ربح الجنرال ميشال عون معركة، وخسر الحرب. ربح الجنرال مقعداً نيابياً، وخسر الرئاسة نهائياً. كل المعارك التي خاضها، منذ عودته من المنفى من باريس، كانت تمهيداً لتحقيق الانتصار الكبير للحرب في ربح رئاسة الجمهورية.
الجنرال نجح في التكتيك، وخسر في الاستراتيجية. لم يعرف كيف يضع التكتيك في خدمة استراتيجيته، وهو الجنرال، فوقعت الخَسَارة قبل النهاية. لو كان الجنرال جنرالاً، لفعل مثل كبار لاعبي الشِطْرنج الذين عندما يدركون ان الشاه قد مات قبل عدة حركات، يعلنون النهاية ولا ينتظرون الحكم لإعلانها. فيخسرون وهم محافظون على اسمهم وموقعهم. مشكلة الجنرال عون ان اللعبة بالنسبة إليه قد انتهت وليس أمامه مباراة للثأر مهما وعد بها نفسه، فالرئاسة كانت احتمالاً قائماً، أصبحت بعد انتخابات المتن حُلم صيف، سيدفع التيار البرتقاليّ الذي تكون ثمنه غالياً.
انحسار "التسونامي"
هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع. ومنذ اللحظة التي ظهرت فيها نتائج صناديق "جبل" المتن، تأكد للجميع ان "التسونامي" المسيحي وتحديداً الماروني الذي جعل من الجنرال العائد رقماً صعباً في المعادلة السياسية اللبنانية، قد تراجع وانحسر، فالجَزر جاء سريعاً وقوياً وحاسماً. أمام هذا الواقع، فإن مدّ اليد للمصافحة والمصالحة تمهيداً للتوافق، ستبقى ممدودة في الفراغ. فالجنرال عون، الذي لطالما أراد اللبنانيون أن يكون حيث يجب أن يكون عندما امتطى "جواد" القرار 1559 في واشنطن، أن يبقى على "صهوته" فيعجل بذلك في إتمام "تسونامي" الاستقلال والسيادة بدلاً من أن تنتج آلة الإرهاب والاغتيالات والاعتصام في "مخيم" رياض الصلح، مزيداً من طغيان "المربعات الأمنية"، وتعميقاً لمستنقعات انعدام الثقة، وتغيباً للحلول الداخلية، وفرضاً لكل التداخلات والتدخلات الخارجية.
تغيّرت حكماً خريطة الانتخابات الرئاسية في لبنان، هذه الانتخابات التي متى جرت بديموقراطية مماثلة للديموقراطية التي عاشها المتنيون، ستكون مختلفة جداً عن خريطة دخلت فيها احداثية الخامس من آب. مهما كابر الجنرال، فإن معركة الخامس من آب وضعت فاصلة في تاريخ الأزمة التي يعيشها لبنان واللبنانيون منذ 250 يوماً عندما اعتقد عون ان بينه وبين قصر بعبدا موعداً لا يتطلب اكثر من صبر ساعة!.
غياب المرشح عون
في السادس من آب الجاري، بدأ البحث عن اسم رئيس الجمهورية المقبل في لائحة تغيب عنها ميشال عون. فهو أصلاً لم يكن مقبولاً حتى لو تبناه نهائياً "حزب الله" وقوى 8 آذار، لأنه مرشح غلبة في وقت لا تملكون الأكثرية اللازمة. وهو الآن لم يعد مرشح وفاق كما كان يقول باسم احادية تمثيله المسيحي وخصوصاً الماروني. والرد على هذه الحالة، بتوصيف حالة اخرى وهي أن قوى 14 آذار، لا تملك الثلثين تحقيقاً لاكتمال النصاب حتى وهي تحوز الأغلبية الكافية لانتخاب رئيس جديد. والنتيجة، هي في البحث عن خيار جديد يقوم على وحدة الشعارين السيادة الشاملة والصلاحيات الرئاسية الكاملة. علماً ان التزام قوى 14 آذار بالدستور وبالطائف ينتج عنه حكماً اعترافاً وقبولاً ودعماً لصلاحيات الرئاسة العتيدة التي "همشت" في شخص الرئيس اميل لحود بسبب مواقفه وليس رفضاً لموقع الرئاسة.
