عملية الخيام ضد القوات الاسبانية العاملة في "اليونيفيل"، تشكّل تحولاً نوعياً في العمل الإرهابي في لبنان. حتى الأمس، كل التهديدات عن نقل الحرب من أفغانستان والعراق إلى الحدود مع إسرائيل كان مجرد حملة ايديولوجية لتغطية خطايا "حرب الجهاد" بعيداً عن فلسطين. الآن الحرب أصبحت على الأبواب. لكن ليست كل الحروب عادلة ولا كل الحروب منتجة ومثمرة للقضية الأساسية.
حرب "القاعدة" في جنوب لبنان مربكة وخطيرة جداً. حتى الآن كان "حزب الله" هو الذي يمسك بجميع المفاصل العسكرية والأمنية في الجنوب، وهو الذي يحدّد مسار المواجهات وأهدافها ووسائلها وحدودها. مع عملية الخيام يبدو وكأن شيئاً قد تسرب من بين يديه. قد يستطيع القول إن مجيء قوات "اليونيفيل"، غيّر طبيعية حركته. وهو أيضاً ليس مسؤولاً عن أمنها إلا من جانبه لكن أيضاً "حزب الله" هو المسؤول عن أمن الجنوب والجنوبيين يومياً. وكل ما يضرهم ويسيء إليهم ويقلقهم، يضره ويسيء إليه ويقلقه. ولذلك لا يمكن أن تمر هذه العملية بدون مزيد من الأسئلة التي تنتظر اجابات واضحة.
"القاعدة" وأمن "حزب الله"
ولا شكّ أن هذه العملية، وان افترضنا أن "القاعدة" مباشرة أو احدى فروعها قد قامت بها، هي مستقبلاً ضد "حزب الله" فـ"القاعدة" التي تحارب الشيعة في العراق، لا يمكن أن تقف إلى جانب "حزب الله" في الجنوب، إلا إذا اندمج بها وقاتل إسرائيل من جديد، علماً أن ذلك سيفقده حكماً "القرار الوطني المستقل". وهو أمر مستحيل لأن الحزب لا يستطيع تسليم أمن الجنوب والجنوبيين "لإرهابيين" حتى لو قاتلوا غداً إسرائيل. فلكل أجندته الخاصة والفارق كبير بين تحويل "القاعدة" للجنوب إلى ساحة مستباحة، وإرادة "حزب الله" بالتحرير وحماية الجنوبيين.
ومن الواضح أن قوات "اليونيفيل" تقف بمواجهة امتحان صعب جداً، سبق وأن طرحت احتمالاته منذ اليوم الأول لوصول الدفعة الأولى لقوات "اليونيفيل".
والامتحان يختصر بسؤال واحد وهو: هل تسارع هذه القوات إلى لملمة مقارّها وجمع أسلحتها لمغادرة لبنان عند أول عملية عسكرية دامية ضدها؟ وكان الجواب عالياً ومباشراً من باريس، "هذا الأمر لن يتم، هذه القوات ستدافع عن نفسها ولديها أسلحة كافية لخوض مثل هذه المواجهة". ولمن يريد الاستزادة فقد جرى الحديث عن استخدامات دبابات لوكليرك الفرنسية، وطائرات الاستطلاع المسلحة بلا طيارين وحتى البارجات البحرية.
فشل قيام "الإمارة"
حتى لو جرى التسليم جدلاً بأن "القاعدة" التي فشلت في إنجاز مشروع "الإمارة" في الشمال بواسطة "فتح الإسلام"، هي التي قامت بالعملية، فإن السؤال يبقى من المستفيد من هذه الجريمة؟ ومن يريد استثمار فتح أبواب الجحيم في الجنوب اللبناني؟
لقد سبق أن أبدى الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته المعلم قلقهما من انتشار "القاعدة" في لبنان، وذلك كما قالت دمشق من باب التوصيف والتحذير وليس التهديد. ذلك أن دمشق كانت تملك معلومات غنية حول دخول "القاعدة" إلى لبنان وانتشارها فيه، وكانت تضبط حركتها وتحركاتها.
الآن وقعت الواقعة وظهرت "القاعدة" ميدانياً، ودخلت في مواجهة مع الدول الأوروبية المشاركة في "اليونيفيل" وخصوصاً فرنسا واسبانيا.
