8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التهديد بأن إقرار المحكمة دولياً يُشعل الحرب الأهلية مثل الذي يطلق النار على قدمه!

حال دمشق وحلفائها وأعوانها من القوى والأحزاب في لبنان، من إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في مجلس الأمن استناداً الى الفصل السابع، من حال المثل الشعبي "عنزة ولو طارت". ذلك ان آلية إقرار المحكمة وضعت على "سكة" مجلس الأمن، منذ فقد المجتمع الدولي ومعه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأمل ولو بفرصة من حجم "الدبوس" لخرق حائط الرفض المعلن تحت كل البنود الى بند الحقيقة والواقعية.
المحكمة آتية لا ريب فيها. والأغلبية المطلوبة لإقرارها في مجلس الأمن أصبحت مضمونة بقوة. ومن ينتظر تطورات اقليمية ودولية مبنية على استتباعات مؤتمر شرم الشيخ، عليه أن يعيد حساباته على وقع قراءة واقعية ومباشرة وشفافة. وعندما يقول بان كي مون "لقد وصل الوضع الى حائط مسدود"، فإن ترجمة هذا الكلام بناء لقاموس اللغة الديبلوماسية، يعني أن الحل هو في دفع "البلدوزر" الدولي الى الأمام.
التفاصيل وشياطينها
هذا الرفض، أو حتى اغماض العينين عن الواقع، لن يفيد خصوم المحكمة سواء كان الرفض مباشراً أو معلقاً على حبل التفاصيل وشياطينها، وهذا الموقف يكاد يماثل موقف دمشق وحلفائها وأعوانها من القرار 1559. فقد تم اقراره وهم يقولون لن يقر. وعندما أصبح قراراً ملزماً صرخوا بأنه لا يعنيهم، حتى اذا تبين انه يعنيهم أكثر من غيره أعلنوا حرباً مفتوحة، ما زالت زلازلها الارتدادية تتوالى يومياً على لبنان ­ الساحة.
أسابيع قليلة وتقر المحكمة ذات الطابع الدولي. لا بل ان العديد من الديبلوماسيين والخبراء في لبنان يرون أن السؤال الآن أصبح ماذا بعد المحكمة؟ وبكلمة أكثر وضوحاً كيف ستتحرك القوى المعارضة، وما هي القضية التي سيعمل لتأطيرها والسير بها".
واذا كانت قوى 14 آذار قد عملت حتى الآن على وقع صياغة ردة الفعل على أفعال دمشق وحلفائها وأعوانها في لبنان، فإن المطلوب الآن التحرك على أساس "خارطة طريق" واضحة ومحددة وقابلة للتنفيذ، خصوصاً ان تباشير تحرك المعارضة المضاد بدأت تتبلور. وما العودة عن ورقة البنود السبعة سوى أحد مظاهر هذا الهجوم.
فالمعارضة، وتحديداً "حزب الله"، يرون ان اخراج ورقة المحكمة من التداول الداخلي يسقط من يدهم ورقة كان من الممكن دوماً البناء عليها. ولأن امكانية صياغة حل لقضية مزارع شبعا وانهاء الاحتلال الاسرائيلي لها تبدو قائمة وهي تقترب حالياً بسرعة نحو التنفيذ، فإن ذلك يسحب من يدها ورقة أخطر بكثير، لأنها تعطي "سلاح المقاومة" شرعية لبنانية ترجمتها في استمرار تشريع بقاء المقاومة وسلاحها. فالمعروف ان الانسحاب من مزارع شبعا يفتح الباب نحو صياغة حل لبناني للتعامل مع الوضع الجديد، واذا كان "حزب الله" لا يستطيع ولا يريد أن يشكل موقفه رافعة ضد تحرير كل شبر من الأرض اللبنانية المحتلة، فإنه في الوقت نفسه في وضع محرج عليه أن يبحث له عن مخارج مقبولة شعبياً.
الدولة القوية
ويبدو من قراءة التقرير نصف السنوي الخامس للأمين العام للأمم المتحدة بان كي ­ مون، أن المجتمع الدولي أصبح على اطلاع كامل بكل ما يتعلق بتضاريس خارطة الوضع اللبناني من ناحية، وأن تصميماً يصاحبه تشدد علني يطغى على مسار حركة الأمم المتحدة، بصرف النظر عما يمكن أن "يطبخ" حول العراق بين واشنطن ودمشق وطهران.
