التمايز الإيراني ـ السوري في التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية، خرج لأول مرة إلى العلن. وقائع مباحثات شرم الشيخ عجلت في ذلك. لكن هذا التمايز حول أسلوب المفاوضات وشروطها ليس جديداً وليس هو ابن ساعة شرم الشيخ. انه أبكر من ذلك، وأهم مما حصل. لأنه لا يمكن ان يبنى تمايز يصل إلى حد التناقض على "رمال" شرم الشيخ.
والواقع ان بدايات التمايز إلى حدّ الخلاف بدأت خلال الأسابيع الأخيرة من الحرب الإسرائيلية ضدّ لبنان خلال الصيف الماضي.
في تلك الحرب التي طالت أكثر مما أرادها "حزب الله" وما خططت له إسرائيل، تقاطعت أهداف الولايات المتحدة الأميركية مع دمشق. فتوالت أيام القصف والمواجهات. طهران لم تكن تريد إطالة فترة الحرب حتى لا يكتمل انهيار غموض سلاح الصواريخ من جهة، وربما انها توقعت انتهاء الحرب بانتشار قوات دولية من الخط الأزرق إلى نهر الليطاني مما ينجز عملية انهيار هذا الغموض، من جهة اخرى. ومن الطبيعي أيضاً أن طهران لم تكن تريد مطلقاً تعريض "حزب الله" لخسائر اضافية إلى جانب ما يتعرض له كافة اللبنانيين حتى لا يحشر في الزاوية الضيقة ليوميات مردودات الحرب ومشاكلها.
دمشق وإطالة الحرب
دمشق، كانت تريد إطالة أمد الحرب إلى أقصى مدى، لأنها لا تخسر شيئاً سوى بعض المتاعب اللوجستية، طالما انها ضمنت عدم تمددها إلى الداخل السوري. كما أن كل يوم اضافي كان يساهم في فتح أبواب التفاوض معها أميركياً وحتى إسرائيلياً (عبر القنوات غير الرسمية). ومن الطبيعي أن يكون لبنان ومستقبله في صلب أي مفاوضات قادمة. ويبدو أن التطورات الميدانية دفعت باتجاه الموقف السوري فطالت الحرب، واضطرت طهران إلى السير في المسار السوري حتى النهاية.
طبعاً، ان هذا الخلاف الميداني، يستند إلى الفارق الكبير والعميق في وضع طهران ودمشق، كل منهما على حدة، فلدى الأولى أوراق دولية وإقليمية عديدة ومتعددة في أهميتها إلى جانب الملف النووي الحساس. إلى جانب ذلك، فإن طهران تريد استثمار كل هذه الملفات والأوراق لتأكيد دورها الإقليمي ولتشريعه دولياً، في حين أن أوراق دمشق محدودة في العراق وفلسطين ولبنان، وهدفها يبدأ في لبنان وينتهي فيه، طلباً منها التسليم بسلامة النظام وديمومته "حتى الأبد".
لذلك، يجب ألا يفاجأ أحد بالتمايز العميق بين طهران ودمشق حول مستقبل المفاوضات مع واشنطن، ذلك ان المفاوض الإيراني يدرس كل "قطبة" على حدة قبل "حياكتها" وبعد أن يختار "لونها" وموقعها، فلا شيء يدعو للعجلة، المهم الحصول في النهاية على "السجادة" مكتملة الصورة والبناء. أما دمشق فهي تشعر أن الوقت "سيف" مصلت عليها ان لم تتعامل معه يقطعها. ولذلك كله "اندلق" (على وزن نزول الماء من الوعاء) الوزير المعلم على كوندوليزا رايس، فالمهم الصورة والابتسامات وتمرير الرسائل، أما الوزير المتكي فإنه تحفظ لأن للمفاوضات قواعد وأصولا يجب تأمينها لضمان النجاح.
حرج "حزب الله"
هذا التمايز يحرج أكثر ما يحرج "حزب الله". وكلما تعمّق حتى ولو لم يصل إلى حدود التباعد الكامل، وجد "حزب الله" نفسه في حرج. ومهما بلغ إصرار "الحزب" على استقلاليته وأخذ طهران بحيثيات مواقفه، فإن لقرار الولي الفقيه الكلمة الأخيرة. فماذا يحصل إذا كانت فتوى "الولي الفقيه" بوضع حد للعب داخلياً لمصلحة دمشق التي تريد إنجاز هدفين ولو على حساب "حزب الله" وهما:
ـ إلغاء إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي بأي طريقة من الطرق.
ـ العودة إلى وحدة المسار والمصير، دعماً لها وتحسيناً لشروط تفاوضها مع إسرائيل وواشنطن.
طهران تريد فعلاً السلم الأهلي في لبنان وهي متفقة حول ذلك مع المملكة العربية السعودية، ليس حباً بلبنان وإنما حماية منها لداخلها من "تمدد العرقنة" في حال امتدت إلى داخل الساحة اللبنانية، ولذلك فإن "حزب الله" يعد اللبنانيين "باتجاه لبنان نحو الحل والراحة"، أما دمشق فإنها لا تمانع بالتضحية بأي "ورقة" ولو بحجم "حزب الله" لضمان نجاحها. فقد نجحت دمشق دائماً بتنفيذ أي قرار سلبي في لبنان ببراعة وقوة أكثر بكثير من القرارات البنّاءة النادرة التي نفذتها بسرعة وقلة دراية.
هذا الوضع المحرج يضع "حزب الله" بين حجري الرحى، فهو يعرف أن "مخيّم" رياض الصلح قد استنفد أغراضه، وأن الواجب عليه يقضي بالقيام بمبادرة سريعة بدلاً من التصعيد وكأنه ليس متضايقاً ولا مربكاً، ومع ذلك يتمهل ويصابر لعل التطورات الإقليمية ترفع عنه عبء مرارة وصعوبة وحتى خطورة الاختيار بين فتوى "الولي الفقيه" وقرار دمشق الذي يعرف الجميع عن ممارسة وخبرة ومعايشة، وأولهم حزب الله، انه يكون لمصلحة دمشق أو لا يكون.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.