لا توجد إجابات كاملة التفاصيل لدى "حزب الله"، رداً على سيل الأسئلة الخارجة من لبنان الداخل وصولاً إلى الخارج القائم في شرم الشيخ. لكن جواً من التفاؤل الواضح يطغى على الإجابات ـ العناوين. فالرياح التي تهب من المتغيرات الحاصلة في المنطقة، تبدو وكأنها في رأي أوساط قريبة من "الحزب" باتجاه "التهدئة والحل" وذلك في لبنان على الأقل.
ومهما غالى البعض في الكلام عن لبنان الساحة والوطن، فإن "مغناطيس" اجتماع شرم الشيخ يجذب كل المسار باتجاهه. فالاجتماع الذي هو عملياً اجتماعان: الأول حول العراق والثاني بين الولايات المتحدة الأميركية وسوريا وإيران، لا يمكن انتظار المعجزات منه. لكنه برأي أوساط قريبة من "حزب الله" هو اجتماع المضطرين. فالولايات المتحدة الأميركية مضطرة بسبب العراق لكسر الجمود والالتقاء مع طهران ودمشق. والأخيرتان مضطرتان لحضور هذا اللقاء، لأسباب متمايزة أحياناً ولكن مهمة. ولذلك حصل توافق على عقده وحضوره على هذا المستوى الرفيع".
مراعاة النمر الأميركي "الجريح"
ظروف انعقاد الاجتماع وطريقته وظروفه لا يمكن برأي هذه الأوساط "ان تنتج تسوية فورية لكل الملفات، فاللقاءات مهمة لكنها ليست كل شيء. ما سيحصل هو أقل من تسوية وأكبر من هدنة". وإذا كانت هذه الأوساط تتوقف عند هذا التوصيف مؤشرة إلى صحة ما قاله هاشمي رفسنجاني حول "النمر الأميركي الجريح ووجوب عدم إثارته لأنه يصبح أكثر عدائية وشراسة فإن مسألة إسكاته والتعامل معه تتم في مسائل دون مسائل أخرى".
ومن شرم الشيخ والعراق إلى لبنان. إذ ترى الأوساط القريبة من "حزب الله" "أن لبنان في وسط مثل هذا الاجتماع تلقائياً. والأميركي المعروف ببراغماتيته في السياسة قادر على التراجع والتقدم والانحناء والتصلب والاعتدال حسبما تجري رياح مصالحه وتبعاً لتشكلات الأوضاع في المنطقة التي يتعامل معها". لكن من المهم التساؤل عن طبيعة أي تراجع يقوم به الأميركي هل هو تقهقري أو تكتيكي أم استراتيجي.
لبنان قلب اللقاءات
الإقرار بأن لبنان هو في "قلب" هذه اللقاءات، يدفع هذه الأوساط إلى وضع ضوابط وقواعد ينطلق منها موقف "الحزب" بصرف النظر عما يحصل في اللقاء أو ما سيتبعه، وهي وإن كانت معروفة تبدو حالياً مهمة جداً خصوصاً في هذه المرحلة المتوترة، وتؤكد هذه الأوساط أن "الحزب" مصر "على حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية وعدم فتح اتفاق الطائف ورفض الفيدرالية وبقاء المقاومة من الجنوب إلى الشمال، وعلى هذه القاعدة الواضحة يبنى حل يقوم على القاعدة الذهبية وهي لا غالب ولا مغلوب وإن أي حل ينتج عن غالب ومغلوب هو نهاية للبنان. وفي استفاضة تؤكد هذا الالتزام، تؤشر الأوساط نفسها إلى أن السيد حسن نصرالله والتزاماً منه بصون السلم الأهلي والوحدة الوطنية ومن أجل مصلحة لبنان سلم على الدكتور سمير جعجع وتحاور معه".
المشاركة هي العنوان الأول للحل السليم. وهذه المشاركة ليست محصورة في العدد فقد سبق للسيد حسن نصرالله أن جعل ترجمة المشاركة بالأرقام وراءه. المهم كما تقول هذه الأوساط وجود برنامج واضح وكلام واضح والعمل بالبيان الوزاري للحكومة القائمة دون النظر إلى التشابك الحاصل مع القرار 1701 علماً أن الحزب ملتزم كلياً بالقرار".