فهل من مصلحة دمشق، شنّ حرب بالواسطة ضد أوروبا لأنها حاصرتها وضد منظمة الأمم المتحدة ثأراً منها للقرارات التي صدرت عنها منذ 2005 وحتى الآن والتي أبرزها 1559 و1701 و1757 الذي أقرّ إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي تحت الفصل السابع؟
تستطيع دمشق أن تعطي ألف سبب وسبب لعدم وجود مصلحة لها بإشعال هذه الحرب المزدوجة.. فهي تريد الحوار وتسعى إليه خصوصاً مع باريس وواشنطن، وهي تريد بقاء "حزب الله" سالماً في جنوب لبنان ضماناً لها في المستقبل، ومع ذلك فإنّ كل حُجّة تقولها دمشق يحمل الواقع الميداني حُجّة ضدّها.
التحالف مع الشيطان
صحيح ان "القاعدة" ليست صناعة سورية، وأنّ دمشق لم تستفد منها طوال عقدين من الزمن حيث كانت تقاتل تحت مسميات "الجهاد" بعيداً عنها آلاف الكيلومترات، لكن الصحيح أيضاً ان "الجهاد" ضد الاحتلال الأميركي شرع لها باب المشاركة ولو بالتحالف مع الشيطان. ولذلك تحوّلت الحدود السورية ـ العراقية إلى ممرّ لكل مَن أراد "الجهاد" ضدّ الأميركيين، من ثم إرهاب المدنيين. ومن الطبيعي أن دمشق قد استثمرت وهي تتابع استثمار هذه الظاهرة بالمشاركة مع طهران لليّ ذراع واشنطن وإجبارها على الحوار معها. وقد نجحت الخطة فكان مؤتمر بغداد بعد تقرير بيكر ـ هاميلتون. وها هو اللواء آصف شوكت يردّ الزيارة لواشنطن بعد أن زارت دمشق وفوداً أميركية عديدة أبرزها وفد رئيسة الكونغرس. ولكن طوال عملية "ليّ" ذراع واشنطن، أنكرت دمشق دائماً بأنها تشكّل ممراً للمجاهدين أو الزرقاويين.
المشكلة الآن ان دمشق في واجهة الحدث، وهي إذا ما أحرج "حزب الله" في الجنوب، لا بد أن تحرج بدورها، إلا إذا قررت ان تقايضه بما تراه مناسباً لها. وهذا يعني أيضاً انها قررت الطلاق مع الجمهورية الإسلامية في إيران، التي وإن كانت ستبدو سعيدة بأن يزداد الوضع حراجة وخطورة لإسرائيل إلا أنها بالمطلق لاتقبل بأن يتم ذلك على حساب "حزب الله" ولا على احادية قراره بالمقاومة.
"القاعدة" وأمن إسرائيل
المشكلة الإضافية الخطيرة، ان ملامسة "القاعدة" لـ "الخط الأزرق" في الجنوب يعني نشوء معادلة جديدة تمسّ إسرائيل وأمنها مباشرة، وهي لا يمكنها السكوت خصوصاً في حال شن مستقبلاً عملية مؤلمة لها من الجنوب، وهي ستجد نفسها لأول مرة تتعامل مع قوات دولية منتشرة على الأرض مستعدة للدفاع عن نفسها. وهي بهذا كله ستكون ضائعة في المواجهة حيث لا يمكنها الدخول في مواجهة مباشرة مع "حزب الله" خصوصاً وأنه ينفي مسؤوليته عن ما يجري، إلا إذا أرادت دفع المسارات المتباعدة إلى الوحدة ضدها، ما يعني حرباً مفتوحة بلا ضوابط ميدانية ولا زمنية. وهنا هل يكون الردّ الإسرائيلي مختلفاً عن كل عمليات اجتياح لبنان، فتمتد المواجهة لتشمل سوريا؟
استبعاد دمشق من دائرة الردّ الإسرائيلي كان سياسة دائمة وإصرارا على عدم العمل لإسقاط النظام السوري بحجّة خطر وصول قوى إسلاميّة متطرّفة إلى السلطة. الآن هذا السبب لم يعد قائما طالما أن أشرس هذه القوى وهي "القاعدة" قد وصلت إلى حدودها الأكثر حساسية وخطورة؟
دمشق تقول الآن وبصوت عال "فاوضوني تسلموا". والعالم وخصوصاً واشنطن وباريس لا يقولان لا للحوار لكنهما يؤكدان ان بدايته من "نعم سورية لاستقلال لبنان".
الخطر الكبير الآن لأن الدعوة من دمشق للتفاوض يرافقها فعلاً ميدانياً مشدوداً إلى تحوّل نوعيّ وخطير في المواجهة لا يمس فقط أمن "اليونيفيل" ولا أوروبا فقط، وإنما اسرائيل أساساً، ولذلك فإن معادلة جديدة قد تقوم تحت الخطر وهي "أسقطوه تسلموا"..
والكرة الآن في ملعب دمشق.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.