في السرعة السلامة
الآن كلما أسرع الفرقاء في التوصل الى حل يخرج لبنان من الأزمة، ساهموا في إنقاذه من الانهيار. وهذا الحل هو حكماً نتاج استيعاب حقيقي لكل احداثيات الخريطة السياسية الداخلية المتداخلة بالخارجية. واستمرار ربط تشكيل حكومة وحدة وطنية بالانتخابات الرئاسية، لم يعد سوى مسمار جحا للتذكير بملكية قديمة للبناء.
ومما يعزز ذلك ان انتخاب رئيس للجمهورية ديموقراطياً وبالتفاهم يفتح الباب على مصراعيه أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة كل الاستحقاقات القديمة والجديدة والطارئة وفي مقدمتها الارهاب الوافد مهما قيل عن وجوده في الداخل.
المشكلة، ان دمشق قادرة على تعطيل اي مبادرة، حتى مع وجود تفاهم سعودي ـ ايراني ـ فرنسي واقتراب روسي منه، والمركز في المشكلة انها ترى نفسها "ممرا اجبارياً" لانجاز التوافق اللبناني. وطهران توافق على ذلك، لأنها حليفتها وخطها الأمامي في المواجهة مع واشنطن التي كانت يوماً "الشيطان الأكبر"، وأصبحت من ضمن مفردات "الدولة"، خصماً يتم التفاوض معه حول كل شيء. كما أن أوروبا، وفي مقدمتها مدريد، ومن ضمنها باريس تعمل لتحقيق قاعدة ذهبية تقوم على "المحافظة على لبنان واستعادة دمشق".
الاعتراف بدور وموقع لدمشق تريده طهران، خصوصاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن هذا القبول العلني مع استعداد اوروبي لتقبله زائد تضامن روسي معلن خصوصاً مع الطموحات الجديدة للقيصر بوتين في استعادة الأسطول الروسي حضوره في المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، يدفع دمشق للتصعيد، طلباً منها لثمن مرتفع جداً.
السؤال المطروح على هذه العواصم وفي مقدمتها طهران: اذا كانت دمشق ممراً اجبارياً لتحقيق الوفاق وتمرير الانتخابات الرئاسية، فما هو الثمن الذي تبدو مستعدة لقبوله؟
أن يكون رئيس الجمهورية المقبل غير معادٍ لدمشق وتشعر معه بالاطمئنان، حماية لنفسها من خاصرتها الضعيفة لبنان، طبيعي. أما أن تصرّ دمشق على أن يكون رئيس الجمهورية المقبل لها ينفذ ارادتها بالكامل أو جزئياً، بحيث تكون وحده المسار والمصير "حبل مشنقة" للقرار الوطني المستقل، فإن ذلك غير مقبول ولن يحصل.
"السقف" الدمشقي
طهران حليفة دمشق، المتعلقة والملتزمة بتحقيق الأمن والاستقرار للبنان منعاً لانتشار "العرقنة" المذهبية القاتلة فيه، تريد أيضاً أن يكون "حزب الله" مطمئناً للرئيس الجديد يمكنها ان تلعب دوراً أساسياً في خفض "سقف" مطالب دمشق وجعلها واقعية، خصوصاً ان الرعاية العربية والدولية للبنان لن تسقط مهما بالغت دمشق بحضورها وقوتها في صوغ الحل بعد ان أكدت يومياً حضورها في تعقيد الأزمة وتعميقها. واستنكاف طهران عن لعب هذا الدور البناء بحُجة المحافظة على حلفها مع دمشق، لن يغيبها من المسؤولية. لأن الحليف الذي لا يأخذ أيضاً برأي حليفه القوي أصلاً، يمكن له أن يؤذيه حكماً في لحظة من الحسابات الخاطئة وما أكثرها.
وداعاً جنرال... أهلاً بالحل!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.