8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ثلاثة أشهر من الوحدة والتضحيات في نهر البارد أسقطت "إمارة الشمال" والحرب بين اللبنانيين والفلسطينيين

معركة نهر البارد، قاسية جداً، وصعبة ودقيقة، بجميع المقاييس العسكرية والسياسية والانسانية. اليوم، تدخل هذه المعركة شهرها الرابع، ليعيش لبنان معها على وقع تجربة فريدة وجديدة في تاريخه الحديث. واذا كان اللبنانيون، يطمحون ويرغبون بنهاية سريعة لها ­ وهذا من حقهم ­ فإن الواقع الدامي ليوميات هذه المعركة، يتطلب مزيداً من الصبر، ومزيداً من الدعم والتأييد للجيش اللبناني، دون الدخول في تحديد مهل زمنية لانتهاء المعركة، لأنه بإجماع الخبراء "لا توجد حالياً مهلة زمنية محدودة، لأن طبيعتها تفرض الحذر الشديد والتقدم البطيء، والنهاية يجب ان تعني نهاية آخر قناص يقفل أبواب الحياة في مربعه الارهابي".
الوقوف الى جانب الجيش اللبناني في معركة نهر البارد واجب. وأيضاً استخلاص "الدروس" من هذه المعركة وملاحقتها ومعالجتها واستثمارها هو أيضاً أكثر من واجب على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والانسانية. فهذه المعركة تدور رحاها منذ 20 أيار الماضي، على أرضية أقسى وأعنف أزمة سياسية يعيشها لبنان، الى درجة ان كل يوم يمر هو يوم جديد يعيشه الوطن، لأنه هو المهدد هذه المرة وليس مجرد حكومة ولا نظام.
غدر الإرهابيين
ميدانياً، فإن خبيراً عسكرياً مطلعاً يؤكد أن الجيش اللبناني، دخل أصلاً الى "ادغال من الاسمنت، حيث لا طرقات ولا ممرات ولا منافذ على الفضاء". وهذا الجيش خاض يومياً معارك حادة مع ندرة تجهيزه". وهذا الوضع يفرض سؤالاً يتناول الماضي مثل الحاضر تمهيداً لحله مستقبلاً: من هو المسؤول عن عدم تجهيز الجيش اللبناني بالمعدات والذخائر سواء كانوا لبنانيين أو غير لبنانيين؟ وألم تكن هذه السياسة سياسة مفروضة من دمشق على المؤسسة العسكرية لأنه اذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد امتنعت عن تسليح هذا الجيش فماذا كانت تفعل دمشق التي بنت وجودها في لبنان على وحدة المسار والمصير؟ ألم يكن من الملح والضروري والطبيعي أن تساعد هذا الجيش على التسلح وهو جيش شقيق ورديف لجيشها؟
والمطالبة بالصبر وعدم تحديد مهلة للانتهاء من المعركة وهي حرب بكل معنى الكلمة، حسب خبير عسكري مطلع، "ان ما تبقى أمام الجيش، وهو المثلث الأخير من المخيم يضم مجموعة من الملاجئ القديمة التي تم استحداثها على غرار أفضل الملاجئ العسكرية الحديثة المرتبطة بممرات تحت الأرض، الى جانب تجهيزها ضد قصف الطيران. ومما يزيد الطين بلّة كما يقول المثل الشعبي، ان هذه الأدغال من الاسمنت تحوّلت بفعل القصف المستمر الى جبال من الركام التي تتطلب تعاملاً غير مسبوق، مما زاد من المصاعب والأخطار. ولذلك كله فإن تقدم الجنود يتم بدون مبالغة بالمتر، وعلى أساس اقفال سبل الحركة من مخارج ومداخل أمام الارهابيين القابعين مثل الصيادين بانتظار طريدة يصطادونها. ولذلك فإنهم لا يقاومون وإنما يغدرون".
ألف شهيد وجريح
هذا هو الواقع الميداني، الذي أدى الى استشهاد واصابة أكثر من ألف ضابط ورتيب وجندي حتى الآن. وهذه الضريبة المكلفة جداً حتى لأكبر الجيوش في العالم (اذا تم احتسابها نسبياً على السكان وعديد الجيش)، هي "نتاج شجاعة غير مفاجئة، ولكن أيضاً هي ثمرة خالصة لوحدة هذه الوحدات العسكرية وتضامن أفرادها على جميع رتبهم في وقت، يتقاتل فيه الجميع على المسرح المدني بسيوف المذهبية والطائفية والاستتباع وعلى وقع رياح "العرقنة" التي تهب ساخنة على الساحة الداخلية المفتوحة أمامها".
