8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باريس عالجت أزمة حزب الله مع طهران لأنها تريد الحل للأزمة في لبنان

فشل عمرو موسى في دمشق، لأنه "لم يحمل معه "حلاً يرضي" دمشق. ونجح نيكولا ساركوزي في عقد مؤتمر باريس "لأنه لم يطلب حلاً يرضيه" وانما حركة تذيب الجليد القائم بين مختلف القوى اللبنانية المشاركة في الحوار. مؤتمر باريس سيعقد يوم السبت على وقع احتفالات 14 تموز الفرنسية.
منذ الآن احتاطت باريس، ففرضت السرية والصمت على أعمال المؤتمر. طبعاً التسريبات ستحصل، لأن اللبنانيين ملوك تسريب ما لا يسرّب. لكن أيضاً باريس احتاطت لمنع تحويل هذه التسريبات الى قنابل تفجر الحوار أو نتائجه. فالحوار لن يجري وفق روزنامة محددة، ينتقل الأطراف فيها من بند الى بند. كما ان للمؤتمر كاتم أسرار معلن هو وزير الخارجية برنار كوشنير.
إرهاب أو لا إرهاب
خطأ الكلام الفرنسي عن "إرهاب" "حزب الله" تمت معالجته بسرعة. قلّة المعرفة والخبرة عجلتا في هذه الانزلاقة الفرنسية. الايديولوجيا والواقعية السياسية لا تتفقان ولا تنسجمان. ولذلك حصل ما حصل. باريس سارعت لمعالجة هذا الخطأ ونجحت لكن بعد أن دفعت ثمناً باهظاً لذلك الثمن ليس في التصريح الجديد للإليزيه الذي نسخ الكلام القديم فقط. الثمن هو في الالتزام العلني للرئاسة الفرنسية بأن حزب الله ليس حزباً ارهابياً وليس على لائحة الارهاب الأوروبية ولن يكون، خصوصاً اذا ما لعب دوره كحزب سياسي له موقعه في الحياة السياسية اللبنانية. بهذا الاعلان يكون حزب الله قد كسب جولة ولم يدفع شيئاً من كيسه. لكن ذلك لا يعني ان كل ما يحصل لا تتم فوترته لاحقاً.
باريس التي تعرف جيداً ان المؤتمر لن يحل الأزمة اللبنانية، وأن الحل يلزمه الكثير من الأفكار واللقاءات فالمبادرات، تريد "الحصول على تفويض للمرحلة اللاحقة، خصوصاً وأن روزنامة طويلة من الاستحقاقات قادمة وملزمة في فترة تمتد لمئة يوم لا أكثر.
واستعداداً للعمل بموجب هذا التفويض، تخوض باريس الحرب على كل الجبهات. ولكل جبهة معركتها الخاصة ووسائلها الخاصة. ولهذا فإن جولات السفير جان كلود كوسران العلنية الى مختلف عواصم الجبهات لا تتوقف وآخرها أمس في طهران. ولا شك ان سرعة كوسران في الذهاب الى طهران كانت جزءاً من معالجة الأزمة التي انفجرت نتيجة للارتباك القائم في الرئاسة الفرنسية، هذا الارتباك الناتج عن السرعة في تناول الملفات الساخنة والمتشابكة، والرغبة الحامية بضرورة تحقيق نتائج سريعة لتوظيفها داخلياً يضاف الى كل ذلك ضغوط التزامات سياسية داخلية سابقة على الانتخابات الرئاسية.
باريس تبدو مطمئنة لتكافل وتضامن الرياض معها حول لبنان، ذلك ان الرياض معنية رئيسية في محاولة انقاذ لبنان، لأن رياح "العرقنة" الساخنة تهب عليه بشدة. وهي لا تريد ذلك بأي ثمن، حتى ولو كان الثمن هو التحالف مع طهران التي بدورها تبدو قلقة من هذه الرياح الساخنة وتريد تجنيب لبنان هذه التجربة، لأن الخسائر فيه لا بد أن يقع جزءاً منها على كاهلها، ففي لبنان يوجد "حزب الله" الابن الشرعي الوحيد للثورة.
