لن ينتبه الفرنسيون كثيراً وهم يحتفلون بعيد 14 تموز، الى أن اللبنانيين المتخاصمين في لبنان، مجتمعين عندهم على التلة المشرفة من قريب على باريس. صخب الاحتفالات هذا العام سيشغل كثيراً الفرنسيين، فهم سيكونون مأخوذين بالتفاصيل الصغيرة التي ستجري، لمعرفة جديد الرئيس الجديد نيكولا ساركوزي.
وزير الخارجية برنار كوشنير والفريق الديبلوماسي الذي سيتقدمه السفير جان كلود كوسران الخبير العتيق جداً بشؤون وشجون لبنان وسوريا وإيران ومصر وفلسطين، وحدهم ستأخذهم مسارات أدق التفاصيل للحوارات التي ستدور بين القوى اللبنانية المدعوة للحوار. ومع أن الديبلوماسية الفرنسية وضعت للمؤتمر مهمة مركزية متواضعة جداً هي "إذابة الجليد" بين هذه القوى، فإنها تأمل البناء عليها بسرعة جسراً قوياً يعبر عليه لبنان الأزمة باتجاه الحل الذي يحفظ له أساس حريته واستقلاله وسيادته.
باريس لا تريد أن تفشل. لأن الفشل فاتحة سيئة للديبلوماسية الفرنسية في عهدها الجديد، والرئيس ساركوزي لا يخفي طموحه الكبير للعب دور محوري ومحرك في أزمة الشرق الأوسط. وهو يري أنه قادر على هذه المهمة، لأنه بعكس الرئيس جاك شيراك يتمتع بصداقة قوية وقديمة مع إسرائيل، مما تمنحه حرية الحركة المستندة الى ثقة متبادلة من جهة، وهو يستطيع الاعتماد على إرث غني للسياسة الفرنسية مع العالم العربي. وقد أكدت الأيام الأولى له في الأليزيه، أهمية هذا الإرث. ولذلك كله يريد ساركوزي تحقيق نجاح ولو صغير في الأزمة اللبنانية لتشكل له نوعاً من أوراق اعتماد يقدمها عندما تلوح اللحظة المناسبة، وهي في توظيفه لإطلاق مسار مشروع سلام ينهي النزاع العربي ـ الإسرائيلي.
لن تكون باريس وحدها التي ستتابع أعمال المؤتمر، أوروبا ستكون حاضرة، وخصوصاً اسبانيا وألمانيا وايطاليا، فلهذه الدول مصلحة مباشرة الآن في إخراج لبنان من الأزمة التي تدفعه نحو الهاوية. وإذا كانت فرنسا مهتمة أكثر من باقي الدول الأوروبية بمصير لبنان ومستقبله لأسباب تاريخية، فإن أوروبا وتحديداً اسبانيا وألمانيا وايطاليا معنية أكثر من أي وقت مضى بدفع لبنان نحو الاستقرار تحصيناً منها لأمن واستقرار قواتها المشاركة في قوات "اليونيفيل".
ولا شك أن فشل المؤتمر يعني اندفاع لبنان نحو "عين العاصفة"، خصوصاً وأن "الرياح" تهب عليه من الجهات الأربع. ولذلك فإن الفشل ممنوع وباريس المدركة جيداً لخطورة الفشل على لبنان وعليها وعلى أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط، تبذل أقصى طاقاتها للنجاح في تحقيق هذا الهدف المتواضع، لعل ذلك يفتح الباب أمام مؤتمر باريس ـ سياسي على مثال باريس 1 و2 و3 الاقتصادي. فيؤدي الإجماع الاقليمي والدولي معاً الى صياغة الحل النهائي كما سبق ونجح الرئيس جاك شيراك عندما جمع العالم في باريس لمساعدة لبنان على الصمود والنهوض اقتصادياً.
الأزمة مفتوحة، والمحاولات والمبادرات السياسية والديبلوماسية، تبدو مفتوحة بدورها وما لم تستطع الديبلوماسية الفرنسية إنجازه أو تحقيقه قد ينجح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في تحقيقه على الصعيدين العربي والاقليمي.
كل هذه الجهود ستبقى يداً واحدة لا تصفق. المطلوب "اليد اللبنانية". لكي تكتمل مسارات انتاج الحل، ولذلك فإن "كرة النار" كانت وما زالت في الملعب اللبناني. مهما ساعد العالم اللبنانيين لكي ينقذوا أنفسهم، فالسؤال الكبير يبقى هو كيف سيساعد اللبنانيون أنفسهم؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.