ليس من المؤكد ان المؤتمر الدولي سيُعقد، وإذا عُقد فإنه قد لا يُعقد في موعده، ويؤجّل إلى أواسط الشهر الأخير من هذا العام من جهة، ومن جهة أخرى وهي الأهم لن ينتج عنه نتائج إيجابية ومنتجة يمكن فعلاً البناء عليها في هذه الفترة المحدودة جداً والتي لا تتجاوز ستة أشهر ولقضية معقدة مثل قضية النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي دون الحديث عن النزاع العربي ـ الإسرائيلي أصلاً.
باريس نعم للمؤتمر
هكذا ترى باريس صورة الوضع، ومع ذلك فإنها راغبة جداً لانعقاده، لعل الحوار المباشر وبحضور هذا العدد الكبير من المشاركين وهو 36 دولة ومنظمة، يفتح كوّة في الطريق المسدود القائم حالياً. كذلك من المهم جداً أن يلمس كل طرف من الأطراف المغيّبة حقيقة وطبيعة تضاريس الحالة الدولية، لأن في مثل هذه المعرفة تكمن قراءة أكثر واقعية وبالتالي قرارات مدروسة أكثر.
كوندوليزا رايس، متحمّسة جداً لانعقاد المؤتمر ولإنجاحه. وهي تبذل جهوداً متوالية ومباشرة، ولا تتوانى عن القيام بجولات مكوكية إلى المنطقة. فالوزيرة التي تمثل "الحمائم" في إدارة الرئيس جورج بوش تريد استثمار التراجع المتوالي والمتزامن مع اقتراب الموعد المقترح للمؤتمر "للصقور" بزعامة ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي. وترى رايس حسب بعض الذين التقوها أو يتابعونها عن كثب ان الإدارة الأميركية التي تعيش على وقع الانزلاق اليومي المستمر للحرب في العراق في ظل تقاطع مرعب لهذه الإدارة الجمهورية مع استحقاق الانتخابات الرئاسية، تريد تحقيق ولو نجاح أي نجاح فكيف إذا كان يتناول عقدة عقد النزاعات في منطقة الشرق الأوسط وهو النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
في هذا الاطار، تبدو رايس صادقة جداً في نواياها، لكن لا تكفي النوايا الطيبة لإنتاج حلول أو حتى "خريطة طريق" واضحة وقابلة للتنفيذ. وما يزيد من درجة الوصول أمام حائط مسدود عدم اتفاق الإدارة الأميركية على مثل هذا المسار. ذلك ان تشيني يرى انه لا يمكن فصل النزاعات والملفات في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي لا يمكن تناول النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على حدة ومعالجته وحده على قاعدة تحويله إلى مركز يتم الانطلاق منه إلى باقي القضايا.
ومما يزيد من عمق الانقسام وحدّته، ان تشيني لا يريد حالياً الانشغال بهذا الملف بعيداً عن الملف النووي الايراني. فهو يرى أولويته على باقي الملفات، وان الكلام عن ان كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة بما فيه الخيار العسكري حقيقي، واستكمالاً لكل ذلك فإنه يجب التركيز على الملف النووي الايراني لاستنفاد كل الامكانات والاحتمالات بما فيها التلويح بالحرب وأيضاً بالحل السلمي على مثال الحل الكوري الشمالي.
أين جدول الأعمال؟
لا يقتصر الجدل والمنافسة داخل الإدارة الأميركية حول أولوية الملفات، بل يمتد ذلك إلى طبيعة المسار الذي تعمل كونداليزا رايس على اجتيازه للوصول إلى الاستحقاق الذي تطمح إليه. ومن ذلك ان الانتقادات الموجّهة إليها والتي تستند إلى تجربة انعقاد مؤتمر مدريد ان الفرق شاسع بين المسارين، ولذلك فإنّ ترجمته في نجاح مثمر ومنتج لا يبدو في الافق، ومن ذلك ان دنيس روس قام بثماني جولات مكوكية في المنطقة متصلة بعضها ببعض وان رسالة دعوة نتجت عنها للمشاركين من الأطراف المدعوّة تضمنت السبب لدعوته، واطار التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتشكيل الوفد الفلسطيني ـ الاردني المشترك.
