8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طهران تستعرض قوتها في دمشق وتقدّم "الهدايا" لواشنطن للالتفاف على خطر المواجهة الهدنة .. فالحل قبل التسوية أو المواجهة

لم يُعرف عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، تعلقه بالبروتوكول، بالعكس كل تحركاته تتّسم بالعمل على كسره صيانة منه لصورته الشعبوية. إذن، تقديم نجاد واجب التهنئة للرئيس بشار الأسد بولايته الثانية مباشرة بعد حفلة القسم، ليس سوى حجة سياسية للتباحث الصريح وربما التفاوض على وجه السرعة، خصوصاً وأنه يوجد الكثير مما يقتضي الكلام حوله ووجهاً لوجه بين دمشق وطهران، وأن يكون هذا الكلام صادراً من رأس التيار المتشدد في النظام الإيراني، حتى لا يعود هناك أي مجال للشك أو حتى للمناورة على مواقف معتدلة أو متشددة.
طهران ودمشق متفقتان على أن الصيف الحالي "ساخن جداً". وبعيداً عن مآل واحتمالات الانتصارات، فإن أصعب ما تواجهه الأطراف على مساحة المنطقة، أنها مظللة باحتمالَي المواجهة الشاملة والتسوية المحدودة بنسب تكاد تكون متساوية، ولا أحد يمكنه الجزم بأن الرئيس جورج بوش لن يفتح أبواب المنطقة مرة أخرى على الجحيم، عبر هجوم على إيران، أو أن يفتح الأبواب نحو مسار مؤتمر دولي يفرض السلام الكامل لاحقاً فيعوض بذلك ما خسره في العراق أو ترك دمشق تجرّب حظها بالمقاومة مع تل أبيب.
كل شيء إلا الحرب
أمام هذا الوضع الدقيق، تعمل طهران ما بوسعها لتجنب الحرب مع واشنطن لأنها تعرف جيداً أن خسارتها مضمونة والربح فيها كلفته ضخمة جداً. ولذلك تجنح في كل تحركاتها نحو التخفيف من حدة حرارة خصمها الأميركي، عبر تقديم بعض "الهدايا" المحسوبة، كالترحيب بلقاء ثانٍ في بغداد، أو حتى في فتح بعض الأبواب أمام البرادعي والوكالة الدولية للطاقة النووية.
نجحت طهران في التعامل مع هذا الوضع الساخن الى درجة أن مسؤولين كبار في "الخليج العربي يبدون اطمئنانهم الى مرور الاحتكاكات الحاصلة بدون مواجهة عسكرية لأن الإيرانيين يعرفون جيداً كيف يحنون رأسهم أمام العاصفة، وهم يعرفون أكثر متى عليهم التراجع في الوقت المناسب حتى ولو اضطر قادتهم الى شرب "كأس السمّ" كما فعل الإمام الخميني وهو يقبل بوقف الحرب مع العراق".
لكن طهران وهي تتقدم على هذا المسار تريد حكماً معرفة أين تقف والى أي مدى يمكنها الوصول اليه خصوصاً مع حليفتها التاريخية دمشق. ذلك أن الإيرانيين الذين دعموا دمشق عندما كانوا أقوياء وتركوا قائدها الرئيس الراحل حافظ الأسد يستثمر تحالفه معها على طريقة المنشار مع العرب أي الكسب في الذهاب والاياب، يعرفون جيداً أن هذا الحليف التاريخي، أصبح اليوم "الحلقة الضعيفة" في هذا التحالف، مع العلم أنه ما زال يشكل بالنسبة اليهم "خط الدفاع الأول" لهم في المنطقة. وعبره ينتقل الإيرانيون الى "مركز" كل الصراعات في فلسطين ولبنان والجولان.
منعاً للقفز نحو المجهول
ولا شك أن طهران قد أوفدت الرئيس نجاد، لتوضيح صورة الوضع بشكل لا لبس فيه حتى لا يقفز أحد في المجهول، خصوصاً بعد أن تعرضت ثقتها في دمشق للخلخلة نتيجة لمحاولتها القفز بسرعة وبدون حذر ولا احتياطات ولا تفاهم عميق تقتضيه شروط التحالف للتفاوض مع واشنطن. وقد سارعت طهران الى قرع الجرس علناً وعبر الإعلام، واضعة روزنامة دقيقة لآلية وشروط التفاوض مع واشنطن. وهذا لا يمنع مطلقاً أن طهران تريد بلا شك المحافظة على حليفتها قوية، لتستقوي بها إذا وقعت المواجهة التي لا تريدها، ومعها لتحسين شروط التفاوض ولتحسين نتائجها.
