موقف واحد، لا موقفان. إما مع الجيش اللبناني وقواه من جنود ورتباء وضباط وشهداء، وإما مع الغرباء عن لبنان وفلسطين وكل قضايا العرب والمسلمين، من القتلة والقتلى من منظمة تماثل أو ملتحقة بركاب "القاعدة". الخيار واضح والموقف يجب أن يكون أوضح فلا قوت للمواقف المانعة أو المختبئة خلف مواقف ظاهرها السلامة والسلام الأهلي وباطنها عن ارادة واعية أو عن سوء تقدير في الحسابات والقراءة السياسية.
السلم الأهلي هو الهدف من هذه العملية. قبل ذلك جرى التحذير وليس التهويل بأن القادم أعظم من كل الجرائم التي وقعت بحق لبنان وعلى رأسها جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتحصين هذا السلم يتم الآن وليس غداً، بالوقوف مع الجيش اللبناني ومع القرار السياسي اللبناني الهادف الى ضرب هذه البؤرة من العنف الأسود، والا فإنها ستتمدد مثل بقعة الزيت وستنتشر بسرعة لأن حالة "الساحة" اللبنانية جاهزة الآن أكثر من أي وقت مضى لاستقبال هذا "السرطان" ورعايته واستيلاد كل ما يمكن تصوره من "سرطانات" منها ما سيكون جديداً في شكله ونوعه وطبيعته.
الفلسطينيون والهم اللبناني
الوقوف الى جانب الجيش اللبناني، ليس نتيجة لموقف شوفيني ولا عنصري. فالفلسطينيون كانوا وما زالوا جزءاً من الهم اللبناني ومن يوميات اللبنانيين بكل حلوها ومرّها. هذا الموقف الملح حتى لا تقع "العرقنة" سريعاً. ولأن "العرقنة" هي المثال الحي الذي يجب ان يلاحق للعمل على تجنبه وليس لإدانته وللتنديد به على أساس أنه مؤامرة خارجية، تكون مقاومتها بالوقوع في وحولها، فإن أولى دروس هذه "العرقنة" هي السرعة الكافية للوقوف ضد "سرطان" "القاعدة" مهما كانت تسمياته.
لقد أخطأت شرائح واسعة من العراقيين بعدم ادانة "الزرقاويين"بسرعة. طبعاً يمكن الأخذ بعين الاعتبار بظروف الاحتلال الأميركي والخلط الذي حصل بين المقاومة والارهاب، سواء عن قصد او غير قصد، وخطة مدروسة لرفع الشرعية عن المقاومة، مما أدى الى التأخير في الحسم. لقد تفهمت هذه الشرائح الواسعة من العراقيين في البداية هذا الخلط، حتى اذا تحفظت عليه ثم حيّدت نفسها عنه الى أن حسمت أمرها فدخلت في مواجهة علنية معه، فإنها تدفع من دماء أبنائها في "مثلث الموت" ثمناً لهذه المواجهة المزدوجة مع الاحتلال من جهة ومع "الزرقاويين" من جهة أخرى.
"مذهبة" المذاهب في لبنان نتيجة للحالة التي يعيشها اللبنانيون منذ فترة ليست قصيرة، تبدو الآن وكأنها تعيش أعلى درجات تسعيرها وخصوصاً منذ نهاية الحرب ضد اسرائيل في صيف العام الماضي. لا أحد من اللبنانيين بإمكانه حالياً انكار سيادة "المذهبية" بقوة وعمقها عند كل المذهبيين. ولذلك يجب ألا يفاجأ أحد بهذا الانتشار السريع "لنار" "القاعدة" في الهشيم المذهبي. لقد جرى منذ انتشار "العرقنة" في العراق، على زحلقة وحتى دفع شرائح واسعة من اللبنانيين ومن كل المذاهب نحو التقوقع والتحجر السياسي والاجتماعي، الى درجة تم في هذه العملية دفع كل هذه القوى للتقوقع والتحجر الى درجة استيلاد قوقعة لكل طرف تحاصر نفسها بنفسها. وأول هذا الحصار رفض الآخر حتى من داخل المذهب نفسه وادانته دون أي حوار أو حتى التعامل معه من منطلق معرفة هذا الضد تحصيناً لنفسه منه.