أما الآن مع رايس فإنّ هذه الديبلوماسية المكثّفة غير موجودة كما ينقل عن المعترضين في واشنطن، ولذلك فإنّه لن يكون أكثر من اجتماع دولي يستهدف التمهيد أو الإعداد للمفاوضات، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون له جدول أعمال مسبق وأن يقع الاتفاق على أمور إجرائية ومجموعة خطوات محددة للمتابعة، وباختصار شديد لن يكون أكثر من "خطوة رمزية".
الخلافات المتداخلة
عدوى التباينات والخلافات حول المؤتمر موجودة أصلاً لدى الأطراف المعنية. إذ تبدو دمشق غير مستعجلة ولا متحمّسة للمشاركة فيه. ولذلك على الطرف المعني أصلاً بالمؤتمر أن يلحّ عليها بالمشاركة عبر اتصال مباشر وهذا غير موجود حالياً وحتى غير مضمون قبل المؤتمر في ظل الأزمة اللبنانية، التي تريد واشنطن المساهمة السورية الإيجابية في حلها، كما انّ دمشق غير المستعجلة لأنها أصلاً تراهن على استنزاف الوقت بالوقت لأنها تعد نفسها بنهاية سيئة أكثر للرئيس جورج بوش وإدارته ومن ثم الحزب الجمهوري في وحول العراق، تريد مناقشة قضيتها وهي الجولان وتحريرها وهو حق مشروع لها وواجب من المفترض الانتفاض عنه خصوصاً على طاولة المفاوضات.
أما الفلسطينيون الممزقون حالياً بين حركتي "حماس" و"فتح" وداخل غزة فإنّ مشكلتهم أكثر تعقيداً. وإذا كان الرئيس محمود عباس يأمل بالتوصل إلى "وثيقة" تتناول القضايا الأساسية مثل اللاجئين وحق العودة والقدس والحدود مع جدول زمني للتنفيذ حتى لا تستمر المفاوضات إلى الأبد، وهو هنا الأخبر بطريقة التفاوض الإسرائيلية لأنه هو مَن فاوض في اوسلو وبعدها، وأخيراً وهو الأهم وضع آلية للتنفيذ، تؤكد على جدّية الانتقال من الورق إلى الأرض.
طبعاً "حماس" ليست متحمّسة للمؤتمر لأنه يخالف طروحاتها ولأنه أيضاً برأيها يقوّي أبو مازن عليها في وقت يجب أن يضعف فيه في المواجهة، ولذلك من الأفضل ألا ينعقد المؤتمر الآن ولا غداً، وحتى تغيّر موازين القوى وتوازنها نهائياً، وهذا يعني ترك ما للزمن للزمن لحله.
بدورها فإنّ إسرائيل لا تريد من هذا الاجتماع أكثر من تظاهرة دولية ضخمة تفتح لها بوابة التطبيع مع العرب إذا أمكن، أما مسألة البحث حول القضايا الأساسية مثل الحدود والقدس والعودة فإنه من السابق لأوانه البحث فيها لأسباب كثيرة منها ما يعني التوازنات الداخلية ومواعيد الاستحقاقات الكثيرة على خلفية نتائج حرب تموز 2006.
من مصلحة لبنان انعقاد هذا المؤتمر حتى ولو جاءت نتيجته رمزية، لأن عدم انعقاده يعني مزيداً من الضغوط عليه ومن بوابته على باقي الملفات، والمراهنة على الوقت من الآخرين يعني مزيداً من دفعه نحو التصعيد بدلاً من التهدئة. وربما وهو ما تأمله باريس أن يقع اتفاق ما خصوصاً وأن وجهة البوصلة تؤشر عربياً واقليمياً ودولياً نحو العمل على فصل ملف الأزمة في لبنان عن باقي الملفات طريقاً للحل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.