وقوع معركة مخيم نهر البارد، في قلب "قوس الأزمات" التي تعصف بلبنان، منحها بعداً اضافياً، علماً انها بحد ذاتها مهمة ومفصلية. ولا شك في ان صفحة جديدة ستفتح في تاريخ العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية والفلسطينية ـ الفلسطينية فور انتهاء هذه المعركة كما يجب، أي باقتلاع واستئصال الإرهاب المستورد أو النامي في ثناياه، لأنه من دون ذلك لن يعيد للجيش اللبناني ولا للبنانيين "شهداءهم" أحياء.
الجيش اللبناني لم يفجّر هذه المعركة. وهو أيضاً لم يسقط في كمين نصب له من طرف غير ارهابيي منظمة "فتح الاسلام" التي "فتح" منهم بريئة والاسلام منهم براء. ولأن "رب ضارة نافعة"، فإن معركة المخيم سمحت، في توقيت مناسب لكل لبنان، بالالتفاف على مشروع "عرقنة" لبنان، ابتداء من اقامة "إمارة" في الشمال على غرار "إمارة الأنبار" في العراق.
ولا يمكن فصل هذه المعركة عن مسلسل لا يبدو انه اكتمل وان برزت أهم حلقاته ومنها: الاعتداء على قوات "اليونيفيل" في جنوب لبنان والصواريخ التي وجهت من الجنوب باتجاه اسرائيل. وأيضاً وسط ارتفاع حدة المواجهة الاقليمية ـ الدولية من جهة، واستمرار بقاء الحالة اللبنانية على "حافة الهاوية" والنزاع الانتحاري. وأيضاً في ظل هذا الصراع القاتل تحت سكين الاحتلال الاسرائيلي بين حركتي "فتح" و"حماس" في الداخل الفلسطيني والمخاطر الكامنة والدائمة فيه، بتمدد خط الزلازل الجديد من غزة الى المخيمات الفلسطينية.
حتى الآن خرجت العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية من الوضع بسلام، كما ان الساحة الفلسطينية ما زالت تقاوم في وجه الزلازل الارتدادية لزلزال غزة. لكن الذين أتوا ونشروا "فتح الاسلام" ما زالوا يلعبون بالنار على أساس أن ينتج منها "امتحانات عسيرة للجيش وللبنانيين (كما يرى مصدر سوري يرفض ذكر اسمه)، خصوصاً ان لبنان يحمل في ذاته بذور الأزمات".
إفرازات معركة نهر البارد
عودة الى البداية، رغم ان كل نقطة من هذا كله يحتاج الى بحث مستفيض. والمهم ان حال الفلسطينيين لن يبقى كما هو بعد معركة مخيم البارد. فقد أفرزت هذه المعركة وقائع مهمة جداً أبرزها:
* ان حركة "فتح" لم تعد الحركة التي تقول كلمتها والآخرون يتبعونها برضى أم بتسليم. وقد يكون لكل هذا التحول ألف سبب وسبب خارجي أو داخلي. لكن المهم ان الواقع قائم، وما لم يحصل انقلاب حقيقي على المستويين الشعبي والتنظيمي، فإنه يجب مواجهة هذه الحقيقة كما هي، مثلما تم التسليم بتولي "عصبة الأنصار" الأمن في مخيم "عين الحلوة" الذي كانت لوائح "فتح" فيه تضم خمسة آلاف مقاتل. كما ان حركة "حماس" لا يمكنها حالياً تسلم مسؤولية أمنية أو عسكرية، لأن ذلك يتطلب تغييراً في نهجها وحركتها. ولذلك فإنها تبدو مكتفية بلعب دور "المحرك" لقطار الحركات والتوجهات الاسلامية داخل المخيمات.
* ان سلاح المقاومة الفلسطينية التابع للمنظمات الفلسطينية الشرعية، وخصوصاً حركة "فتح"، قد أثبت في مخيم نهر البارد وفي مخيم عين الحلوة والتعمير وبالاجمال "شلله" في حفظ الأمن فكيف بالمقاومة ضد أي عدوان اسرائيلي، رغم ذلك فإن قيادة الجيش اللبناني "تصر على أن أي سلاح لبناني أو فلسطيني مقاوم، يبحث فيه ويعالج بالحوار والتوافق". ولذلك فإن مسألة اعادة تنظيم هذا السلاح داخل المخيمات ونزعه خارجها كما جرى التوافق عليه على مائدة الحوار الوطني، أصبح ضرورياً متى عاد اللبنانيون الى الحوار في ما بينهم. اذ لا يعقل ان يبقى هذا السلاح تهديداً لأمن المخيمات وللأمن الوطني اللبناني. واللبنانيون مع الفلسطينيين قادرون ـ ومن واجبهم الوطني والقومي ـ البحث عن القواعد الصحية لمعالجة مستقبل هذا السلاح.
* ان الدمار الذي ضرب مخيم نهر البارد نتيجة لأخذ تنظيم "فتح الاسلام" المخيم "رهينة له"، يطرح اشكالية قديمة ـ جديدة، وهي كيفية التوفيق بين تطوير المخيمات وصياغة اجراءات وتنفيذها لرفع مستوى التقديمات فيها من دون ان يؤدي ذلك الى اللعب بنار التوطين.
لقد حان الوقت بوضوح كامل لمعالجة ملف المخيمات الفلسطينية حزمة واحدة، وهو ما أراده الفلسطينيون من البداية. هذه المهمة تتطلب عقداً جديداً وتنظيماً جديداً، أساسه إلغاء قانون الأقوى في داخل المخيمات من جهة، وتوفير حياة انسانية كريمة لسكانها وفي الوقت نفسه حصول اللبنانيين على ضمانة دائمة بأن ظهرهم محمي، لا يمكن أن تهدده "عين حلوة" ولا "سلاحاً ناعما"، وخصوصاً أن تعامل الجيش اللبناني ومعه جميع اللبنانيين مع معركة مخيم نهر البارد قد أكد ان لا مجال للعودة الى الوراء أمام التهديدات والممارسات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.