وماذا عن الانتخابات الرئاسية، اجراؤها أو لا وهوية الرئيس المنتخب، وهل ستكون الترجمة الفعلية لمسار الوضع في لبنان؟
تعترف هذه الأوساط بأن صيغة لا غالب ولا مغلوب تفرض التوافق بين فريقي 8 آذار و14 آذار. لكن من المبكر جداً الحديث عن طبيعة هذا التوافق ونتاجه، فقوِى 8 آذار ومعها "حزب الله" ليست مضطرة لكشف أوراقها في وقت لم تتوضح فيه طبيعة الأوراق التي يملكها الطرف الآخر؟
وعن تأثير التوافق على الجنرال ميشال عون، لأن مثل هذا الحل يعني استبعاده فهل يسلم بذلك؟ ترفض أوساط الحزب الدخول في "تفاصيله".
جنبلاط البراغماتيكي
الإقرار بالحل التوافقي حلاً للأزمة في لبنان، ودائماً بالاستناد الى المتغيرات الحاصلة خصوصاً بعد اجتماع شرم الشيخ، فإن مصدراً مطلعاً في حزب الله يرى "أن لبنان سيذهب باتجاه الحل والراحة، وأنه بعكس كل ما يقال أو تطفو هواجس للبنانيين فإن الوضع لن يتجه باتجاه تصعيدي، وأن كل ذلك سيتبلور خلال الأيام المقبلة. ومما يساهم في ذلك التطورات الاقليمية".
ويبدو من خلال كلام الأوساط القريبة من حزب الله، نوعاً من المراهنة على الموقف الأخير للنائب وليد جنبلاط. وتشير هذه الأوساط الى "براغماتيكية جنبلاط، بحيث لا يدفع وحده الثمن لدى حصول تغير في المنطقة في موقف الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك يمكن أن يعيد النظر في خياراته السياسية، ولو من باب الضغط على الأميركيين كما يريد، وأن واشنطن شعرت بانزعاجه ولذلك ذهب السفير الأميركي فيلتمان اليه". وفي الوقت نفسه وفي معرض الإسهاب في توصيف الوضع تشير هذه الأوساط الى شبه الغياب للنائب سعد الحريري عن لبنان، والى انكماش الرئيس فؤاد السنيورة مؤخراً نتيجة للمتغيرات.مع العلم أن سعد الحريري يبقى قوياً مهما تعقّد الوضع وتراجعت أسهمه لأن وراءه السنّة العرب.
أين دمشق وطهران من كل هذه التطورات؟
بعد تأكيد الأوساط القريبة من الحزب على "الاستقلالية" الكاملة للحزب، الى درجة أن طهران تأخذ في حساباتها كامل حسابات "حزب الله" ومصلحته اللبنانية مئة في المئة. فإنها تعترف أن طهران القوية اليوم أكثر من السابق لديها رؤية واسعة وشاملة للوضع من أفغانستان الى لبنان مرواً بالقلب العراق. أما دمشق وهي التي تشعر اليوم أنها أقوى بكثير من السابق لأنها طورت نفسها عسكرياً وأصبحت قوة صاروخية تحسب إسرائيل حساباً لها خصوصاً على خط تجربتها في حرب تموز في لبنان، من جهة ومن جهة أخرى لأنها خرجت من الحصار والعزلة الدولية وخصوصاً العربية منها. لكن ذلك كله لا يعني مطلقاً عودة سوريا الى لبنان، فهذه صفحة طويت نهائياً.
ما لا تقوله الأوساط المقربة من "حزب الله" يقوله "الشارع" في الضاحية حيث جماهيره المرتبطة به وهذا "الشارع يشد على أن أكثر الأطراف السياسية في لبنان كانت ممسوكة من دمشق والنظام الأمني في لبنان الى درجة أنه كان المتضرر الأول والأكبر هو "حزب الله". ولذلك فإن الحزب ومهما بلغ تحالفه مع دمشق وتضامنه معها في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لن يقامر مطلقاً من أجل عودة سوريا الى لبنان.
اللعبة مفتوحة. ولبنان هو "ساحتها" مهما بدا الأمر قاسياً، فهذا هو الواقع، والأقسى من ذلك أن مختلف القوى اللبنانية بما فيها حزب الله تتحرك على أساس ردة الفعل بما يتجه الفعل في الخارج. وربما من سخرية كل هذه "اللعبة" أن البعض من القوى الدولية والاقليمية تتحرك وكأنها تلعب لعبة الشطرنج أي أنها تضحي بالبيادق والحصان وأحياناً الملكة لكي تحاصر الشاه وتقول "مات". والبعض الآخر وخصوصاً في دمشق يتحركون على قاعدة لعبة طاولة الزهر. أي التحرك في مسار مباشر للوصول الى النهاية قبل الخصم مهما تطلب الأمر من عمليات حصار وضرب لحجارة الخصم. ودائماً لبنان هو في القلب من الحالتين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.