8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مدريد وباريس تعملان على فتح "الباب" عبر "النافذة" اللبنانية أمام دمشق المصرّة على التصعيد

دمشق هي عقدة الوصل والقطع في لعبة الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط. هذا الدور ليس جديداً ولا مستحدثاً. فقد لعبته دمشق منذ البداية، بنجاح كبير، بإدارتها واستثمارها لهذه اللعبة. في الماضي كانت تجري دائماً على قاعدة ان دمشق هي قلب العروبة النابض. منذ زمن بعيد ربما يعود الى نهاية حرب تشرين في العام 1973، ادارت دمشق اللعبة بما تملكه من اوراق وشعارات لتعزيز حضورها ومواقعها، في ظل غياب امكانية استعادة الجولان بالحرب وبالمفاوضات.
لعبة البلياردو
ولا شك أن دمشق تبدو حاضرة دائماً في كل الاتصالات، وإذا ما غابت فإن غيابها يكون إشعاراً بالحضور. لذلك فإن غيابها عن مؤتمر شرم الشيخ يؤشر إلى دورها وموقفها في كل القرارات وطبيعة التحالفات واتجاه المسارات، كما أن زيارة انخيل موراتينوس وزير خارجية اسبانيا إلى دمشق في يوم انعقاد مؤتمر شرم الشيخ ولقاءه الرئيس بشار الأسد وكلامه "الايجابي عن موقفها خصوصاً من لبنان واصراره على وجوب مشاركة دمشق في مؤتمر السلام" يؤشر الى ادراك أوروبي بدقة وأهمية المشاركة السورية في هذه اللعبة الجديدة للسلام في المنطقة.
ويبدو واضحاً من كلام موراتينوس خصوصاً حول تفاهم باريس ومدريد، أن أوروبا تعمل من خلال فتح "نافذة لبنان" عليها ومنها على العالم، استكمال ما لا تستطيعه الولايات المتحدة الأميركية ولا يمكنها حتى الآن القبول بالقيام به. وبهذا فإن كل الاتصالات المتقاطعة مع دمشق أو حول دورها، تشكل تطبيقاً كاملاً وبارعاً للعبة البلياردو المعروفة بالطابات الثلاث، حيث الطابة البيضاء تضرب واحدة لتصيب الثانية التي تبقى الهدف الأصلي.
المطلوب من دمشق تنفيذه يبدو صعب التنفيذ ان لم يكن مستحيلاً. فالمطلوب "تحسين سلوكها "في الملفات الثلاثة وهي: لبنان والعراق وفلسطين. وهذا الشرط يبدو مستحيلاً بالنسبة لدمشق. لأن تنفيذه يعني قطع كل آمالها وإسقاط كل خططها لاستعادة ولو الحضور السياسي والاقتصادي في لبنان، والتخلي نهائياً عن الوجود في مركز أو جوهر الصراع العربي ­ الاسرائيلي أي القضية الفلسطينية مما يلغي حكماً 99 في المئة من جميع شعاراتها وخطاباتها القومية.
خسارة العراق والنفط
أما العراق فإن خسارته تعني انقطاعاً عن التواصل الجغرافي والسياسي وإسقاطاً لطموحات نفطية تعوضها عن نضوب النفط في سوريا. والأهم من كل ذلك ان دمشق لن تعود دمشق، وهي أيضاً لن يمكنها أن تقايض ولا أن تبيع شيئاً من "كيس" غيرها في حين ان كل ما تملكه بعد ذلك، سيدفع الى محاصرتها في دائرتها الجغرافية الصغيرة التي ستطل منها على "عسل" المنطقة ولا يمكنها حتى تذوقه.
هذه الحالة، تقع دمشق في خانة الضعف التي تشعرها بثقل الضغوط عليها رغم كل خطابها الشعبوي بالممانعة والصمود وصولاً الى التصدي. وهي في هذا الوضع تكاد تشبه من يمسك الرهينة أو أكثر في موقع حساس، ورغم محاصرته فإنه لا يكتفي بالعمل على الخروج سالماً وانما يطالب بأقصى ما يمكنه من "فدية" تسمح له فوق الأمن والاستقرار باستثمارات جديدة منتجة مستقبلاً أكثر فأكثر.
