ماذا حصل فعلاً ليلة السادس من أيلول في منطقة "التل الأبيض" على الحدود السورية ـ التركية؟
هل قصفت الطائرات الإسرائيلية أولاً أم انها حلقت وعادت بدون ان تقصف؟
وماذا قصفت؟ مشروعاً نووياً قيد الإنشاء مع الكوريين الشماليين والإيرانيين، أم انها قصفت موقعاً عسكرياً سورياً سرياً قيد الإنشاء أيضاً وما هو؟ أم أن المسألة لم تتعدَ تحليقاً استطلاعياً للطائرات الإسرائيلية لتحقيق هدفين في وقت واحد:
الأول: توجيه "رسالة" قوية وميدانية قاسية لدمشق بأن لا أسرار تعصّى على تل أبيب، وأن التوازن الاستراتيجي بينهما مستحيل.
الثاني: العمل على تحديد خط طيران جديد تمهيداً لغارات إسرائيلية على إيران بعد رفض المملكة العربية السعودية استخدام أجوائها لأي عمل عسكري ضد إيران؟
الرد السوري؟
أيضاً، ماذا كان الرد السوري في "الوقت المناسب" على الاختراق الجوي الذي تم حصره برمي الطائرات الإسرائيلية لخزاناتها بعد مجابهتها بالمضادات الجوية. وكانت المشكلة أن هذه الخزانات سقطت في الأراضي التركية وليس السورية، وتطلب الأمر اعتذاراً إسرائيلياً لتركيا عن هذا العمل، خصوصاً وأن تركيا لم تسمح باستخدام أجوائها للطيران الإسرائيلي؟
ليس هناك جواب واحد عن هذه الأسئلة الكثيرة، بل لكل سؤال تقريباً اجابة. ولذلك تعددت الاجابات بتعدد الأطراف المعنية. "المستقبل"، تضع الاجابات كلها أسود على أبيض، وبعضها يكشف لأول مرة من مصادر مطلعة جداً.
من المهم جداً الإشارة إلى أن دمشق هي التي سارعت للكشف عن عملية الطيران الإسرائيلية على غير عادتها، وأن إسرائيل هي التي التزمت الصمت على غير عادتها، إلى درجة انه بعد مضي أكثر من خمسين يوماً على الغارة، لم يصدر شيء رسمي عن تل أبيب، ولا حتى تفصيل صغير للغارة. كل التسريبات الإسرائيلية غير رسمية، وهي تتمحور حول قصف موقع نووي قيد الإنشاء سراً بمساعدة كوريا الشمالية.
إلى جانب ذلك، بعض التعليقات والتحليلات الصحافية في الصحف الإسرائيلية والأميركية حول "الموقع النووي" المزعوم وكون ما جرى "رسالة بالنار" إلى دمشق بان القادم أعظم إذا حاولت متابعة نشاطاتها النووية، وأيضاً إلى طهران في الوقت نفسه بأن الطيران الإسرائيلي والأميركي معاً، يمهلان ولا يهملان.
ماذا بعد عن المعلومات حول الغارة الإسرائيلية؟ مصادر مطلعة وقريبة من دمشق، سربت قبل أيام بأن الغارة الإسرائيلية على الموقع السوري الذي لا يمكن انكار وجوده، خصوصاً وأنه أزيل بسرعة قياسية عن وجه الأرض حسب صور الأقمار الصناعية، استهدفت مخزناً سرياً للصواريخ المتوسطة وأن الغارة الإسرائيلية أصابت المخزن بقنابل قادرة على خرق عشرات الأمتار. ولذلك حصل الانفجار في باطن الأرض، ولم تحصل "حفلة مفرقعات نارية تغطي المنطقة وتكشف الحقيقة".
اين الرادارات الحديثة؟
ما لم ينشر من هذه التسريبات، في غارة مثل هذه، من الطبيعي أن العديد من الضباط والجنود السوريين والخبراء في تخزين الصواريخ قد قتلوا في الغارة. والسؤال هل كان بين هؤلاء الخبراء إيرانيون وكوريون شماليون أم لا؟
المشكلة ليست فقط في تدمير المخزن من الجو. المشكلة ـ المأساة، ان دمشق التي تقول انها تعمل بناء على استخلاصات دروس حرب تموز في لبنان، أعادت بناء الجيش السوري لاحداث توازن استراتيجي بين سلاح الطيران الإسرائيلي المدمر وسلاح الصواريخ السوري المؤذي جداً، قد وقعت في اخطاء قاتلة تؤكد أن وادياً عميقاً يقع بين ضفتي طموحاتها من جهة والواقع من جهة اخرى.