هذه الإرادة الإيرانية العلنية، هي التي قادت طهران باتجاه دمشق لدفعها للقراءة الواقعية للوضع مع أكثر قياداتها تشدداً لأن القراءات السيئة أو الخاطئة تنتج دائماً انزلاقات خطرة نحو أفخاخ غير محسوبة. ويبدو أن طهران تتخوف من "شهية" دمشق خصوصاً في لبنان التي قد تدفعها نحو مسارات أخرى لا تريدها. ومما يعزز هذا الموقف الإيراني، أن دمشق تحت مجهر المراقبة الدولية يومياً في سلوكها اليومي في لبنان، خصوصاً وأن "الاتهام السياسي" لها باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يتعزز يوماً بعد يوم بانتظار ساعة الحسم بما يتعلق "بالاتهام الجنائي" الذي سيتم أمام محكمة دولية وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
طبعاً، حيثيات الزيارة واللقاءات التي جرت سواء مع السيد حسن نصرالله وقيادات الفصائل الفلسطينية وخصوصاً خالد مشعل عن حركة حماس، تؤشر الى "تشدد" علني، لا يترك مجالاً للاعتدال. إذ ليس هناك ما يضبط ويهيّج الولايات المتحدة الأميركية أكثر من رؤية أركان هذا الحلف المشكل من طهران ودمشق وحزب الله وحماس والجهاد مجتمعين و"متّفقين" على حق المقاومة في وجه المؤامرات".
ولا شك أن طهران ودمشق تعمدتا "استعراض القوة" العلني أمام واشنطن ومعها الغرب، لإبراز قوة "أوراقهما" وهذا طبيعي جداً في حالة مثل الحالة التي تعيشها المنطقة، ووقوعها بين خيارين لا ثالث لهما هما المواجهة أو التسوية. لكم رغم هذا الاستعراض للقوة، فإن القراءة المرمزة للتصريحات تؤشر الى تقديم عروض للتفاهم أو على الأقل للتفاوض.
التمايز المستمر
ولعل الملف اللبناني، الذي يبدو فيه التمايز علناً بين الموقفين الإيراني والسوري، هو الذي يؤشر الى "وضع أرضية مشتركة" تنحو نحو العمل على تهدئة الأزمة والوضع باتجاه الحل. فعندما يقول الرئيس أحمدي نجاد للسيد حسن نصرالله "بأن التهدئة داخل المجتمع اللبناني تبعث على الأمل"، فإن عملية تشفير رموز هذه الدعوة استناداً الى مفردات الخطاب الإيراني تعني "أنه من المطلوب الهدوء ليستمر الأمل على طريق الحل".
حتى تسريب الكلام الذي سمعه الرئيس نجاد عن المواقف المتعارضة بين الفصائل الفلسطينية المتحالفة مع دمشق والمقيمة فيها. الإعلان عن مطالبة مسؤول فلسطيني "بالمساعدة على فتح الحوار بين حماس وفتح" في وقت يطالب فيه آخر "حل السلطة والالتزام بالمقاومة"، هو مطالبة إيرانية بالتذكير بهدوء حول تعقيدات الوضع ومخاطره كما يؤكد ذلك رغبة طهران بالعمل على تظهير صورة الوضع بكل تفاصيلها الحقيقية، لأن بهذا تكمن القراءة الواقعية والصحيحة.
الامتحان الحقيقي لدمشق أمام العالم ومع حليفتها طهران هو في كيفية تعاملها مع الأزمة اللبنانية خصوصاً وأن نوعاً من "الرعاية" الدولية والعربية والاقليمية تصل الى درجة "الاحتضان" قائمة وتتدعم يوماً بعد يوم. الى جانب ذلك فإن توجهاً لبنانياً نحو ضرورة الخلاص والدخول ولو في "هدنة" قوية الى حين خروج المنطقة من امتحان المواجهة سلماً أو حرباً، يبدو ملحاً وضرورياً أكثر من أي وقت مضى، لأن استمرار الأزمة على حالها ستكون نتيجتها كارثية في حالة وقوع المواجهة العسكرية على أي مستوى كان بين واشنطن وطهران وحلفائها، لأن أحد يمكنه ضبط التحركات ولا التفاعلات ولا حتى ردود الفعل غير المحسوبة. أما إذا تقدمت التسوية، فمن طبيعة الأمور أنه عندما يتفاهم "الكبار" حول مصالحهم، لا يبقى أمام "الصغار" سوى حفظ رؤوسهم. وهذه دعوة مفتوحة الى كل اللبنانيين.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00