والتصعيد الذي تمارسه دمشق في لبنان تحت دعوى تأييدها الكامل للمبادرة الاسبانية والفرنسية (حتى الآن ما زالت المبادرة جهوداً وجولات مكوكية لم تتبلور في بنود واضحة) حرصاً منها على وحدة واستقرار لبنان"، كما قال موراتينوس بعد لقائه الرئيس الأسد، يبدو ثابتاً وجلياً لا يحتاج لبرهان. وهذا التصعيد يجري على أمل كسب المعركة من خلال الحل الذي سيصاغ لحل الأزمة، والكسب الذي تريد دمشق تسلمه فوراً هو في رئاسة الجمهورية، وفي تحويل المحكمة الى محكمة بلا محاكمة.
وبصريح العبارة، فإن دمشق تريد وتسعى وتعمل بكل قوتها من خلال اصرارها على حل يتوافق جميع اللبنانيين عليه أن تتجاوز حصتها في رئيس الجمهورية المقبل مسألة أن لا يكون معادياً لها وأن يكون مطمئناً لها، وإنما أيضاً أن يكون على علاقة حقيقية معها يأخذ بعين الاعتبار في كل قراراته كلمتها ومصلحتها في لبنان أولاً وفي المسارات السياسية العربية والدولية ثانياً.
التسييس المتأخر
تبقى المحكمة. صحيح ان "حضورها" تراجع في الخطاب الدمشقي، بعد أن أصبحت قراراً دولياً. إلا أنها حاضرة في كل التوجهات والنشاطات السياسية والأمنية السورية، حتى إنها تكاد تكون عقدة الوصل والقطع في السياسة السورية المعلنة والمستترة.
ويرى الخبراء في شؤون الأمم المتحدة ان دمشق مأزومة جداً من مجرد استمرار المسار الطبيعي لتنفيذ القرار المتعلق بتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي. ومن ذلك ان تأخير الاعلان عن مقرّ المحكمة لن يطول، لأن الخيارات محدودة ومحددة. كما ان تشكيل المحكمة بكل هيئاتها يجب أن يكون مع نهاية هذا العام في أقصى الأحوال. وعند ذلك يمكن للمحقق الدولي سيرج براميرتس تقديم قراره النهائي الذي يسمي فيه المتهمين من محرضين وفاعلين وشركاء، وهو ما أشار إليه في تقريره الأخير وحددهم دون أن يسمّيهم. وحتى لو اجل ذلك فإنه سيقدم حكماً التفاصيل الكافية التي يمكن تأسيس القرار النهائي عليها.
هذه النقلة النوعية، تعني حكماً الانتقال من حالة الاتهام السياسي إلى الاتهام الجنائي بكل ما يترتب على ذلك من مفاعيل. ومن ذلك فإن مطالبة المحكمة بتسليم أي دولة وليس دمشق وحدها ملزم لها، لأنه لا يمكن بعد الآن الرجوع إلى مجلس الأمن لرفض القرار أو تنفيذه بأي حجّة كانت، خصوصاً حجّة التسييس في التحقيق أو في المحكمة. ولمجلس الأمن الحق بتصعيد مطالبه استناداً إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي أقرت المحكمة على أساسه وصولاً إلى تطبيق المادة 41 و42 أي استخدام القوة.
هنا يعترف الخبراء ان دخول السياسة والمصالح السياسية على هذا الخط ممكن جداً، قبل ذلك مستحيل فالكلام عن تسييس لجنة التحقيق الدولية مردود عليه بأن لجان التحقيق الدولية في العراق الثلاثة ورغم كل الضغوط الأميركية، فإنّ رؤساءها الثلاثة فرانك ريتر وهانز بليكس ومارتيز انهوا مهماتهم بوقائع مجلجلة ضد الرغبات الأميركية.
التسييس يمكن أن يقع لدى الدخول في مرحلة تنفيذ وتطبيق المادتين 41 و42. وإذا كانت دمشق هي المتهمة والتفاوض سيكون معها بناء لطلبها فإنها لا شك ستكون هي الطرف الضعيف، وستضطر لدفع ثمن "التسييس" الذي تريده تحت صيغة "محكمة بلا محاكمة" أي تأجيل إجراءاتها لسنوات طويلة إلى حين لفلفة القضية بالاتفاق غالياً جداً.
أمام هذا الواقع الصعب والمرّ أيضاً من مصلحة دمشق ان تفاوض منذ الآن ويبدو ان باريس ومدريد تريدان فتح "باب" السلامة لها على أن تكون الخطوة الأولى عبر "النافذة اللبنانية". فهل تستثمر دمشق هذه الفرصة الذهبية التي تضمن لها الأمن والاستقرار والحضور العربي والدولي مثلما تؤمن للبنان الأمن والاستقرار والاستقلال، أم تتابع المعركة وصولاً إلى مرحلة لا يسمع خلالها أحد سوى المطرقة تعلن افتتاح المحكمة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00