8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سقوط "فتح الاسلام" لن ينهي الإرهاب المزروع في فوضى المخيمات ودعوات الجهاد

سقطت منظمة "فتح الاسلام" الإرهابية، ولم يسقط الإرهاب. الطلقة الأخيرة في معركة "نهر البارد"، ستكون طلقة البداية في الحرب ضد الإرهاب. لا أحد يريد الدخول في مثل هذه الحرب، لكن هذا هو الواقع، ويجب التعامل معه ليس وفق سياسة رد الفعل وانما تبعاً لسياسة فعل موضوعة استناداً الى جميع الوقائع المعروفة والمكتسبة يوماً بعد يوم، وبعد قراءة عميقة وشاملة لتضاريس الخريطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
معركة مخيم "نهر البارد"، رغم الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش اللبناني، جنّبت لبنان خضات كبيرة، من بينها نشوء "امارة اسلامية" في الشمال، أو ما يشابهها بالفعل وان لم يكن بالاسم. لكن هذه الايجابية الكبيرة، يجب ان لا تغطي على واقع مرّ ومؤلم يتشكل تحت رماد "فتح الاسلام". فالإرهاب يتوالد من رحم الإرهاب الذي يتلاشى.
الإرهاب الأسود
وبوضوح أكثر، يجب توقع ولادة مجموعات ارهابية جديدة، بأسماء مختلفة، صاعدة من مستنقعات العنف الأصولي الأسود. ولا حاجة للغرق في قراءة الماضي القريب لهذا الإرهاب الأصولي. فالاسلاميون الذين ذهبوا الى أفغانستان للجهاد ضد السوفيات كانوا ما زالوا في الطبقات الدنيا من هذا العنف، وصولاً الى ما عايشناه وعرفناه في"القاعدة"، ومن ثم في الفرق والامارات المتفرعة عنها، والتي فاقتها عنفاً في الإرهاب سواءً في الجزائر أو في العراق "الزرقاوية".
والإرهاب في لبنان سواء تحرك وضرب، أو إختباء وتمدد، فإن له اسباباً موضوعية وذاتية ولكن أيضاً وهو المهم خارجية. وهو وان كان الآن يجري تحت "عباءة" فلسطينية وعلى "أرض عودة" للفلسطينيين، فإن له امتدادات لبنانية واضحة من الشمال الى البقاع الغربي. والمعروف ان أول عمل ارهابي وقع في لبنان كان في 22 حزيران 1993، وان أحداث الضنية وقعت في مطلع العام 1999 التي ترأسها بسام كنج (أبو عائشة)، وأن "جند الشام" ظهرت في العام 2004.
والقراءة الموضوعية لكل المنظمات وحتى "الأمراء" الذين ظهروا منذ خمس عشرة سنة حتى الآن، تؤشر الى انه "لا مرجعية واحدة لها، وأن أي "أمير" يمتلك القدرة والامكانات والاتصالات والتأثير" قادرٌ على تشكيل مجموعة ناشطة. وأن المخيمات هي "احدى البؤر الاساسية"، لهذه المجموعات، لكن من الواضح ايضاً انها تبدو من خارج النسيج السياسي الفلسطيني سواء كان من منظمة التحرير أو من "فصائل التحالف"، لكن هذه القراءة نفسها تؤشر الى ان هذا التمدد والانتشار لكل هذه المجموعات جرى انضاجه على نار سياسية وضعت بعناية بحيث يتم خلالها انضاج الكستناء لبيعها وترك النار لتحرق أصابع الآخرين.
فوضى المخيمات
وبداية، فإن الحالة التي وضعت فيها المخيمات الفلسطينية طوال عقدين من الزمن "استهدفت تفريغها من المرجعية السياسية القادرة على الامساك بها، واستكملت هذه السياسة بإلغاء وجود أي اداة أمنية موحدة، وكل ذلك في ظل صراع علني بين الفصائل مما سهّل كما هو معروف تسلل الأجهزة الأمنية الى داخل نسيجها والتلاعب بها واقتناص العملاء وتوجيههم". هذا الوضع المريض والمعدّي بين كل مخيم والمخيم الآخر، وبين المخيمات ومحيطها، والكشف عن خلايا نائمة في طرابلس وفي البقاع الغربي، هو من نتاج هذه الحالة.
