل" الى واجهة كل التحركات السياسية.
ولا شك في ان هذا الموقف الشعبي أولاً ومن ثم المواقف المسؤولة للقيادات السياسية، يعود الى أن مثل هذه الجريمة تخطيطاً وتنفيذاً ليست جريمة فردية ولا هي جريمة ثأرية، حتى لو ثبت أن أدواتها كانت خارجة من هذه الحفرة الدامية. ومن الواضح، "أن يداً "محترفة" وقفت وراء الجريمة. ذلك ان عادة الثأر لدى عشائر البقاع لها قواعدها وضوابطها، ولم يحصل طوال عقود وحتى قرون، أن وقعت عملية ثأر عشائرية ضد طفل عن سابق تصور وتصميم. كما أن العشائري الذي يثأر لمقتل أخ أو قريب له، لا يخفي أبداً ما قامت به يداه، بل بالعكس يجاهر بما فعل تكريماً منه لمن ثأر له. الى ذلك فإن العشائري الذي يثأر لا ينقل "ضحيته" بحيث يتعرض لتعطيل هدفه. كما وهذا مهم جداً لا يختار مهما بلغ في حساباته دائرة جغرافية تؤشر في كل تضاريسها الى غاية سياسية. ذلك أن جدرا حيث نفذت الجريمة وعثر على الشهيدين تجمع بين الاختلاط الطائفي المسيحي ­ الاسلامي من جهة والاستتباع الجغرافي لنفوذ وليد جنبلاط.
وبهذا كله فإن اختيار جدرا ليس مجرد عملية هروب الى الأمام وانما هو اختيار سياسي محسوب لا يقوم به عشائري يريد الثأر لقريب له، وانما هو تحرك جرى وفقاً لحسابات لا بد أن محرضاً أو محرضين ومخططين أجروها بدقة.
"سكّين" جدرا
اللبنانيون عاشوا وخبروا طوال الحرب الأهلية الخطف على الهُوية. لكن يبدو ان هذه العملية وإن كانت لها جذور في "اللبننة"، فإنها خارجة أيضاً من القاموس اليومي "للعرقنة". ففي العراق عملت كل المجموعات طوال اكثر من سنتين على فرقعة النسيج العشائري المختلط بين الشيعة والسنة توصلاً منها الى نسف العراق عبر إغراقه في حرب أهلية دموية. وفي عملية جدرا ما يؤشر الى استفادة عميقة من "الفاعلين والمحرضين" من يوميات "العرقنة" مع اضافة تلاوين خصوصية "اللبننة" اليها.
ومن دون أي مبالغة أو محاولة لتعليق الجريمة على مشجب المؤامرة، كما يقال، فإن أبرز أهداف هذه العملية هي "قصف مركز قوي" لتغطية الانكفاء أمام ارادة المجتمع الدولي لإقرار المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المحرضين والمخططين والمنفذين لجريمة 14 شباط وما تبعها من جرائم طوال العامين الماضيين. ولولا وعي اللبنانيين وخوفهم لكانت هذه "الجريمة" قد نجحت في تمرير حد "سكين" الحرب الأهلية على وريد الحياة عندهم بعد أن لامسته مع الاعلان عن عملية الخطف.
الادانات والاستنكارات التي هطلت من كل القوى والأحزاب السياسية في لبنان مهمة جداً، وهي نجحت موقتاً في المساهمة بضبط الشارع. ولكن أيضاً من المهم جداً معرفة أين سيوضع "رصيد" هذه المواقف. وبوضوح أكثر هل سيوضع في مصرف "طواحين الهواء" اليومية أم انه ستتم عملية سريعة لاستثماره لاخراج لبنان واللبنانيين من حالة الحرب الأهلية الباردة التي تلامس "سكينها" يومياً وريد الحياة لديهم؟
مما يدعو للإلحاح على المسارعة لتنفيذ ذلك ان عملية جدرا قد لا تكون يتيمة ومن يملك هذه القدرة والتصميم على الاجرام، لن يتوانى عن تنفيذه جرائم أخرى تكون أكثر إعداداً ودقّة وأكثر خطورة.
وبدون أي مبالغة أو تحيّز فإن مسؤولية أساسية تقع على عاتق "حزب الله"، فإما يسارع للمساهمة بما يوازي حجمه ودوره ومهمته الوطنية في عملية انقاذ حقيقية للبنان وأيضاً له (حتى لا تضيع بندقية المقاومة في شوارع وأزقّة لبنان) وإما فإن رؤية "بيت العنكبوت" دون الالتفاف عليه، يكون جزءاً من عملية انتحار معلن.
يبقى أن "عرقنة" لبنان لن تنهيه فقط، ولن يتمكن أحد مهما بلغ من القدرة والخبرة والحصافة من استثمار "كرة النار" التي ستجتاحه. ذلك أن كوكتيلاً مشكلاً من "اللبننة" و"العرقنة" يعني الحصول على "كوكتيل" خارق وحارق لكل المنطقة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00