الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، انتهت مع انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه. الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الاسلامية في ايران، يمكن ان تنتهي بدون ضربة قاضية. مما يساعد في ذلك ان الحرب تدور بين قوة عظمى وقوة اقليمية عظمى قيد التشكل. ومن الطبيعي ان يتحايل الطرف الثاني لكي لا يتلقى الضربة القاضية. وهذا التحايل يكون بالالتفاف على الخصم سياسياً بعد ان يشعره بوجوده وبقدرته على الصمود والتصدي وحتى على توجيه ضربات موجعة له وأحياناً فتح الزاوية أمامه للتملص في الوقت المناسب.
الآن، تجاوزت طهران وواشنطن "مرحلة القطيعة" ودخلتا مرحلة "اختبار النيات". والمرحلة الأخيرة، ليست سهلة، لا بل انها تتطلب الكثير من الحذاقة والمهارة والمعرفة بالخصم، لتقديم مبادرات دون ان تتحول الى تنازلات تسجل على خانته في لوحة النقاط، ومما يزيد من دقة الوضع بالنسبة لطهران، انها ستكون تحت المراقبة ليس من جانب واشنطن فقط وانما وهو الأصعب من جانب حلفائها وأتباعها، لأن جزءاً أساسياً من مستقبلهم سيكون معلقاً على نتائج حركتها.
ايجابية مشتركة
واشنطن وجدت في المباحثات العلنية والرسمية مع طهران "ايجابية". والرئيس أحمدي نجاد اعتبر القرار باللقاء وانتهاء القطيعة بحد ذاته "حكيماً". اذن الرغبة مشتركة بين طهران وواشنطن، بالتوصل الى نتائج ايجابية ومنتجة، علماً ان كلاً منهما يريد أن يكون الحصاد باتجاه بيادره، المسألة ما اذا كانت "حسابات الحقل ستتطابق مع حسابات البيدر".
هذه المباحثات والتي هي أصلاً مفاوضات، وهذا الأمل بنجاحها، لا يحول مطلقاً، من أن تشهد العلاقات الأميركية ـ الايرانية، امتحانات صعبة. فالمفاوضات التي تجري تحت النار سواء كانت مباشرة كما في حال فيتنام أو غير مباشرة كما في حالة ايران، تشهد عادة أعلى درجات التصعيد الناري. والهدف محاولة كسر ارادة كل طرف للطرف الآخر او على الأقل تخفيض سقف شروطه والحد من مطالبه. وأمام هذا الواقع ما زال الوضع بين واشنطن وطهران معلقاً على سيناريوهين، الكلمة الأخيرة فيهما للبيت الأبيض.
السيناريو الأول وهو السيئ و الدامي يقول ان الرئيس جورج بوش الذي يخشى فعلاً ان يدخل تاريخ الولايات المتحدة الأميركية "كأسوأ رئيس للجمهورية بين كل الرؤساء الذين تعاقبوا عليها منذ الاستقلال"، قد يقدم على مغامرة جديدة تشكل نوعاً من الهروب الى الأمام، وهو مهاجمة إيران، دون النظر الى المخاطر التي قد تزيد من حجم كارثية المستنقع العراقي.
الهروب الى الأمام
السيناريو الثاني وهو الأكثر تفاؤلاً يقول، ان الرئيس جورج بوش لن يهرب الى الأمام، وأنه حتى يخرج من احتمال نهاية ولايته بهزيمتين الأولى في العراق والثانية لحزبه الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنه سيقدم على مبادرة سلام باتجاه الشرق الأوسط وتحديداً النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وأن احتمال النجاح في هذا المجال "ممكن جداً، لأن ظروفاً وأسباباً عديدة يمكن ان تساهم في إنجاح هذا الهدف.
وتعتقد اوساط فرنسية عديدة، أن بوش قادر على الانطلاق في هذا المسار رغم قصر المدة المتبقية له في الرئاسة. وأن مما يساعد في ذلك دعماً دولياً عاماً وقوياً لأن العالم أصبح مدركاً الى ان هذا النزاع هو فعلاً "الثقب الأسود" الذي يدفع الى قلبه كل النزاعات ثم بعد تفاعل معه تولد عنفاً أكبر. وأن باريس الساركوزية، قادرة بكل ما تملكه من الارث ـ الشيراكي مع اطراف النزاع وخصوصاً من العراق من جهة والارادة العلنية الصادقة بالعمل لمساعدة الأميركيين للخروج من كارثة العراق سالمين ومحافظين على كرامتهم، على لعب دور حقيقي وفعال في هذا المجال.
ومما يساعد ايضاً في انجاح مثل هذا المسار ان كل الأطراف المعنية قد "تعبث" وهي تخاف ليس فقط على وجودها وانما على قضيتها فعلاً. وهذه الخلاصة لا تعني العرب الخائفين من التفتت ومن مواجهة العنف الأسود للقاعدة، وانما أيضاً اسرائيل التي اكتشفت ان زمن الحروب الصاعقة قد انتهى وانها حتى لو ربحت غداً حرباً جديدة فإنها ستخسر مستقبلاً حرباً أخرى، فالعرب خرجوا من عقدة الخسارة قبل الدخول في الحرب. كما ان الوضع السياسي الداخلي في اسرائيل الذي يتشكل من جديد يدفع بهذا الاتجاه. واذا ما انتخب ايهودا باراك رئيساً لحزب العمل، فإن سجله يضم اتفاقاً مع الرئيس الراحل ياسر عرفات تم تعليقه في اللحظة الأخيرة. أي أنه في المبدأ موافق على حلّ يمنح الفلسطينيين دولة قابلة للعيش ومتصلة بطريق يجمع الضفة والقطاع مزيلاً بذلك اهانات الحواجز للفلسطينيين العاديين.
أخيراً ان بوش الذي أبدى مراراً وأمام مسؤولين غربيين كبار انه خضع مراراً لضغوط اللوبي اليهودي حتى لا يفشل في الانتخابات الرئاسية كما حصل مع والده، أصبح متحرراً من هذا الشرط المُلزم وهو بالتالي أكثر حرية في التحرك.
القرار يبقى معلقاً على خيار الرئيس جورج بوش، لكن باريس تحديداً يساندها الاتحاد الأوروبي في ذلك تؤكد انه يمكن من خلال مبادرات حقيقية العمل باتجاه دفع الرئيس جورج بوش نحو السير في مسار الحل السياسي للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وأن جزءاً من هذه المهمة يكون في تخفيف حدة الموقف الأميركي من ايران وأن هذا يتم من خلال تطوير الأفكار وصياغتها في مبادرة تتعلق بالملف النووي ولذلك فإن صيغة "الكونسورتيوم" الدولي الايرانية، يمكن ان تتزاوج مع صيغة "البنك الخاص بالأورانيوم المخصب" الذي اقترحه الرئيس نيكولا ساركوزي. وفي الوقت نفسه تلقف اي مبادرة ايرانية حول الملفات الأخرى وأولها لبنان بايجابية واضحة وعلنية وفي جميع الأحوال، فإن حياكة السجادة تكون قطبة قطبة ولبنان بالنسبة لباريس وطهران "قطبة" أساسية تتطلب الكثير من الانتباه والحذر والدقة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.