ولعل الاقرار بأن المسألة الخلافية حول تمديد ولاية الرئيس اميل لحود قد "فقدت أهميتها، فإن المهمة المقبلة ستتمحور حول انتخاب رئيس جديد للبنان في انتخابات عادلة ونزيهة ومن دون تدخل أجنبي". كما أن وضوحاً يصاحبه تفهم عميق بكل ما يتعلق بمستقبل سلاح "حزب الله"، حفاظاً على السلم الأهلي، اذ وضع قاعدة ذهبية ترضي الحزب وتسحب في الوقت نفسه ورقة الرفض من يده، اذ يؤكد على اقامة دولة قوية وجيش قوي يليان ولا يسبقان نزع سلاح الميليشيات. كما ان تأكيد الاعتراف بـ"شرعية" حكومة السنيورة على قاعدة اكتسابها نتيجة لانتخابات حرة ونزيهة"، هو دعم دولي علني للحكومة في مواجهة دمشق وحلفائها وأعوانها.
"شجرة" المعارضة "وغابة" دمشق
لكن لعل بعض أقوى النقاط في التقرير، هي في الكلام عن دمشق التي يجب أن تلعب دوراً بناء في لبنان حسب كل الصياغات المطروحة قبل التقرير وفيه. والأمين العام الذي يبدو أكثر تشدداً من سلفه يتعامل مع دمشق على قاعدة "لا أصدّق ما يقال، أصدّق ما أراه على الأرض". فالمجتمع الدولي تعب من كثرة "التطمينات" الصادرة من دمشق والوقت لم يعد يسمح بالتعامل مع النوايا، فالواقعية السياسية تفرض التعامل مع الأفعال.
تستطيع دمشق أن تخفي "غابة" رفضها لإقرار المحكمة وراء "شجرة" موقف 8 آذار، لكن ذلك لن يحول مطلقاً دون وصول مسار إقرارها في مجلس الأمن الى نهايته. فالخلاف اللبناني ­ اللبناني لا يمنع الأمم المتحدة من اقرارها، لا بل يدفعها نحو هذا الحل لأن في هذا الخلاف استحالة واضحة، مع العلم أن توصيف جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه بالجريمة الارهابية يعني فتح الباب نحو اقرار المحكمة على أساس الفصل السابع.
والتهديدات والتحذيرات التي تصدر من هنا وهناك، بأن اقرار المحكمة في مجلس الأمن، سيعرض السلم الأهلي في لبنان للخطر، وإن الحرب الأهلية ستبدأ مع صوت المطرقة في الأمم المتحدة مثلهم في ذلك "مثل من يهدد باطلاق النار على نفسه اذا لم يحصل على ما يريد"، وواضح هنا أن الخسارة ستكون مضاعفة للرافضين لأن مجلس الأمن لن يتراجع حتى أمام مشهد اطلاق النار، ولأن "قدمهم" هي التي ستُجرح وتُدمى.
المعارضة تكابر. وحزب الله يعاني من الحمل الثقيل الموضوع على عاتقه لأنه كان وما زال "عمود خيمة" المعارضة. ولذلك يجري البحث عن خطوات جديدة لمواجهة مفاعيل المرحلة المقبلة التي ستشهد "أم الاستحقاقات"، وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية. المراهنة الكبرى في هذا الاستحقاق تقوم على الصبر مئة يوم اضافية لمعرفة اتجاه المتغيرات الاقليمية والدولية للبناء عليها بقوة، فالمعادلة معروفة وهي كلما ضعفت واشنطن وازدادت حاجتها لطهران ودمشق، ارتفعت نسبة حضورها في عملية التوافق على اسم رئيس للجمهورية من بين المرشحين المعروفين أو الكامنين.
واذا كانت دمشق والمعارضة في لبنان يستطيعان الصبر والمراهنة على المتغيرات، لأن هدفهم "الانتصار على الولايات المتحدة"، وليس الانتصار للبنان حر ومستقل وكامل السيادة، فإن قوى 14 آذار لا يمكنها الاستمرار في المواجهة على أساس ردة الفعل على الفعل، ولذلك فإن وضع برنامج للتعامل مع التطورات وربما المفاجآت الأمنية في المئة اليوم القادمة ملحٌّ أكثر من أي وقت مضى.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00