8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

انتصار "نهر البارد" يفرض إعادة ترتيب "البيت" الفلسطيني لقيام علاقات متوازنة وصحية

أصبح للبنانيين جيش، إذا قال فعل وإذا قاتل صمد وانتصر. انتهى زمن لبنان القوي بضعفه. دخل اللبنانيون عصراً جديداً من الصمود والتصدي بجيشه ومقاومته. لم يعد الصمود والتصدي شعاراً ولا لافتة، لتغطية مستنقعات التراجع والتسليم. ولذلك كله، من حق اللبنانيين الاحتفال بكل فرح والاعتزاز بالإنجاز الكبير في مخيم نهر البارد ضدّ الإرهاب. لكن من واجبهم العمل للمحافظة على هذا الانتصار وزرعه ورعايته على مساحة لبنان. فالمحافظة على النصر أصعب بكثير من تحقيق الانتصار.
"خيمة" فلسطين والإسلام
معركة "مخيم نهر البارد" ضد تنظيم "فتح الاسلام"، الذي لا علاقة له بفلسطين والإسلام سوى محاولة تشريع الإرهاب ونشره تحت هذه "الخيمة"، كانت وما زالت معركة لبنانية ـ فلسطينية مشتركة. ولذلك فإن الانتصار الذي تحقق هو "انتصار لبناني ـ فلسطيني مشترك ضدّ الإرهاب". الفلسطينيون أدركوا منذ البداية انهم ليسوا أكثر من رهائن لإرهابيي "فتح الاسلام". والجيش اللبناني أكد باكراً أن معركته هي ضدّ هذا الإرهاب الوافد إلى لبنان، وليست مع الفلسطينيين. لا بل أن وعياً مشتركاً حصل في البدايات بان نجاح "فتح الاسلام"، يعني أن الفلسطينيين هم الذين سيدفعون فوراً ثمن ذلك، قبل اللبنانيين. فإقامة "إمارة" في الشمال اللبناني على مثال "إمارة الانبار" في العراق، تعني وضع الرأسين اللبناني والفلسطيني معاً تحت هذه "المقصلة" التي لا ترحم.
ولا شكّ في أن الشراكة في الانتصار تعني أيضاً الشراكة في الكارثة. وإذا كان على اللبنانيين، دولة ومؤسسات وجيشاً، احتضان ورعاية عشرات عائلات الشهداء ومئات الجرحى وعائلاتهم، فإن أمام الفلسطينيين كارثة حقيقية لا بد من مواجهتها وهي تحول المخيم الذي كان من بين كل المخيمات المنتشرة على مساحة لبنان الأكثر تداخلاً مع محيطه اجتماعياً واقتصادياً. والأصعب أن ثلاثين الفاً من الفلسطينيين الذين فقدوا في هذا الركام، الكثير من "ذاكرتهم" التي تراكمت منذ نزوحهم، عليهم الاستعداد لمواجهة أصعب، وهي عودتهم بسرعة إلى المخيم. هذه العودة محتومة، لأن بقاءهم خارجه تعني أصلاً بداية للتوطين المزعوم. ولا شك في أن مؤتمر الدول المانحة الذي سيعقد بعد أيام، سيكون أمام امتحان صعب، ستتابعه هذه العائلات المشردة التي لا تريد من المخيم سوى أن يكون جسراً لها تعبره يوماً على طريق العودة.
"ربّ ضارة نافعة"
الضرر الناتج عن المعركة كبير جداً كما هو واضح. لكن كما يقول المثل "ربّ ضارة نافعة".
فالمعركة المفاجئة حققت عملية التفافية على مشروع إقامة "الإمارة". ولذلك إذا كان الثمن كبيراً فإن الثمن كان سيكون أكبر لو نجحت "فتح الاسلام" في تنفيذ مخططاتها التي كشفت عنها قيادة الجيش. كما أن هذه المعركة فرزت ثوابت لبنانية ـ فلسطينية، كانت موجودة لكنها لم تكن حاضرة علناً كما هي الآن.
من ثوابت هذه العلاقة، أن "السيادة للبنان" كما قال عباس زكي ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. وهذا الثابت، يزيل "مسماراً" حاول الكثيرون تعليق رفضهم للفلسطينيين وحتى عنصريتهم عليه، بسبب مرحلة سابقة عندما أقامت المنظمات الفلسطينية دولة لها داخل الدولة اللبنانية. ومن الطبيعي انه يمكن البناء كثيراً على هذا الثابت، وخصوصاً ما يتعلق منه بالسلاح الفلسطيني.
