الجيش اللبناني لم يعتدِ على أحد. قتلة "فتح الاسلام"، هم الذين اعتدَوا وقتلوا ونكلوا بالجنود والضباط من الجيش والأمن اللبناني معاً. أدعياء التحرير الجدد الذين لا علاقة لهم بفلسطين، والذين ولدوا في أحضان المخابرات الأميركية وقاتلوا في أفغانستان بعيدا آلاف الكليومترات عن فلسطين، واستخدموا لإسقاط حليف العرب الاتحاد السوفياتي، وعندما انتهت مهمتهم جرى تصديرهم الى كل الدول العربية والاسلامية للتخلص منهم، من تصريحات وتفقيس هؤلاء الذين ادعَوا الجهاد، وأين في لبنان، البلد العربي الوحيد الذي ولدت فيه المقاومة ضد اسرائيل منذ نهاية حرب حزيران في العام 1967 وحضنها ورعاها تحت كل مسمياتها وايديولوجياتها، ودفع من أجل ذلك عشرات الألوف من الشهداء والجرحى والمهجرين والرخيص والغالي من دياره وبساتين التين والزيتون فيه.
مخيم نهر البارد الرهينة
"جند الاسلام"، هم الذين أعدوا الحرب على لبنان شعباً ومقاومة. و"جند الاسلام" هم الذين أخذوا أهالي "نهر البارد" من شعبنا الفلسطيني، رهائن ودروعاً بشرية. وكل فلسطيني يسقط في هذه المواجهة هو شهيد مثله مثل كل لبناني عسكرياً كان أو مدنياً. لا مجال ولا يجوز مطلقاً الحديث ولا عن علامات استفهام حول دفاع الجيش اللبناني عن نفسه. القصف المدفعي ليس موجهاً ضد الفلسطينيين، حتى لو أصابهم. الجميع يعرف وكثر من يعرف منهم ادعياء الدفاع عن الشعب الفلسطيني في المخيمات، ان منظمة "فتح الاسلام" والروافد الأخرى المحتمية ظلماً بالاسلام ومنهم براء، ليست فلسطينية التأسيس ولا الأعضاء ولا الهدف. وأي كلام عن "انتفاضة" فلسطينية ضد الحكومة والجيش هو اعتداء على لبنان والحقيقة والواقع. وهو قياس على جريمة ترتكب من عدو غاصب في اسرائيل، يراد به باطل، وأوله حماية الذين أسسوا وزرعوا مثل هذا التنظيم الذي متى نما وترعرع وانتشر سيأكل من فعل له ذلك؟ يكفي استعادة التاريخ قليلاً في الجارة القاهرة، عندما حارب الرئيس أنور السادات العروبة وارث عبد الناصر باسم الايمان ففتح الأبواب أمام الاسلاميين وكانت النتيجة انه دفع حياته ثمناً لنمو هذه التنظيمات وما زالت مصر تدفع الثمن حتى الآن.
المعركة الآن، فرض واجب. ولو لم تحصل في عملية استباقية، لكانت وقعت بعد أسابيع وكان قتلة "فتح الاسلام" قد نجحوا في التمدد الى أبعد من طرابلس ونفذوا مخططهم في اقتطاع الشمال في طرابلس ومنطقة عكار ليحولوها الى "إمارة" على مثال ما يحصل حالياً في الأنبار. ولا شك ان الثمن كان سيكون أكبر بكثير من الآن، لأن المعركة الآن تتطلب جراحة مؤلمة لكن لو وقع المحظور كما كان مخططاً لذلك لكان البتر هو الحل الوحيد أو الاستسلام لانتشار النار في الهشيم المذهبي في لبنان.
الفلسطينيون أكثر من غيرهم كانوا سيصبحون الضحية الأولى لمثل هذا المخطط. ولو نجحت "فتح الاسلام" في فرض نفسها بقوة السلاح، لكان على الفلسطينيين إما قبول وجودهم وسلطتهم ووضع انفسهم خصماً لكل اللبنانيين أو السير بكلفة باهظة جداً في الحرب ضدهم. والخطر ليس محصوراً على الفلسطينيين في لبنان.
الجميع يعرف ان لمثل هذه المنظمة وأمها "القاعدة" حضوراً ووجوداً في غزة. ولذلك فإن أي ربح تحققه في لبنان فإن مردوداته ستستحق فوراً وبفائدة أكبر في غزة. والخاسر في مثل هذه الحالة "فتح" و"حماس" معاً وليس واحدة من الحركتين على حساب الأخرى.
