الدعوة إلى الصمود والمقاومة ستسود احتفال دمشق باستعادة القنيطرة من الإسرائيليّين. قد لا تكون دعوة الصمود جديدة على الخطاب السوري، ولكن المطالبة بالمقاومة طريقاً ووسيلة لتحرير الجولان ولو غداً هي الجديدة. انتصار المقاومة في جنوب لبنان في صيف العام الماضي، فتح على دمشق ثغرتين:
* الأولى: ان هزيمة إسرائيل ممكنة عسكرياً من دون غطاء جوّي وجحافل الدبابات. "يكفي التصميم والإرادة وإيمان المقاتلين بأرضهم حتى تتغيّر المعادلة".
* الثانية: كفى لأكثر من ثلاثة عقود "النوم" في الجولان وعليه. لا شيء يبرّر هذه السياسة حتى لو كان الشعار، أصبروا كل شيء في الوقت المناسب، والمشكلة ان هذا "الوقت" لم يظهر في الأفق.
دروس "حرب تموز"
القادمون من دمشق يؤكدون، وفي أيديهم أنباء منشورة ومنثورة هنا وهناك، ان دمشق درست جيداً تجربة "حزب الله" في حرب تموز، وانها أخذت بتلك الدروس في إعادة تشكيل جيشها بما يضمن له الصمود والتصدّي والتقدّم، وأنّ القيادة العسكرية السورية وبمساعدة جدّية وكبيرة من أركان الحرس الثوري الإيراني تعمل على تشكيل وحدات برّية معظمها من الكومندوس مدعومة بصواريخ مضادّة للدبابات من نوع "كورنيت" وار.بي.جي.29 لمواجهة تقدّم الدبابات الإسرائيليّة وتحطيمها، كما حدث في "حرب تموز" من العام الماضي في الجنوب اللبناني وقبل ذلك بكثير، مع اختلاف في النوعيّة والأسلحة بين الجيش المصري المتحرّك والمجهّز بسلاح ار.بي.جي.7 والدبابات الاسرائيلية في سيناء، وان سلاح الصواريخ أرض ـ أرض سيقيم معادلة وإن كانت متواضعة في مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي الذي سيعمد إلى ضرب البنى التحتية السورية.
وجاءت الأنباء عن تزويد روسيا الطيران السوري بأحدث الطائرات بأموال إيرانيّة لتؤكد هذا النهج الجديد لعمل الجيش السوري. وسواء ضمّت الصفقة طائرات ميغ 35 وميغ 29 أو غيرها من الأسلحة، وسواء جرى تسليم هذه الطائرات أو لم تسلم حالياً، فإن لا أحد بإمكانه نفي الخطة الجديدة لتسلّح سوريا.
الجيش السوري، جيش عربي وطني، لا شك في ذلك. ولو كان قرار تحرير الجولان يعود إليه وحده لتغيّر الواقع. لكن للقيادة السياسيّة حق تقدير الموقف والتعامل معه تبعاً لاستراتيجيّتها ونهجها في التحرك السياسي ووسائل التعامل مع الوقائع والمتغيّرات. والسؤال الواقعي جداً، هل حرب تموز 2006 هي التي أيقظت دمشق على واقع احتلال إسرائيل للجولان وإمكانية تحريره بالمقاومة؟ أم أن متغيّرات محددة هي التي تدفع باتجاه كشف هذا المجهول من ذاك المعلوم؟
الحلف الإيراني ـ السوري الدفاعي استراتيجي. ولذلك تموّل طهران صفقات الأسلحة الروسيّة لأنّ في قوّة دمشق قوّة لها. وإذا كانت طهران تخوض "حربا" مكشوفة على طول "القوس الإسلامي" مع الولايات المتحدة الأميركيّة، فإنّ دمشق وهي في موقع الرديف لطهران في تلك "الحرب"، تحارب أيضاً لحسابها من كيس غيرها فلها أهدافها ومطالبها الخاصة.
هذه "الحرب" ما زالت حتى الآن تجري بالواسطة على طول "القوس الإسلامي"، لكن لا يكفي أن تتجنّب طهران الحرب المباشرة حتى لا تقع مع الأميركيّين والإسرائيليّين، المسألة معلقة على حسابات الربح والخسارة، ليس عسكرياً فقط وإنما في المردود السياسي وهو الهدف من أي حرب مباشرة.
الحرب ومردودات كلفتها
كل التقديرات تشير إلى أن الحرب بين الأميركيّين والإسرائيليّين من جهة والايرانيّين من جهة أخرى ليست مستحيلة لكنها صعبة جداً لأن كلفتها مرتفعة جداً، ومردودها منخفض جداً. والسؤال حالياً ماذا لو تم استبدال الحرب في الجبهة الأساسية، وهي ايران، بالحرب على الجبهة الثانوية وهي سوريا؟
الاحتمال وارد جداً. والرغبات والطموحات متبادلة. دمشق تستعد. وتل أبيب لن تتوانى عن حرب استباقيّة، لضرب اكتمال الاستعدادات السورية، ومنعاً لتطوير وضعها وللحفاظ على التوازن القائم في القوى لمصلحتها. المسألة كلها معلقة على قرار إسرائيلي مدعوم أميركياً. وهذا يمكن أن يكون نتاج قمة بوش ـ اولمرت التي بلا أيّ تردّد واحدة من أهم القمم الأميركيّة ـ الإسرائيلية. وهذه القمة، وإن كانت تجري بين رئيسين ضعيفين، إلا ان أخطر القرارات تصدر عادة عن ضعيف ليستقوي بالخطر على مخاطر احكام التاريخ السلبية ضده. ولذلك يجب متابعة نتائج هذه القمة، خصوصاً أن ضرب دمشق يضعف طهران الخصم الرئيسي ويحشرها في زاوية العراق، حيث كل حركة له فيه ستكون مكشوفة ومحسوبة ضدّها، كما انّ مثل هذه الحرب ستحشر أكثر فأكثر "حزب الله" فإذا دخل الحرب عليه مواجهة اللبنانيين كافة وخصوصاً جماهيره التي ستسأله عن دوافعه لخوض هذه الحرب السابعة في الجنوب في وقت لم يمدّ له أحد يد المساعدة أثناء الحرب ضده، وإذا لم يدخلها فإن دمشق ستشرع استثمار غيابه في المفاوضات على أساس ان وظيفة سلاحه لم تعد منتجة ولا مفيدة.
دمشق أقدر العواصم على التفاوض بالنار. وهي بارعة جداً في هذا الفن الذي يتطلب أيضاً الوقوف مع الخصم على حافة الهاوية. وهي في رفع الغطاء عن المكشوف من إعادة تجهيز الجيش السوري وتدريبه تقوي وضعها التفاوضي وتحسّن موقفها العربي الرسمي وتحشر الجماهير العربية التي هجرتها منذ عقود على طريق استعادتها وتبرير مواقفها اللاحقة ومطالبها المعروفة خصوصاً في لبنان. وفي الوقت نفسه فإن دمشق ستطالب طهران بفاتورة طويلة في حالة الحرب البديلة عنها، أو تستمر في استنزاف تحالفها معها لمصلحتها وتحت سقف شروطها.
حالة "الستاتكو"، تكاد تنتهي في المنطقة لأنها لم تعد مفيدة ولا مريحة، السؤال: مَن سيكون البادئ في إشعال النار؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.