8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التفاهم السعودي ـ الإيراني على وأد النزاع المذهبي أفهم دمشق مدى خطر "العرقنة" عليها

دخلت الأزمة اللبنانية "خيمة الانتظار الايجابي". مبادرة الرئيس نبيه بري ليست هي التي دفعت الأزمة نحو هذه النقلة، لكنها بالتأكيد تؤشر اليها وتؤكدها. البقاء تحت هذه "الخيمة" مؤقت وليس دائماً. وهذا طبيعي جداً، لأنه لا بد بعد الانتظار من حدوث خطوة كبيرة سواء كانت ايجابية منتجة للحل أو فشلاً منتجاً لمزيد من المخاطر وحتى الانفجار الكامل. والواقع ان هذه الأزمة تضع لبنان كله في "حالة مخاض"، من الصعب جداً تحديد طبيعة الولادة سواء ما اذا كانت ستكون طبيعية أم قيصرية، وما اذا كان المولود سيكون صحيحاً أو مشوّهاً.
الرئيس برّي، "أستاذ" في قراءة الأحوال والعلاقات والتغيّرات، ولذلك فإن مبادرته لم تأت من فراغ، بل نيتجة لاطلاعه وخبراته ومعرفته الدقيقة بمفاتيح الوضع. ولذلك جاءت مبادرته على مثال الحالة التي وصلت اليها الأزمة، أي قبولها صعب ورفضها أصعب، مثلما ان استمرار الأزمة صعب وحلها أصعب.
والقراءة الواقعية للأزمة وطبيعة المبادرة، تؤشر كلها الى تحول لم يكتمل لكنه يتشكل بقوة.
الاستحقاق العراقي ـ الأميركي
الانتظار على موعد مع الاستحقاق الذي ينتظر الرئيس جورج بوش بدون صبر، وهو التقرير الذي سيرفع اليه قبل الخامس عشر من هذا الشهر، لا يمكن معرفة اتجاه حركة بوش قبل هذا الموعد. لكن من الواضح انه قلق جداً ولهذا حطّ في بغداد للتباحث مع القيادة العسكرية الميدانية هناك.
حتى ذلك الاستحقاق، يبدو أن توجهاً نحو التهدئة يسير بالتوازي مع ترقب التوجهات بعد ذلك التاريخ. الساحة العراقية، ربما تشهد تصعيداً كبيراً للتسريع في رسم المسارات وتحديد الاحجام.. كذلك في فلسطين، التصعيد يأخذ اشكالاً عديدة بين السلطة في الضفة، وغزة التي تتحول يوماً بعد يوم فعلياً الى "حماستان" بكل ما يعني ذلك من نهج ومنهج لا يمكن التعامل معهما بصبر وسماح.
يبقى لبنان الساحة الثالثة، وهي مهمة وإن لم تكن المركز، فالساحة اللبنانية كانت وما زالت "مختبراً" عظيماً فيه تصاغ أبرز المعادلات، ولهذا فإن التوجه نحو التهدئة يبدو غريباً، وحتى استثنائياً، في ظل ما يحدث في الساحتين الأخريين. والواقع ان عوامل عديدة تساهم في هذا الاختيار الذي لم تكتمل حتى الآن مواده بشكل نهائي لتقدير طبيعة المعادلة الناتجة عنه.
الدور المشجع لإيران
المهم، ان رغبة كبيرة تتحول يوماً بعد يوم الى ارادة منتجة، تبدو في الأفق. ومن ذلك ان الوقت حان لوقف الانزلاق نحو الهاوية، خصوصاً ان ثلاث سنوات من الزلازل الارتدادية وأكثر من تسعة أشهر من الغرق في طوفان مواجهات بين المربعات الأمنية، قد أتعبت اللبنانيين وأرهقتهم وأفزعت القوى العربية والاقليمية والدولية.
وإذا كان التوافق والاتفاق كاملين بين السعودية وإيران على وأد أي نزاع مذهبي في المنطقة وخصوصاً في لبنان لأن هذا النزاع أخطر بكثير مما يحصل في العراق، فإن هذه القناعة القديمة المنتجة من خلال سياسة هادئة لكن متحركة لم تكن سائدة عند جميع الأطراف. ويبدو الآن انه حتى دمشق اقتنعت بأن نار "العرقنة" اذا انتشرت في لبنان وأفرزت "امارة اسلامية" في الشمال، ستكون "خارقة حارقة" ولن تسلم من نارها كما حصل في العراق حيث نجحت في استثمارها حتى الآن.
