8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن صعّدت ضد "الحرس الثوري" لأنها تريد إسقاط النظام واستعادة ايران

العقوبات الأميركية الجديدة ضد ايران لا تقتل، لكنها "رسالة" قوية جداً، تم توقيتها بعناية شديدة. العنوان الرئيسي والكبير "للرسالة"، أن الولايات المتحدة الأميركية على "سلاحها"، تراقب عن قرب كل حركة، وتتابع عن كثب كل همسة، وتلاحق بإصرار كل قرار ايراني. لا يمكن لطهران، الاستخفاف بالقرار الأميركي الجديد، حتى ولو تعمّدت علناً وإعلامياً الظهور بمظهر المستخف بنتائجه والتشديد بأنه لا يعنيها، لأنه لن يوقف "محدلة" سياستها النووية ولا "قطار" التغيير داخل النظام.
"الحرس" محور المواجهة
الواضح حتى الآن، ان هذا القرار استثنائي جداً، من حيث نوعيته وطبيعته، خصوصاً وانه صادر عن واشنطن ضد طهران، وأن هذا القرار فريد من نوعه، لأنه موجه ضد جيش وليس الدولة كلها، "فالحرس الثوري" يبقى القوة العسكرية النظامية في البلاد الى جانب الجيش القديم. ويبدو أن واشنطن، لا تريد الانزلاق نحو احتمالين خطيرين هما:
* أولاً: الظهور بمظهر المعادي للشعب الايراني من خلال عقوبات جماعية، لأن واشنطن ما زالت تعتقد بوجود نوع من التعاطف الشعبي الايراني القديم معها، ومع تغيير النظام.
* ثانياً، عدم القفز فوق المراحل أي من العقوبات المحدودة الى الحرب. لأنها بمثل هذه العملية ستضطر للذهاب الى أتون جديد وحدها ومن دون غطاء دولي أو على الأقل من حلفائها الأوروبيين بعيداً عن الموقف المعارض الروسي والصيني. ولذلك من الأفضل كسب الموقف الدولي خطوة خطوة وعبر اظهار طهران بالدولة الخارجة أو المارقة على ارادة المجتمع الدولي.
المشكلة الحقيقية لواشنطن انها تريد اسقاط النظام الايراني، وفي الوقت نفسه كسب ايران واستعادتها الى جانبها حليفة قوية في منطقة يكثر فيها الضعفاء المستندون الى نزاعات معقدة وخطيرة. نتيجة لهذا الهدف الصعب، لم تنتظر واشنطن معرفة وجهة رياح التغيير الذي حصل في طهران وأدى الى استقالة علي لاريجاني من الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي وملف التفاوض النووي.
واشنطن أرادت قرع الجرس في وجه القيادة الايرانية، بأن صبرها بدأ ينفد ليس فقط من السياسة النووية الايرانية، وانما أيضاً السياسة الايرانية المتحركة ضدها على طول "قوس" الأزمات من العراق الى أفغانستان. وكدليل على نفاد صبرها، اختارت السير في قرار آحادي، بصرف النظر عن نتيجة لقاء خافيير سولانا مع لاريجاني وخليفته جليلي.
سياسة أميركية احادية
خطورة مثل هذه السياسة انها طالما هي احادية فإنها لن تكون مؤثرة الى درجة توقف المسار الايراني المزدوج وهما الملف النووي والتغيير نحو مزيد من التشدد في مواقع القرار في داخل النظام. فالتشدد يولّد التشدد، وهو عملية تبادلية، يحتج كل طرف بتشدد الآخر في حين ان ما يحصل هو سياسة متكاملة تستثمر كل المتغيرات وحتى الضربات الصغيرة.
قبول استقالة علي لاريجاني من المرشد آية الله علي خامنئي تأخرت عدة اشهر عملياً. فالخلافات بين الرئيس أحمدي نجاد ولاريجاني اصبحت في الفترة الأخيرة علنية. وللتذكير، فإن نجاد تولى تكذيب مقابلة لاريجاني لصحيفة "الفيغارو" الفرنسية، والتي تحدث فيها، عن امكانية التفاوض حول نزع سلاح "حزب الله"، وهو ما لم يحصل من قبل في طهران على كافة المستويات في حين ان لاريجاني اكتفى بالصمت الذي يؤكد صحة المقابلة ضمناً. كما ان نجاد اتهم مراراً لاريجاني بأنه مدّ صلاحياته الى قطاع السياسة الخارجية للجمهورية بحيث أصبح متكي وزير الخارجية نائباً أو منفذاً لتوجهاته. ولا شك ان متكي سيترك وزارة الخارجية خلال الأسابيع القليلة المقبلة لقبوله بالانسحاب لمصلحة لاريجاني، وأن عدم قبول استقالته كان لتخفيف صدى استقالة لاريجاني، بحيث يصبح كل ذلك وكأنه انقلاب أبيض داخل النظام.