التحذيرات والجرائم
أغرب ما في تحذيرات "فتح الاسلام" أو "القاعدة" عموماً ان لبنان سيتحول الى "بركان"، وكأن ما حصل ويحصل في الشمال ليس سوى عينة صغيرة. ذلك ان خطف الجنود الذاهبين الى عائلاتهم آمنين، وذبحهم وحتى قطع رؤوسهم، يبدو خارجاً من مألوف يوميات "الزرقاويين" في العراق. وحتى لا يحصل ما حصل في العراق، رغم كل الصبر الذي تميز به العراقيون من عمليات ثأر متبادلة، يجب القضاء بسرعة على هذه الظاهرة والتعامل معها بقسوة واعية حتى ولو كانت كلفتها الانسانية عالية أحياناً. ولا شك ان الفلسطينيين هم أكبر ضحية لهذا الوضع وما سينتج عنه. فإذا تغاضت منظماتهم الفلسطينية، القاعدة والهدف والولاء عن هذا "السرطان" الذي سيتمدد، فإنها غداً ستجد نفسها في حرب معه مكلفة جداً، وأما حتى في حرب أخرى، ستجر اليها نتيجة لأي قرار لبناني رسمي بالمواجهة والحسم. وباختصار شديد فإن مسؤولية كبيرة تقع على القوى والمنظمات الفلسطينية التي ولاؤها أولاً وأخيراً لشعبها ولقضيته. ووقوفها الى جانب الدولة اللبنانية والجيش اللبناني، وان كانت كلفته مؤلمة، فإن كلفة الوضع اللاحق ستكون باهظة وحتى قاتلة.
أين مصلحة حزب الله؟
بدوره فإن "حزب الله" مدعو الى اتخاذ قرار سريع وحاسم، دون النظر الى ما اذا كانت نتيجة هذه المواجهة ستؤول لمصلحة قوى 14 آذار أم لا. مصلحة "حزب الله" هي في ضرب ومحاربة "مذهبية" المذاهب، لأنها تهدد السلم الأهلي. وموقفه الآن سيحسب عليه لاحقاً، لأن أي موقف متردد سيعمق المذهبية لدى الأطراف الأخرى (يجب قراءة موقف العماد ميشال عون والنائب السابق سليمان فرنجية بعناية)، وعندها لا يكفي ان يقال ان الحرب مع السلم الأهلي لأن ترك المذهبية وعدم مواجهتها وأحياناً في التمعن بهذه المذهبية هو الذي يعمّق الخنادق ويباعد ما بين اللبنانيين.
ولعل موقف طهران المؤيد والداعم للسلم الأهلي في لبنان، (ظهر ذلك في الكلام المنقول عن توافق الرئيس أحمدي نجاد مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز في الحفاظ على الأمن والسلام الأهلي في لبنان ودعمه)، يفتح أمام حزب الله موقفاً داعماً وقوياً وسريعاً ضد هذه المجموعات المتطرفة. طبعاً لا أحد يحسد "حزب الله" على وضعه بين "حجري الرحى" (السوري والايراني). المهم انه حان وقت الحسم والعمل على فتح الأفق امام الحل بدون التعلق بالمواقف الجامدة.
تبقى دمشق. مهما كان دورها كبيراً وفاعلاً في ولادة هذا "الغول" الذي اسمه "فتح الاسلام"، ومهما كان موقعها في أداء هذه المجموعة أو عدمه، فإن التصريحات الرسمية السورية تجعل من كل الاحتمالات قائمة. المهم ان دمشق التي نجحت في اقفال دائرة "العرقنة" على العراق، وحصر النار داخل الساحة العراقية، فإنها لن تستطيع مطلقاً تجنّب حمم "البركان اللبناني اذا ما انفجر، ذلك انه كل يوم يثبت أكثر من اليوم الذي سبقه ان كوكتيل "العرقنة واللبننة"، سيكسر كل دوائر النار ولن تقف أي حدود أمامه.
اللبنانيون بحاجة ملحة الى هدنة داخلية، تمهيداً لحوار منتج، حرصاً على هذا السلم الأهلي المهدد. واللبنانيون الذين يحبون الحياة يستحقون الحياة، وأولى خطوة نحو ذلك امساكهم بقوة بقرارهم ومستقبلهم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.