وجود منظمات و"أمراء" في لبنان كان ممسوكاً في السنوات السابقة. وكان حتى القبض على بعض المجموعات من قبل أجهزة النظام الأمني السابق، يتم وفق حسابات سياسية أو لتوجيه رسائل معينة خصوصاً إلى الخارج. ولم يكن مسموحاً للدولة اللبنانية التدخل في معالجة هذا الوضع، إلى درجة "ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري ـ كما روى الدكتور رضوان السيّد ـ أُبلغ من العقيد رستم غزالي، عندما جمع علماء وشيوخاً من الشمال لمعالجة الكلام الطائفي الذي صدر، بأن عليه عدم التدخل لأن لا أحد عيّنه إماماً على المسلمين السنّة". أكثر من ذلك، انه عندما أرادت السلطات اللبنانية إلقاء القبض على قتلة القضاة الأربعة الذين لجأوا إلي مخيم عين الحلوة، "وجهت "رسالة" مباشرة من اللواء غازي كنعان إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري ـ كما روى أيضاً د. رضوان السيّد ـ بأن المخيم خط أحمر لأنه بؤرة تشعل الحرب الأهلية".
وجاءت الحرب في العراق، لتفتح أبواب الجحيم على مصراعيها. وعندما اندفع آلاف الشبان من الدول العربية والإسلامية إلى "أرض الجهاد"، انضم منهم من انضم إلى المقاومة ومنهم من انضم إلى "الإرهاب الزرقاوي". وهنا شكل لبنان "ممراً" للمجموعات العابرة إلى العراق عبر سوريا، مكملاً بذلك المجموعات التي كانت تنزل في مطار دمشق مباشرة.
المقاومة والإرهاب
وإذا كانت محاربة الاحتلال الأميركي واجباً قومياً، فإن مدّ "الإرهاب الزرقاوي" الذي أطلق رياح "العرقنة"، يبقى غير مفهوم إلا في عملية متكاملة لاستثمار رابح لسياسة الموت. ويبدو واضحاً الآن وكما ينقل العراقيون الهاربون، ان جميع الأطراف شريكة في هذه العملية الاستثمارية. ولا شك في ان غياب المرجعية الواحدة لكل هذا الإرهاب، أتاح الفرصة لخرق كل "ساحة" بما يناسبها من خطاب. ولعل ما أثار واستثار مجموعات أصولية في شمال لبنان وفي البقاع الغربي، ضخّ خطاب سياسي يؤكد على ضرورة مواجهة سلاح "حزب الله" الشيعي بسلاح سنّي، وكل ذلك في قلب مناخ من الحرب الأهلية الباردة.
حتى وقت قريب، كان لبنان ـ الساحة ـ "أرض نصرة" لهذه المجموعات المتطرّفة الإرهابية، الآن أصبح "أرض جهاد". في حين ان سوريا، تبدو من نشاطات هذه المجموعات "أرض نصرة"، لن تمنع التطورات واتجاه الرياح، من قلب المعادلة.
الحل الأمني فشل دوماً، والدليل ان العديد من الذين قُتلوا أو اعتُقلوا من "فتح الإسلام" كانوا قد اعتقلوا وحوكموا في أحداث سابقة منها أحداث الضنية. ولذلك، فإن الحل يجب أن يكون سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وفكرياً وبطبيعة الحال أمنياً. وفي حال المخيمات الفلسطينية، فإنه كلما أسرعت القيادات الفلسطينية في الإصلاح وفي الإمساك بالمخيمات سياسياً وأمنياً، أسرعت في تطويق الإرهاب القائم والإرهاب المستوّلد على أرضية معارك مخيم "نهر البارد" التي تعمل حركات وأوساط إسلامية لتصوير "صمود" المجموعات التي قاتلت في المخيم نوعاً من "المعجزات الالهية".
أما بالنسبة إلى الشمال والبقاع الغربي، فإن مسألة الفصل بين الإرهاب والالتزام الديني بما فيه الجهاد ضروري جداً، وهي مهمة تلعب الأوساط الدينية العارفة والعالمة دوراً مهمًا إلى جانب السلطات الرسمية، لأن في هذا الفصل يكمن بداية الحل الدائم.
الحرب ضد الإرهاب، صعبة جداً ومكلفة جداً، والنجاح فيها يتم بتدعيم وحدة الجبهة الداخلية أساساً، فالجيش اللبناني انتصر في المعركة بسلاح وحدته أولاً، وبعد ذلك بمخزونه الفقير من الأسلحة والتجهيزات وشجاعة ضباطه وجنوده.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00