سواء استقال متّكي اليوم أو غداً، فإن ذلك لا يعني اكثر من توضيح صورة التغيير الحاصل في ايران. والواقع ان صعود أحمدي نجاد السياسي الذي استخف الكثيرون ببداياته، يتأكد يوماً بعد يوم، لأنه يمثل قوة صاعدة في النظام يبدو أنها لم تعد مهتمة كثيراً في اخفاء طموحاتها وإراداتها. الحرس الثوري والأمن هما العمود الفقري لهذه القوة، التي تعمل يومياً ومنذ سنوات على الإمساك بمفاتيح السلطة والسيطرة على مراكز القرار. ويمكن في هذا الإطار رسم صورة تبسيطية لما حصل ويحصل على صعيد تركيبة النظام نفسه.
من الدين إلى العسكر
بدايات النظام التي كانت مع الإمام الخميني، كانت دينية (المؤسسة الدينية بقيادة فقيه يملك شرعيات التاريخ والممارسة والعلم) سياسية تعتمد على مروحة واسعة تمتد من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
وخلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، استقوى الحرس الثوري والأمن الذي منع الاختراقات الأمنية، فانضم إلى دوائر القرار. وبعد الحرب، فان المؤسسة الدينية بقيت في المقدمة مع آية الله خامنئي وباقي العلماء و"المناضلين" من رجال الدين. وحصل تزاحم غير علني بين السياسيين والحرس والأمن اللذين اعتمدا التمدد داخل الجسم الاقتصادي والإمساك بالمؤسسات الاقتصادية الأساسية للبلاد. ومع تراجع المعتدلين الإصلاحيين فان "الحرس" والأمن أمسكا بسهولة ويسر بمعظم المؤسسات بما فيها مجلس الشورى، ومن ثم الوزارات مع انتخاب أحمدي نجاد. وبذلك فان "العسكر" إذا صح التعبير، صعدوا درجة اضافية ليصبحوا شركاء للمؤسسة الدينية التي ضعفت شيئاً فشيئاً مع غياب معظم العلماء ورجال الدين المؤثرين.
ويبدو أن قلق "العسكر" من استعادة الإصلاحيين المتحالفين مع المحافظين المعتدلين (الشيخ هاشمي رفسنجاني ومهدي كروبي)، والذي يمكن أن يترجم ذلك الصعود في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، دفعهم للتصعيد وقضم مواقع السلطة بسرعة لمصلحة ممثلهم أحمدي نجاد، ليصبح النظام شراكة بين آية الله خامنئي والعسكر وليتراجع السياسيون خطوات إلى الوراء. والسؤال الأساسي ماذا سيحصل بعد المرشد خامنئي، مع كل ضعف المؤسسة الدينية في تعبئة الفراغ على صعيد القمة؟ هل سيصبح النظام عسكرياً تحت عباءة ولاية الفقيه، أم أن السيد خامنئي باستطاعته مع توجهات الناخبين القادرين على إحداث تسونامي سياسي، إعادة التوازن إلى داخل النظام؟.
واشنطن، تعتقد أنها تساهم بهذه العقوبات في وقف "محدلة" "الحرس الثوري"، ولذلك حولته إلى هدف مركزي لها. المشكلة الكبيرة في ذلك، وقد حصل ما يشبهها من قبل في دول عديدة، أن "الحرس" سيشدّد قبضته بحجة مواجهة التدخل الأميركي. كما أن أي حرب ستضعف إيران، وربما ستسحبها من نادي القوى الإقليمية لعقود، نتيجة لتدمير بناها التحتية، مما يعني أيضاً خسارة أي توجه شعبي للتغيير تحت بند مواجهة خطر الدمار الشامل.
يبقى السؤال الواقعي جداً: أين سترد طهران على هذا القرار الأميركي، وكيف؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00