دمشق هي المشكلة
لكن للرياض وطهران مشكلة مهمة مع دمشق، وأهمية هذه المشكلة المعقدة انها متشابكة مع الساحة اللبنانية، دمشق تريد من الرياض ان تقدم لها كل شيء دون أن تقدم لها شيئاً ولو مشاركة مباشرة وحاسمة في حل الأزمة اللبنانية، فدمشق التي ترددت كثيراً قبل صياغة صيغة الانسحاب والتراجع عن الحملة التي شنها الرئيس بشار الأسد، تريد الآن من الرياض اعلاناً صريحاً بدور دمشق الصمودي في حرب تموز 2006 وعلى أن يتضمن هذا الاعلان تقويماً لأدوار الآخرين من العرب الذين لم يشاركوها في الصمود في الحرب (علماً ان المفاوضات بين دمشق وتل أبيب كانت مستمرة بلا انقطاع وكان من نتائجها عدم ضرب أي موقع له شبهة علاقة مع دمشق التابعة لمنظمات تحمل اسم فلسطين ظلماً وعدواناً).
طهران تريد فعلاً الحل في لبنان مع جنوح طبيعي بالنسبة لها نحو تحقيق حليفها حزب الله مكاسب اضافية. لكن لديها مشكلة حقيقية، فهي إذا كانت تريد المساهمة في وأد الفتنة وحرف رياح "العرقنة" عن لبنان إلا انها تبدو محرجة لأنها مستثمرة ومستهلكة من حليفتها دمشق، ذلك ان دمشق يهمها التوصل إلى الحل الذي يناسبها دون الالتفات إلى الثمن المدفوع طالما انه سيتم من كيس غيرها، وبهذا المعنى فإن استمرار لبنان في دائرة النار لا يحرجها بل يساهم في إكمال لعبتها، وطهران وهي التي تعرف جيداً ان هذه اللعبة السورية، لا تريد في الوقت نفسه الاندفاع بقوة بحيث تصل إلى مرحلة خيار صعب يتمثل في ضرورة الفصل بين افضليتين لبنان أو دمشق. والخطر في ذلك ان طهران لم تستبعد بعد امكانية قيام واشنطن بهجوم واسع وشامل ضدها، مع العلم ان دمشق ما زالت حسب الاتفاقات المبرمة وحسب يوميات التحالف خط الدفاع الأمامي عنها.
الثوابت الفرنسية
أيضاً لدمشق مشكلة مع باريس، لذلك لم تعد ترغب بالتعاون معها فكيف بمساعدتها. ذلك ان دمشق كانت تطمح لحصول انقلاب سياسي حقيقي باتجاهها مع رحيل جاك شيراك وتسلم نيكولا ساركوزي لكن شيئاً من ذلك لم يحصل. وما ذلك إلا لأن دمشق لم تستوعب ان التغيير طال الوسائل والأجواء، ولكنه لم يطل الثوابت. والثوابت في السياسة الفرنسية هو حصول لبنان على استقلاله وأمنه وسيادته واستقراره، وهذا يتم عبر مشاركة سورية واضحة وثابتة في توصل اللبنانيين إلى هذا الوضع المطمئن الذي يخرجهم من حالة الخوف والقلق الدائمين.
هذا الفشل في قراءة دمشق لطبيعة التغيير الحاصل في باريس دفعها إلى اتهام واشنطن بالعمل على تغيير وجهة الرياح الفرنسية، وبذلك أزاحت عن كتفيها مسؤولية الفشل الحاصل كما ان دمشق تبدو مطمئنة لصواب سياستها ودورها ،وعلى الآخرين ان يتغيروا ويغيروا سياساتهم أما هي فليس عليها سوى الانتظار لقطف ثمار ما يحصل.
باريس والرياض وطهران ومعهم الدور المتنامي والايجابي لأمين جامعة الدول العربية عمرو موسى يمكنهم تقديم الكثير لمساعدة لبنان للخروج من "دائرة النار"، وعدم الدخول في "عين الاعصار"، لكن عقدة الحل تبقى بيد اللبنانيين والقوى التي تمثله حتى الآن ما زالت أسيرة الأزمات الغارقة فيها، وبدلاً من أن يعملوا للخروج من الحفرة التي وقعوا فيها فإنهم مستمرون في الحفر.
لا أحد بريء في هذه الأزمة، كل الأطراف مأزومة وكل العواصم العاملة على الحل أو في منعه شريكة في الأزمة بطريقة أو بأخرى، ولذلك فإن حل الأزمة ينقذ لبنان، لكن أيضاً وهو مهم جداً فأنه يساهم في دفع مسار الحل لأزمة كل طرف خارجي. حظ اللبنانيين هذه المرة ان الكل معني بالحل، حتى دمشق مضطرة في النهاية ومهما مانعت بالعثور على نقطة تقاطع مع كل هذه الجهود الدولية والعربية والاقليمية لأن كل المقايضات خصوصاً بالخوف لها نهاية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00