وإذا كان مؤتمر الحوار الوطني قد وضع أساساً وطنياً لحل هذه المشكلة، فإن الاعتراف الكامل بالسيادة من جانب القيادة الفلسطينية، يؤدي حكماً إلى التفاهم السريع حول آلية الحل بمجرد الخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان.
والثابت الآخر هو "العدالة للفلسطينيين" المنتشرين في دزينة المخيمات. فقد حان الوقت لفتح "الغيتوات" الفلسطينية على لبنان واللبنانيين والعكس صحيح، والخطوة الأولى لا بد أن تكون اجتماعية واقتصادية ومعيشية، فالفلسطيني المعترف بالسيادة الكاملة للبنان، له الحق بالتكامل وبالتكافل والتضامن مع اللبنانيين في اطار الدستور اللبناني والقوانين الملزمة حقوقاً وواجبات.
وخروج العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية من الاطار الأمني والسياسي، عبر إقامة علاقات شفافة وإيجابية مع المجتمع المدني اللبناني بكل شرائحه ونخبه وقواه السياسية هو الذي يجب أن يكون ثابتاً موازياً لما سبق. وهذه العلاقة متى قامت وتأكدت يعني ان علاقة صحية بين الشعبين العربيين قد ولدت، العلاقة التي طالما تمنى اللبنانيون ان تقوم يوماً مع الأخوة السوريين ولم تقم لأن دمشق اختارت على خلاف شعاراتها الوحدوية، فرض علاقة أمنية وسياسية فوقية، كان مطلب الوحدة العربية أولى ضحاياها.
الإرهاب ثابت جديد
متغير كبير وخطير دخل مع معركة "نهر البارد"، ويجب عدم التفكير والعمل بعيداً عنه، لأنه قد يصبح ثابتاً لسنوات. هذا المتغير هو "الإرهاب". وإذا كان النصر الذي حققه الجيش اللبناني، بتجهيزاته الصغيرة والمحدودة، قد ألحق بالإرهاب في "نهر البارد" هزيمة تاريخية، فإن هذا الارهاب لم ينتهِ، خصوصاً ما كشف عن علاقة بينه وبين "أم" التنظيمات الإرهابية "القاعدة". ومن الآن، فإن مواجهة هذا الإرهاب ومحاربته هي مهمة فلسطينية ـ لبنانية. ولذلك فإن التعاون يجب ان يكون شفافاً وشاملاً ومتفهماً، خصوصاً وأن هذا الإرهاب سيعمل يومياً لخلق الخلافات وحتى النزاعات الأمنية والسياسية والشعبية على الصعيد الفلسطيني ـ اللبناني. ولا شك في انّ على التنظيمات الإسلامية الفلسطينية، وخصوصاً "حركة حماس"، لعب دور أساسي في هذا الجانب، لأنها تستشعر بواطن هذا الخط الملتحف بالعباءة الإسلامية. فالتعاون هنا هو من باب التضامن والتكافل والمصير المشترك وليس خدمة للبنان وأجهزته.
والثابت الذي يجب أن يولد من هذه التجربة الصعبة، هو إعادة ترتيب "البيت الفلسطيني" في لبنان. وهذه المهمة ملحّة للفلسطينيين ومستقبلهم مثلما هي ملحّة لبناء العلاقة الصحية مع لبنان. وهذه العملية يجب أن تحصل على صعيدين:
ـ حركة "فتح" التي هي في حاجة فعلية إلى ترتيب "بيتها" دون الدخول حالياً في الأسباب التي أدت إلى وضعها في "غرفة العناية" حالياً. ويكفي ان مخيم "عين الحلوة" أكبر المخيمات سكاناً اضطر للجوء إلى "عصبة الأنصار" لضمان أمنه، بعد أن كانت "فتح" هي العمود الفقري للوجود المسلح الفلسطيني فيه.
ـ إنهاء الازدواجية القائمة بين منظمة التحرير الفلسطينية والمنظمات التي ما زالت خارج المخيمات وعمادها "حركة حماس". وهذه العملية ملحة جداً لأن مستقبل العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية معلق عليها. فالحوار لا يمكن أن يكون منتجاً بوجود هذه الازدواجية، والحل قد يكون صعباً جداً بوجود الانقسام الحاصل في الداخل الفلسطيني. ولذلك فإنّ بداية هذه العملية يجب أن يكون منطلقها الفصل بين نزاعات الداخل الفلسطيني والساحة اللبنانية تحقيقاً للمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، ولقيام علاقات لبنانية ـ فلسطينية صلبة وبدون "ألغام" قابلة للانفجار بيد خارجية.
هذه المرحلة للعمل والبناء من أجل مستقبل واحد، تكفي الشعبين اللبناني والفلسطيني جراح الماضي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00