حتى، الآن، سقط نتيجة لمعركة نهر البارد مشروعان. مشروع "امارة الشمال الاسلامية" وإشعال حرب فلسطينية ­ لبنانية تكون حمم نهر البارد اشعاراً لانتقالها الى المخيمات الأخرى المنتشرة على مساحة لبنان. اسقاط المشروع الأول، جرى ربما نتيجة لخطأ في توقيت الارهابيين الذين استعجلوا الغدر بالجنود السبعة والعشرين للالتفاف على عملية دعم بعض قياداتهم في طرابلس، فنبهوا بذلك على خطورة المشروع وعمقه المعدّ لنشر "العرقنة" الى لبنان من الشمال.
ولذلك، فإن الكلام الغادر عن نصب كمين للجيش هو استكمال لمخطط الإرهابيين. واذا كانت قد حصلت أيُ سرعة في تطويق بعض القياديين من "فتح الاسلام" في طرابلس، فإن السرعة التي غدر بها هؤلاء الارهابيين بالجيش، تؤكد انهم كانوا يعملون وفق خطة موضوعة مسبقاً.
أما النجاح بحصر النار في نهر البارد وعدم انتشارها إلى باقي المخيمات، فإنه لن يكتمل إلا بالمحافظة على وحدة اللبنانيين والفلسطينيين في مواجهة الإرهاب، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالحوار، وهو مطلوب بسرعة لحسم التوافق والاتفاق.
العودة بأمان
وهذه السرعة ضرورية، لأن الواقع الميداني يفرضها بقوة. إذ يجب ألا يغيب عن بال أحد ان حوالي أربعين ألف فلسطيني هم سكان المخيم ينتظرون حتى الآن بصبر وهدوء للعودة إلى مخيمهم، كما يجب ألا يغيب عن ذهن الجميع ان الصورة المقبلة ستكون مؤلمة وصعبة جداً، فالركام الموجود يتطلب أشهراً لإزالته. ومن ثم، فإن إعادة بناء المخيم، مع مشكلة تأمين تمويله، تتطلب نحو سنتين. ولذلك يجب التعامل منذ الآن، مع "الزلازل الارتدادية" الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، التي ستتولد سواء لأسباب طبيعية أو بسبب التنافس السياسي بين المنظمات.
والعمل لتأمين عودة هادئة لسكان المخيم هي ضرورة لبنانية، لأن أي تشتيت لهم يعني فوراً تسهيلاً للتوطين، وكل مَن لا يريد من اللبنانيين توطين الفلسطينيين، عليه دعم أي خطة لبنانية ـ فلسطينية تؤمن وتضمن إعادة بناء المخيم بما تتطلب أبسط القواعد والمتطلبات السكنية والمعيشية.
ولا شك في ان حل مشكلة السلاح في المخيم وإن كانت جزءاً من مشكلة أكبر، تتناول كل السلاح الفلسطيني، فإن صياغة قواعدها وشروطها منذ الآن، تزيل عائقاً مهماً أمام سكان المخيم من جهة، وتدعم حل مشكلة إعادة تنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات في اطار حل كامل "لسلة" المطالب المشروعة للفلسطينيين بعيش كريم يحفظ كرامتهم ويدعم أخوتهم مع اللبنانيين، من جهة أخرى.
يبقى، ان "فتح الإسلام"، حتى ولو كانت جزءاً من "القاعدة" أو رديفاً لها، فإن نشوءها وانتشارها لم يكن صدفة ولا مفاجئاً. فالجميع يعرف أن أمن المخيمات كان جزءاً من النظام الأمني ـ السياسي الذي كان قائماً في لبنان، وأنّ عملية "تفخيخ" المخيمات بالمنظمات الأصولية من جهة، وإضعاف "حركة فتح" (وإن كانت توجد إلى جانب ذلك أسباب ذاتية وموضوعية) جرى عن سابق تصوّر وتصميم سواء عبر تصفية المخلصين منها أو عبر إبعاد كل الذين أصرّوا على التزامهم الوطني الفلسطيني، في المقابل. ولا شك في ان على عاتق حركة فتح الآن، تقع مسؤولية كبيرة عبر إعادة بنائها ذاتياً وضبط مستقبل المخيمات وبالتفاهم مع المنظمات الفلسطينية الشرعية والمشروعة. وهذا يتطلب تفاهماً مع "حركة حماس" على قاعدة الفصل بين ما يجري في غزة وما يجب أن يجري في لبنان.
العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية بعد 20 أيار لم تعد نفسها ولن تكون كما كانت قبل هذا اليوم. وعلى الطرفين النظر إلى المستقبل انطلاقاً من دروس معركة نهر البارد، حتى تكون هذه المعركة نهاية للحرب التي أرادها الإرهابيون.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00