8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

انتخاب رئيس للجمهورية يجب أن يتم قبل الأيام العشرة الأخيرة من مهلة الاستحقاق

"من الأفضل للبنان أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية قبل الدخول في مرحلة الأيام العشرة الأخيرة من المهلة الدستورية. الانزلاق نحو هذه الفترة يعني تعريض الاستحقاق الرئاسي للخطر، فالدخول في مفاوضات تحت ضغط الخوف من الفشل يعني الفشل نفسه". هذا ما تراه باريس حالياً، ولذلك تكثف جهودها الديبلوماسية والسياسية كي يتصاعد الدخان الأبيض بأسرع ما يمكن. لا بل إن باريس، ترى أنه كلما وقع الاتفاق بسرعة أبعد ذلك لبنان عن الخط الأحمر للخطر.
"خريطة الطريق"، واضحة جداً أمام باريس حالياً، لبنان هو ملف له الأولوية الكاملة للديبلوماسية الفرنسية، لذلك فإن معظم الاتصالات والتحركات العلنية والسرية تدور حول عنوان واحد هو إخراج لبنان من أزمته. طبعاً للبنان خصوصيته الكبيرة والعميقة في الذاكرة الفرنسية وفي يومياتها الحالية، لكن أيضاً، هذا الاهتمام الشديد بلبنان يعود إلى أن باريس لا تريد أي اهتزاز أمني، لأن ذلك قد يتمدد إلى القوات العاملة في "اليونيفيل"، والقوات الفرنسية إلى جانب الاسبان والايطاليين يشكلون العمود الفقري لهذه القوات التابعة للأمم المتحدة.
إن أي انفجار سياسي أو أمني في لبنان يتجاوز حدود ما عاشه لبنان حتى الآن، يعني وقوع مواجهات مذهبية وطائفية خطيرة على المنطقة كلها، لأنها ستعني أن "العرقنة" قد نجحت في التمدد، وأن نارها لن ترحم. ومن أجل الإسراع في إنجاز هذا الاستحقاق، ترى باريس أن التوصل إلى اتفاق بين قوى 14 آذار و8 آذار مطلوب وملح جداً. ولذلك فإنها تشجع وتدعم الحوار الدائر بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري وتعتبره جدياً يمكن أن ينتج عنه الحل الذي يجب أن يكون البطريرك صفير طرفاً فيه، لأنه من الأفضل للبنان ولمستقبله المحافظة على وضع الطرف المسيحي فيه. ومما يعزّز هذا التفاؤل أن باريس متأكدة من أن بري يتمتع بموافقة حقيقية ومضمونة من حزب الله لمواصلة الحوار والتوصل إلى الحل المنشود.
وتبدو باريس "واقعية جداً" بالنسبة لأي اتفاق حول الانتخابات الرئاسية بين قوى 14 آذار و8 آذار. فباريس ترى أن أي اتفاق يتم التوصل إليه يتطلب "تنازلات" من الطرفين مع التشديد على استمرار باريس دعمها لمطلب السيادة والاستقلال والأمن الذي ترفعه قوى 14 آذار. وهذا الموقف يعني أن الرئيس المقبل للبنان متى تم انتخابه يجب أن يكون مدعوماً من قوى 14 آذار وفي الوقت نفسه مقبولاً من قوى 8 آذار ويبعث على الطمأنينة.
ولأن الأولوية الآن برأي باريس لانتخاب رئيس للجمهورية، فإن مسألة الدخول في نقاش حول النهج والبرنامج السياسي للرئيس المقبل، تعني الدخول في مفاوضات ومماحكات حول النقطة والفاصلة في وقت لم يعد فيه الوقت مفتوحاً لمثل ذلك.
كما أن الاتفاق على اسم الرئيس المقبل من الطرفين يعني ضمناً توافقاً على السياسة المقبلة للبنان، ومما يشجع باريس على هذا الموقف أن الرئيس المقبل لن يكون رئيساً يحل الأزمة، وإنما رئيساً يدير الأزمة السياسية ويعمل على إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية الخانقة.
هذه الواقعية الشديدة، من طرف باريس تعود إلى إدراكها أن الأزمة اللبنانية ليست منفصلة عن الأزمة الإقليمية، وأن كل ما يجري حالياً من مدّ وجزر لهذه الأزمة، يطال لبنان حكماً. ومن الطبيعي أنه في ظل القلق الشديد من انفجار عسكري بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، أن تزداد المطالبة الفرنسية والأوروبية للبنانيين بالإسراع في التوصل إلى اتفاق.
هذا الاهتمام الفرنسي بلبنان يجد صداه العميق في أوروبا. وليس أمراً عادياً أن يجتمع ثلاثة وزراء خارجية هم: الفرنسي برنار كوشنير والاسباني انخيل موراتينوس والايطالي ماسيمو داليما لبحث مسألة واحدة هي لبنان وسوريا.
ويبدو في هذا الإطار أن الوزير الاسباني موراتينوس المتحمس للحوار مع دمشق على أساس تقديم مزيد من التشجيعات والتقديمات لدمشق لكي تنخرط أكثر بكثير في مسار الحل للأزمة اللبنانية. لكن وكما أكدت باريس، فإن الوزيرين الايطالي والفرنسي لم يوافقا على تقويض زميلهما موراتينوس، وبذلك فإن جهوده ووساطته مع دمشق ستبقى اسبانية ولن تكون أوروبية.
وتعمل باريس على مختلف الخطوط التي تتقاطع في لبنان، لتسهيل الحل، وهي إذا كانت قد انقطعت مع دمشق ولم تتواصل معها كما كان مقرراً حتى اغتيال النائب انطوان غانم فإنما لأن الاشياء تنطق بنفسها، والملاحظ هنا أن الناطقة الرسمية لوزارة الخارجية الفرنسية، باسكال اندرياني عمدت إلى حذف هذه الإجابة العلنية من التقرير الرسمي حتى لا يشكل ذلك نوعاً من صب الزيت على النار.
أما بالنسبة لطهران، فإن الاتصالات معها مستمرة وإيجابية لأن الإيرانيين يريدون فعلاً حل الأزمة اللبنانية، ذلك أن بقاء لبنان أمام طريق مسدود سيؤدي إلى انفجار للأزمة نتائجه سيئة على مستقبل "حزب الله"، إلى جانب ذلك فإنها لا تريد تشتيت انتباهها ولا تركيزها على أزمتها الأولى والأساسية وهي الملف النووي والعلاقات مع الغرب وخصوصاً واشنطن.
أما واشنطن فإن الحسابات مختلفة، فإذا كانت باريس متفقة معها على وجوب الحل، فإن واشنطن تفضل ألا يكون ذلك على حساب قوى 14 آذار ولو بنسبة مئوية محدودة. ذلك أن واشنطن ترى لبنان وتتعامل مع أزمته من خلال "سلة" متكاملة لمختلف أزمات منطقة الشرق الأوسط.
الاتفاق تام بين العواصم الأوروبية المعنية بلبنان وخصوصاً باريس أن الأجواء الحالية مشجعة جداً وأن هناك مزيداً من الإشارات الإيجابية لحصول الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية.
وأنه متى جرى تفكيك هذه العقدة ـ اللغم فإنه يمكن بعد ذلك الانطلاق في مسار آخر لتعميق الحل وتصليبه، لأنه يجب عدم وضع "العربة أمام الحصان".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00