ولا شك ان طهران لعبت دوراً مهماً في هذا التحول. ولعل صدور الترحيب السوري حول انتصار الجيش اللبناني على لسان وزير الخارجية وليد المعلم من طهران وبحضور نظيره الإيراني منوشهر متكي، ما يؤكد ذلك. لذا، فإن اكتمال هذا الموقف السوري ـ الإيراني في تفاصيل مبادرة الرئيس نبيه بري "قارئ المسارات" الطبيعية والمفاجئة بكل ما يعني لبنان.
والواقع ان أكثر ما يدفع طهران الى لعب هذا الدور الايجابي مع دمشق، يعود الى همومها التي لبنان جزء منها وليس محوراً لها. ذلك ان طهران تريد تعزيز تفاهمها مع محيطها الاقليمي العربي، للمساهمة في ابعاد "جنون بوش" عنها. فهي لا تريد الحرب وتخاف منها. ومن أجل ذلك فإنها مستعدة للمناورة وتقديم الهدايا بكل ما يمكنها من قدرات، وحتى لو بدا تغيير قائد الحرس الثوري عبدالرحيم صفوي قراراً روتينياً حيث أمضى فترة السنوات العشر على قيادته، فإن توقيته الآن وتسمية خليفة له لا تنقصه القوة والخبرات لكنه يتمتع بـ"واقعية سياسية" كما هو معروف عنه، يشكل كل ذلك "رسالة" إيرانية علنية تؤكد استعدادها وقدرتها على التعامل الهادئ رغم "عنتريات مذياع الحرب النفسية" الرئيس أحمد نجاد.
العمق الساركوزي
ولا شك ان هذا التوجه الإيراني المتكامل مع سياسة سعودية متحركة وناشطة وايجابية، يجد في السياسة الفرنسية الساركوزية عمقه المهم. ورغم كل الكلام الفرنسي عن دعم لقرار يتضمن أقسى العقوبات ضد إيران، فإن المسؤولين الإيرانيين يشدّدون على "الثقة والتعاون الحقيقي مع باريس".
هذه "الثقة" هي التي يتم البناء عليها في الساحة اللبنانية. ولذلك ليس صدفة هذا التقاطع في الخطوط العامة بين مبادرة الرئيس نبيه بري المستند الى تأييد إيراني ـ سوري، ونقطة الثقل في توصيف الرئيس ساركوزي لهوية الرئيس اللبناني الذي يجب انتخابه وأساسها ان يكون "مقبولاً من الجميع، وقادراً على العمل مع الجميع".
هذه التقاطعات هي التي قد تحقق النقلة نحو الحل المنتج، بدايته في انتخاب رئيس للجمهورية. لكن الانتظار المقلق يبقى قائماً حتى معرفة القرار الأميركي، ومدى نجاح باريس ـ الساركوزية في اقناع واشنطن بفتح الباب ولو مواربة لفصل الأزمة اللبنانية عن ملف الأزمات وخصوصاً القلب منها في العراق. وبهذا يمكن تغليب الحل هنا في بيروت حتى ولو جرى تصعيد ما في العراق وفلسطين، فللضرورة أحكامها.
كما ان الترجمة الداخلية للحل تكمن في طريقة التعامل مع مبادرة الرئيس بري، ذلك ان وضعها "حزمة" واحدة على الطاولة أفضل بكثير من الشروط المسبقة، حتى ولو كان ظاهرها ايجابي. ولذلك فإن صياغة آلية للمبادرة مهمة بقدر أهمية المبادرة نفسها. ولا شك ان توافر المناخ العربي ـ الاقليمي ـ الدولي يساهم في الدفع نحو انتاج آلية تسرع بصياغة الحل الذي عماده انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل الدستورية المتوافق عليها.
سقوط الارهاب في معركة "نهر البارد" إنجاز كبير يشجع اللبنانيين على الخروج من خوفهم وقلقهم، وقد يشجع القوى الاقليمية والدولية على التعاطي مع الأزمة اللبنانية من بوابة هذا الانجاز، خصوصاً انه اسقط خطراً أكبر وهو قيام "امارة اسلامية" خطرها القاتل مفتوح على المنطقة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00