انتهت مرحلة تقطيع الوقت في لبنان، بأقل ما يمكن من الحوادث والاختراقات الأمنية. جلسة مجلس النواب غير المكتملة مطلع الأسبوع الجاري، "ولدت برأي باريس دينامية جديدة ومطلوبة للحوار الداخلي، للوصول إلى صيغة حل لانتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق"، وبهذا فإن الوقت لا يضيع الآن.
لبنان أصبح على موعد مع الحل، رغم انه لم يتبلور، المهم أن الحل أصبح على نار حامية داخلية وعربية وإقليمية ودولية.
موعد مع اللحظة الحرجة
اغتيال النائب الشهيد انطوان غانم أشعل الاشارة الحمراء في لحظة مفصلية دولياً، وذلك مع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بمشاركة عشرات الزعماء والرؤساء والمسؤولين من كل انحاء العالم. أمام ذلك أصبح من المستحيل أن يمر "قطار الاجرام" من دون أن يلحظه أحد أو يحاول أي طرف إغماض عينيه امامه، فوقع الإجماع العربي والدولي، في صيغة بيان الرئاسة الذي تولى "النجم الإعلامي" للديبلوماسية الفرنسية والأوروبية الوزير برنار كوشنير قراءته بعدما لعب دوراً مهماً في صياغته.
الآن أصبح برأي باريس، للحوار اللبناني "ديناميته" ومتابعته تجري علناً وسراً لكن دائماً تحت مراقبة العين الساهرة للمجتمع الدولي.
وهذه الرعاية إلى درجة الحضانة الدولية ليست فقط لتعلق آحادي بلبنان. الأمر أصبح أكبر من ذلك بكثير. أمن لبنان واستقراره تحول إلى مسألة مرتبطة "بالأمن الإقليمي واستقراره". "العرقنة" لم تفزع المجتمع الدولي ولا العرب، كما يفزع احتمال سقوط لبنان في الفراغ. مثل هذا الوضع "لا يرغب أحد ان يراه لاهل لبنان ولا للاقليم ولا للمجتمع الدولي". مرة اخرى أصبح من الثوابت، أن "كوكتيل" العرقنة واللبننة خارق وحارق وربما "أبعد بكثير". ولذلك من الأفضل تحصينه عبر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري وبأسرع ما يمكن ضمن المهلة التي بدأت في 25 من الشهر الجاري وتستمر حتى 24 تشرين الثاني، ودائماً "من دون ضغوط خارجية ولا تدخل خارجي".
"محطة" الشهيد
مطلوب الآن وبسرعة تحقيق "الاسترخاء" السياسي والنفسي في لبنان، لإنجاز هذا الاستحقاق. وهذا يتم أولاً وأساساً في وقف "قطار الاغتيالات عند محطة الشهيد انطوان غانم"، على قاعدة واضحة تكاد تكون "خريطة طريق" أعلنها الرئيس نيكولا ساركوزي بنفسه. وتقوم هذه "الخريطة" على ان:
الاغتيالات التي تقع في جهة واحدة لن تحول الأكثرية إلى أقلية.
يجب عدم تعطيل الانتخابات.
باسم العدالة ينبغي أن يترك لبنان ليعيش سيداً حراً وآمناً.
يجب كشف الحقيقة ومحاسبة المجرمين على جرائمهم اينما كانوا.
ان الأقنعة ستسقط.
هذه "الخريطة" الواضحة جداً جرى سندها عربياً بما يتوازى مع الهم العربي وهو "أن إكمال الاستحقاق الانتخابي في لبنان، يساعد على فتح فصل جديد في العلاقات الإقليمية". ومن له عينان واذنان، يعرف جيداً أن كل هذا الكلام وهذه الخريطة موجهان إلى عنوان واحد هو دمشق رغم كل التحفظات الرسمية على توجيه اصابع الاتهام مباشرة لها، سواء لغياب الأدلة الجنائية والجرمية الثابتة حتى الآن أو لرغبة عربية ودولية بضرورة تشجيعها على المساهمة إيجاباً في إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان.
"الجيش القوي"
العمل على انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان يتوازى أيضاً مع جهود دولية وعربية حقيقية "لحماية اللبنانيين وممثليهم أعضاء النواب وخصوصاً من هم أعضاء في قوى 14 آذار المستهدفين من آلة القتل المتحركة". لكن من الواضح أن هذه العملية الكثيرة التعقيد، ليست مهمة في متناول اليد دولياً لأسباب تتعلق أساساً بالتوازنات اللبنانية ـ اللبنانية والعربية والدولية. لذلك من المستبعد إرسال قوة حماية دولية إلى لبنان، خصوصاً وان ذلك سيضيف الزيت إلى النار الكامنة. ولذلك فإن باريس "لا تريد أن يوجه اليها ولا إلى الجتمع الدولي أي طلب بإرسال مثل هذه القوة، سواء لاستحالة ذلك ضمن الظروف الحالية من جهة، ومن جهة أخرى لأن مثل هذا الطلب يعني إعلاناً بفشل العملية الدستورية كلها التي ستضع لبنان أمام المجهول".
أمام هذه "الأحجية" القائمة على استحالة تشكيل قوة دولية وضرورة حماية اللبنانيين والنواب وتحديداً الاعضاء في الأكثرية، فإن الحل المنظور هو كما قاله برنار كوشنير "عائد إلى الجيش اللبناني المنتصر والقوي الآن" في إشارة علنية إلى إنهاء الإرهاب في مخيم نهر البارد.
تطوير الحوار اللبناني ـ اللبناني مهم جداً سواء على الصعيد الثنائي أو بين الكتل والقوى، لأن هذه العملية تشكل "قوة الدفع الحقيقية للتوصل إلى حل لانتخاب رئيس للجمهورية أولاً ثم الانطلاق نحو "تسييج" لبنان الآمن والمستقر عربياً ودولياً.
لكن هذه العملية التي تدعمها باريس بكل قواها، وتتقاطع في ذلك مع الرياض والقاهرة وواشنطن، ليست مفتوحة زمنياً، فالوقت لا يرحم خصوصاً مع الاستحقاقات القائمة والطارئة. والمحطة الأولى لتحديد مدى نجاح هذه العملية سيكون على موعد في الثالث والعشرين من تشرين الأول، حيث ستكون جلسة مجلس النواب المقبلة اختباراً حقيقياً لها.
عناصر عديدة تدفع باريس الى "التفاؤل". وهي سترفع من درجة جاهزيتها وانخراطها لكي ينتج هذا التفاؤل "حلاً سعيداً" للبنان ومعه المجتمع الدولي. لكن باريس ترى أن بعد 23 تشرين الأول موعد الجلسة المقبلة لمجلس النواب يجب، في حال استمرار الجمود وارتفاع درجة الخطر، وضع آلية اخرى لمواجهة الوضع، خصوصاً وان المجتمع الدولي أخذ قراراً لحماية نفسه عبر حماية لبنان. ومن لا يصدق فليختبر صبر هذا المجتمع.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.