ما لم ينشر في هذه "الرواية"، أن السلطات السورية لم تعرف بالغارة إلا بعد ثلاث ساعات وأن إسرائيل نجحت في اختراق الأمن السوري، حين تمكنت من تحديد هذا الموقع السري جداً، وانها أيضاً ـ كما نشر ـ نجحت في اسدال ستارة تشويش الكترونية اصابت الرادارات السورية بالعمى، ورغم حداثة هذه الشبكة التي بنتها لها موسكو. والأكثر خطراً والماً في كل ذلك ودائماً حسب هذه الرواية، أن معظم القيادة السورية المدنية والعسكرية كانت تشارك ضابطين كبيرين ـ أحدهما العقيد جامع جامع ـ في حفل زواج ابنه الطبيب الذي درس حتى العام الماضي في بيروت من ابنة لواء.
موقع سري للقيادة
ماذا تقول دمشق سراً بعدما كشفت علناً أن الغارة فشلت لأن المضادات الجوية تصدت للطائرات الاسرائيلية وأجبرتها على رمي قنابلها بعيداً عن أي موقع وخزاناتها في الأرض التركية؟ وأن لا مفاعل نووياً قيد الانشاء ولا شيء من ذلك؟
تعترف مصادر مطلعة حليفة لدمشق، أن الموقع السوري، هو مقر قيادة وتحكم، كان يتم بناؤه بسرية كبيرة، ولم يكتمل هذا البناء حتى الغارة. وان هذا الموقع ضروري جداً، في حال حصول حرب مع اسرائيل حيث ينتقل إليه الرئيس بشار الأسد وغيره من القيادات العسكرية لإدارة الحرب، علماً أنه من الطبيعي جداً والضروري أن يكون قد تم بناء أكثر من موقع بهذه المواصفات. لكن أهمية الموقع الذي أصيب بالغارة وجرت إزالته نهائياً بعد الغارة، أنه على حدود دولة صديقة جداً هي تركيا، تحاذر اسرائيل الدخول في نزاع معها ما يؤكد ذلك أن اسرائيل اعتذرت لها ولو متأخرة وهو عادة ما لا تفعله مع دول أخرى، حتى مع حليفتها الولايات المتحدة الأميركية. والسؤال كيف نجحت اسرائيل في اكتشاف الموقع وهو سري جداً؟ بمعنى آخر ما هي أبعاد هذا الخرق الأمني الخطير لسوريا؟
دمشق ترد أيضاً على هذه المعلومة، بحيث لا تنفيها لكن تتحقق من وقعها ووقع العمى الراداري الذي أصابها. فتقول: "ان اسرائيل لم تنجح مطلقاً في التشويش على شبكاتها الرادارية الحديثة. بالعكس فإن الرد السوري على "الرسالة" الاسرائيلية كان مباشراً وسريعاً. فقد قام سلاح الدفاع الجوي السوري وخصوصاً الالكتروني منه بالتشويش على الرادارات الاسرائيلية وإصابتها بمشاكل مباشرة أدت الى رفع درجة الجاهزية في الجيش الاسرائيلي". وقد أشارت الى ذلك المعلومات الاسرائيلية الرسمية عن اختفاء طائرة سورية في الجولان عن شاشات الرادار الاسرائيلية مرتين. وبهذا فإن "رسالة" سورية ميدانية وصلت الى اسرائيل بأن "اللعبة" لم تعد تقاد من طرف واحد وإنما من الطرفين.
مَنْ نصدّق مَنْ؟
حالياً من الصعب الحسم، وخصوصاً أن تل أبيب لا تقلّ هذه المرة تحفظاً عن دمشق. حصول تبادل جديد "للرسائل الميدانية"، سيؤشر حكماً الى طبيعة غارة 6 أيلول وطبيعة مسار المواجهة وحدودها، رغم أن ايهودا أولمرت اختار اخيراً التهدئة، مجدداً "ثقته بالرئيس بشار الأسد".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.