والخلاصة ان على الفلسطينيين الذين من حقهم التألم على وضع مخيم نهر البارد، أن يحسموا أمرهم ويخففوا من تصريحاتهم "الكربلائية" ودعواتهم للانتفاضة ولو تحت بند التحذير. فالانتفاضة في هذه الحالة ممنوعة حرصاً على أمنهم ومستقبلهم قبل أن يكون ضريبة واجبة عليهم دفعها مع اللبنانيين للتخلص من هذا "الغول" المتطرف.
الدعم الدولي واجب
دعم باريس وواشنطن والمجتمع الدولي للبنان حكومة وشعباً لا يجب أن يكون حجة على الحكومة اللبنانية بل بالعكس يجب أن يلاحقوه ويجدوا فيه واجباً ملحاً. فلبنان في خطر، والجميع يعرف ان النار اذا ما اشتعلت فيه وجرى نسف السلام الأهلي فيه، فإن هذه النار ستتمدد، في المنطقة وعلى ضفاف حوض البحر الأبيض المتوسط.
باريس الساركوزية وليس الشيراكية ـ وضعت رسمياً ومن اليوم الأول، قاعدة ذهبية لتعاملها مع لبنان ومستقبله. هذه القاعدة تقول: "ان استقرار لبنان وتحقيق العدالة فيه لا ينفصلان" ولأن الآن لغة السلاح هي المهيمنة حالياً في لبنان، فإن باريس وصفت رسمياً هجوم "فتح الاسلام" بأنه "هجوم جبان" وهي طالبت "اللبنانيين بالوقوف موحدين في معركته، وانها تدعم تصميم الدولة اللبنانية فرض سلطتها على جميع أراضيها.
وفي ترجمة عملية وميدانية لكل هذه العناوين، فإن الرئيس نيكولا ساركوزي اتصل بالرئيس فؤاد السنيورة، وهو قرر إيفاد وزير الخارجية برنار كوشنير اليوم الى بيروت حيث سيبقى 48 ساعة. واستناداً الى مصادر مطلعة في باريس، فإن كوشنير المعروف بأنه واضع مبدأ "حق التدخل الانساني" في الدول، يأتي الى لبنان لتأكيد تضامن فرنسا وأوروبا الكامل مع الدولة اللبنانية. وانه سيلتقي في بيروت الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة ومختلف القيادات والمسؤولين وربما قيادات فلسطينية، وان كوشنير سيأتي الى لبنان حاملاً معه أفكارا سياسية وانسانية وانه سيبحث بالتفصيل القرارات الدولية وتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي والتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني مع الحكومة اللبنانية".
أبعد من ذلك فإن وزير الخارجية الفرنسي الجديد الذي جاء من الحزب الاشتراكي الى الحكومة الساركوزيه، سيبحث، ما اذا كانت "توجد حاجة لاجراء تحقيقات حول هجوم فتح الاسلام واذا ما كانت وراءه أيد خارجية وأنه اذا اقتضى الأمر فإنه ستتم دعوة الأمم المتحدة للانضمام الى هذه التحقيقات. وختاما لهذه المهمة فإن باريس ستعمل على حشد كل ما يلزم لتأييد ودعم لبنان في المجتمع الدولي.
دمشق التي تؤكد يومياً بأنها هي أيضاً ضحية هذا العنف الارهابي، تجد في هذا القول، ملجأ لها لإبعاد التهمة دولياً عنها، في اعتداءات "جند الاسلام" على لبنان. لكن باريس ترى "ان كل الوقائع تؤشر الى دور سوري في تفجير الموقف في لبنان. خصوصاً من ناحية التوقيت، حيث اللبنانيون غير قادرين على فرض إنشاء المحكمة. والآن فإن المجتمع الدولي سيتولى ذلك لأن معاقبة قتلة الحريري أفضل بكثير للجميع، وخصوصاً للمعارضة من حزب الله وغيره من عدم معاقبتهم.
لا وقت لترك الوقت يفعل فعله. الحسم هو سيّد الأحكام حالياً، ان كان بالنسبة للبنانيين أو للفلسطينيين. وأي خطأ في الحسابات سيضع لبنان وفلسطين معاً في "عين القاعدة"!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.