هل صحيح ان الرئيس بشار الأسد حمّل "أصدقاءه" الأتراك خلال زيارته لأنقرة ومباحثاتها فيها، "رسالة" إلى الإدارة الأميركية في واشنطن، "بأنه يؤيّد توصّل اللبنانيين لانتخاب رئيس توافقي للجمهورية"؟
حتى ولو كانت "الرسالة" التي أجمعت المصادر التركية والسورية على حصولها، قد وقعت، فإن الجديد فيها لا يكاد يوازي شيئاً مع استمرار رفض دمشق حصول هذا الاستحقاق حتى ولو سقط لبنان في الفراغ ومنه إلى هاوية الفوضى والحرب الأهلية، فقد اعتادت على استثمار الخراب طريقاً لها للعودة إلى لبنان والتحكم بكل مفاصله من الرئاسة إلى المخترة.
دمشق لرئيس توافقي
الجديد في مثل هذه "الرسالة"، ان الرئيس الأسد قبل أخيراً حصول هذه الانتخابات في موعدها الدستوري كما تصرّ واشنطن ومعها المجتمع الدولي، وإلا لا معنى لمثل هذا الالتزام إذا كان خارج هذا الموعد. ويجب هنا الاعتراف بهدوء ان تحولاً ما قد حصل في موقف دمشق، لا يمكن أبداً استبعاد "الصداقة" التركية القوية والمقتدرة على فرضه.
القديم في هذه "الرسالة"، الإصرار على "التوافق" ورئيس "توافقي". لأن في هذا الشرط يكمن "مسمار جحا الدمشقي". ذلك ان مَن يساهم ويمنع هذا التوافق حتى الآن معروف من الجميع، وهو دمشق، لأن دمشق تمسك بمفاصل أساسية من المعارضة التي تعطل انعقاد مجلس النواب بحجّة تطبيق الدستور الملزم بانعقاد جلسة المجلس بأغلبية الثلثين، ولذلك فإن انتزاع "مسمار جحا" يبقى الحل المنشود للحل المطلوب وهو انتخاب رئيس للجمهورية.
طبعاً لا أحد يقول بأن على المعارضة أن تسير في ركاب الأغلبية، لأن في ذلك إلغاء مباشراً لها وهذا غير مطلوب ولا مقبول، مثلما ان تجميد الحياة التشريعية ومن ثم الدستورية على طريق قلب الأغلبية إلى أقلية، مرفوض جملة وتفصيلاً. للمعارضة موقعها ونصيبها في النظام اللبناني في ظلال اتفاق الطائف، وللأغلبية حقوقها وشروطها في النظام نفسه.
دمشق أضافت شرطاً، وقاله الرئيس بشار الأسد وهو ان "يكون الرئيس المقبل للبنان على علاقة مع سوريا". وهذا الشرط هو من نوع لزوم ما لا يلزم، لأن استمرار العلاقات المتوترة هو الاستثناء بين بيروت ودمشق، والعكس صحيح. المشكلة حالياً وبعد هذه السنوات الثلاث التي تلت "زلزال" اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن ثم الخروج العسكري والأمني السوري من لبنان، أن تقول دمشق ماذا تفهم برئيس له علاقة بها؟ هل يجب أن يكون على مثال الرئيس اميل لحود، وهذا من سابع المستحيلات، إلا إذا وقعت يوماً كارثة عودة الجيش السوري إلى لبنان بدلاً من الجولان. أم أن يكون الرئيس المقبل للبنان رئيساً من لبنان للبنان، يأخذ بعين الاعتبار خصوصية العلاقات الأخوية السورية ـ اللبنانية، ليعطيها ما تستحق ـ وحبّة مسك كما يقال شعبياً ـ ويأخذ منها لبنان أيضاً ما يستحق ونقطة على السطر، لتعود بذلك الأخوة السورية ـ اللبنانية كما يجب أن تكون ودائماً على قاعدة ذهبية أصبحت معروفة جداً شعب واحد في دولتين تحترم كل واحدة سيادة وأمن الأخرى".
"العلامة اللاغية"
لو كان الأمر بهذه البساطة، لما وضعت دمشق "علامة لاغية" على معظم الأسماء المرشحة للرئاسة، وخصوصاً من قوى 14 آذار. إذ ان مرشحاً مثل نسيب لحود يكاد يكون "كامل الأوصاف" لترؤس جمهورية تستحق ويجب أن تستعيد صحتها السياسية والأمنية والاقتصادية. لكن المشكلة ان دمشق لا تريد ذلك، لأنها تغطي دائماً "غابة" أسبابها الحقيقية والموجبة "بشجرة" مواقف قوى الرابع عشر من آذار منها ليت إسرائيل تكون هي التي قتلت كل شهداء "ثورة الأرز" ولو كانت هي المجرمة وهي اعتادت على الاجرام، لماذا قلق دمشق من إنشاء المحكمة؟ الواقع يشير إلى ان دمشق تريد "اعدام" المحكمة الدولية على "منصة" انتخاب رئيس الجمهورية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وعلناً أو سراً. ولذا فإن دمشق التي حاربت بكل قواها مباشرة أو عبر حلفائها ورجالها إنشاء المحكمة وجدت نفسها أمام واقع فرضه المجتمع الدولي لا يمكن إلغاؤه، خصوصاً وأنه يشكل بداية عصر جديد. ولذلك يجب التحضير للتعامل معه، ولذلك فإن دمشق العاجزة عن نسف المحكمة تريد أن تتحوّل مستقبلاً إلى "محكمة بلا محاكمة"، أو وهو الأفضل أن تستمر عملية استكمال إنشاء المحكمة على "نار هادئة" حتى تاريخ واشعار آخر تكون قد تبدلت فيه الأحوال.
رئيس الجمهورية المقبل يجب أن تكون له علاقات بدمشق لكن على قاعدة لبنانية مئة بالمئة. وأول مستحقات هذه القاعدة، الالتزام بمتابعة إنشاء المحكمة حتى اكتمالها والبدء بأعمالها، لأن في ذلك ضمانة للبنان الجديد. وبدون الدخول في تفاصيل قانونية كثيرة وبعضها معقد ومتشابك، فإن أي رئيس للجمهورية غير ملتزم "بثورة الأرز" يمكنه أن يعرقل استكمال إنشاء المحمكة وبالتالي تنفيذ إرادة دمشق تحت لافتة العلاقات الطبيعية والطيبة بينها وبين لبنان. والمعروف ان جزءاً أساسياً من نجاح الاجراءات القانونية الضرورية لإنشاء المحكمة يكمن في تعاون رئيس الجمهورية المقبل. ذلك ان أي رئيس للجمهورية غير ملتزم مئة في المئة المحكمة، يمكنه وبمعاونة مجموعته:
القيام بتفسير إعاقي لبنود الدستور اللبناني سواء المتعلقة منها بصلاحيات القضاء اللبناني أو وجود مواد قانونية على تضاد مع مواد من القانون الملزم للمحكمة الدولية.
عدم المشاركة في تمويل المحكمة الدولية، وهذا يمكن أن يتم تحت ألف سبب وسبب ومنها العجز الكبير في ميزانية الدولة.
الوقوف في وجه فريق المحققين الدوليين وعرقلة نشاطاتهم الضرورية والملحة سواء لاستكمال التحقيقات أو لمدّ المحكمة الدولية بما تطلبه منهم على صعيد المتهمين أو الشهود.
هذا السبب هو جوهري وضروري لانتخاب رئيس يلتزم "ثورة الأرز"، والباقي يمكن التفاهم عليه على قاعدة الاستقلال والسيادة والامن، فلبنان واللبنانيون يعرفون أكثر من كل العالم ان استقرارهم السياسي والأمني والاقتصادي مرتبط بشكل أو بآخر بموقف دمشق منهم، وانها كما ساهمت في تعطيل حياتهم طوال السنوات الثلاث الماضية، قادرة على تعطيلها إلى الأبد، لأن دمشق قادرة على بيع الخوف للجميع من قوى اقليمية ودولية حتى اشعار آخر.
بعض الضعفاء أو الملتزمين بدمشق وينبضون على وقع مسارها وليس على وقع محاولة وطنهم الابتعاد عن حافة الفراغ والفوضى، يرددون أليس لبنان ومستقبله أهم من أي شيء؟ لماذا لا يتخلى عن المحكمة فيسلم لبنان وتعود علاقاته طيبة بدمشق. الأمر ليس صعباً، ألم يفعل ذلك وليد جنبلاط بعد اغتيال والده الكبير لبنانياً وعربياً ودولياً كمال جنبلاط؟
الجواب أصبح بديهياً جداً، قيام لبنان من تحت الرماد وإنشاء المحكمة أصبحا مسارين في مسار واحد، وأي انفصال بينهما يعني حكماً عودة "جمهورية الخوف" إلى الحياة. في حين ما يطلبه اللبنانيون على مختلف ألوانهم والتزاماتهم لبنان المستقل الذي لا يخاف لأنه لم تعد توجد جريمة بلا عقاب وليس أجمل من أن يعيش لبناني واحد في جمهورية يخاف فيها المجرم كائناً من كان من العقاب، بدلاً من العيش في دولة الأمن فيها يأتي من عنجر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.