8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عدم المشاركة الإيجابية لدمشق في الاستحقاق الرئاسي علامة لاغية في امتحان علاقاتها بباريس

اسطنبول، تكاد تتحول إلى عاصمة للمنطقة "مؤتمر دول جوار العراق"، الذي سيفتتح يوم السبت المقبل فيها، يعزّز هذا التوجه. هذا المؤتمر هو عدة مؤتمرات في واحد. توقيته يضفي عليه أهمية مضاعفة. منذ الآن تتابع عواصم المنطقة والعالم معاً، الاستعدادات السياسية والديبلوماسية له. كل اجتماع تحضيري أو على جانبه، مهما بدا ثانوياً يلاحق في كل العواصم المعنية، وما أكثرها نتائج المؤتمر قد لا تكون فاصلة حول الملفات الشائكة المطروحة، لكن طريقة المعالجة والتعامل معها حالياً ولاحقاً ستؤشر إلى ما يمكن أن يحصل من تطورات وتفاعلات وحتى من نتائج.
ملفات واحتمالات
المؤتمران السابقان لدول جوار العراق، تمحورا حول العراق، وكان تشكيل لجنة أمنية ـ أميركية ـ إيرانية مؤشراً لتعاون أوسع في العراق، لأن التوافق الأمني في مشكلة مثل العراق يعني فتح الحوار على مواضيع وقضايا شائكة أخرى مهمة أيضاً.
هذه المرة الوضع مختلف جداً. مشكلة الأكراد هي محور أساسي في المؤتمر، لا بل ان العراق يخشى من "طغيان هذه الأزمة" على القضية "الأم" وهي العراق وكيفية خروجه ومعه القوات الأميركية من المستنقع الذي يتسع ويتعمق يوماً بعد يوم. والمواجهة بين تركيا و"حزب العمال الكردستاني" تعني بلا شك الدول الأكثر ارتباطاً بالعراق وهي: إيران وسوريا والولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب تركيا بطبيعة الحال.
وإذا كانت هذه الدول متفقة على محاربة "الإرهاب" لأنه "مشكلة تهم جميع من في المنطقة"، فإن الولايات المتحدة الأميركية تبدو عالقة بين "سندان" تركيا و"مطرقة" الأكراد. فالإيرانيون والسوريون حسموا موقفهم ووقفوا إلى جانب تركيا في السراء والضراء، لأن نتيجة هذه المواجهة تعنيهما مباشرة.
أما الأميركيون فإنهم لا يريدون أن يغضبوا تركيا أكثر مما يجب، خصوصاً وأنهم في مواجهة مع إيران غير معروفة في نهاياتها ونتائجها، كما انهم يحاذرون اغضاب حليفهم الوحيد في العراق وهو الأكراد.
لبنان، وهذا هو التحول الجديد في "القلب" من هذا المؤتمر وإن كان بعيداً عن الملف الأساسي وهو العراق. ومسألة خروج لبنان سالماً وعدم انزلاقه نحو الفراغ والفوضى تحت "قوس الإرهاب"، يعني كل الدول المشاركة. ولذلك فإن أي لقاء سيجري له مدلولاته، وقد يفتح أو يقفل نهائياً كوة الضوء التي ما زال اللبنانيون متعلقين بها رغم طول النفق المظلم الذي يعبرونه.
دمشق وباريس والترويكا العربية
لقاء برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي مع نظيره السوري وليد المعلم، إذا تم، سيكون بحد ذاته حدثاً سياسياً، لأنه يعني انتهاء قطيعة سياسية طويلة مستمرة منذ "زلزال" اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن الأهم لدى متابعة هذا اللقاء معرفة نتائجه، ولن يكون من الصعب معرفتها أو على الأقل خطوطها العامة الأساسية لأنه إذا انعقد اللقاء الآخر الذي يتم بحثه بقوة بين كونداليزا رايس والمعلم، فمعنى ذلك أن المعلم نجح في الاختبار الفرنسي ومع العلم أن "مادته" الأولى هي لبنان، والسؤال الأساسي حوله هو طبيعة التعاون الايجابي والالتزام بإتمام الاستحقاق الدستوري لانتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، بعيداً عن الأغنية التي أصبحت لازمتها مستهلكة وهي حصول الاتفاق بين اللبنانيين، علماً أن دمشق مع حلفائها ورجالها هي التي تحول دون ذلك. ومما يضاعف من أهمية هذا الاختبار حول هذه المادة الوحيدة حالياً بالنسبة لباريس، أن علامتها لاغية لا يمكن المرور بعدها وبطبيعة الحال فإن القمة الفرنسية ـ الأميركية بين الرئيسين جورج بوش ونيكولا ساركوزي في واشنطن خلال الأسبوع المقبل ستكون فاصلة، سواء لدمشق أو لبنان، طبعاً مع بقاء موقع دمشق في الملف العراقي محفوظاً.
أيضاً، كيفية التواصل أو المقاطعة بين الوفدين الأميركي والإيراني مهمة جداً. هذا اللقاء، يجري تحت قوس الأزمة النووية، وقرارات المقاطعة الاحادية التي لم تجد مدى ايجابيا لها في موسكو وبكين يجعلها حكماً معقدة مهما بلغت احياناً فعاليتها على بعض القطاعات الإيرانية. ويبدو أن طهران التي نفت مسؤوليتها رسمياً عن دعم القوى التي تقاتل القوات الأميركية في العراق كما أشار "المرشد" آية الله خامنئي، تريد التخفيف من حدة المواجهة، وإبلاغ الأميركيين بطريقة غير مباشرة انها مستعدة لبحث الحالة الأمنية في العراق وهو ما يهم تحديداً واشنطن بعيداً عن النظريات الأخرى. وبهذا فإن طهران تتابع الفصل بين الملفات، لكي تتمكن من الفصل في علاقاتها مع كل دولة معنية بكل ملف على حدة، وبالتالي كسب مزيد من النقاط.
عواصم الترويكا العربية
بلا شك إن العلاقات العربية ـ العربية ستكون حاضرة خلال هذا المؤتمر. ومن المهم جداً معرفة مؤشرات العلاقات بين عواصم "الترويكا" العربية الرياض وسوريا والقاهرة، لأنه إذا لم يحصل التفاهم والتراضي، لأنه من الصعب أن تنجح لقاءات جانبية في حل مشاكل أساسية، فإنه على الأقل يمكن قراءة مسار هذه العلاقات خصوصاً وأن الاستحقاقات متعددة ومنها ما هو مصيري للجميع خصوصاً مثل الأزمة اللبنانية.
الأمم المتحدة التي يشارك أمينها العام بان كي مون في أعمال المؤتمر، تريد منه: "بحث وسائل تشجيع حوار إقليمي أفضل من جهة، ومن جهة أخرى زيادة فعالية مجموعات العمل الإقليمي الثلاث وهي التي تتناول: اللاجئين والنازحين، والأمن على الحدود والطاقة".
وتركيا تريد أخذ مواقف حاسمة من المشكلة مع "حزب العمال الكردستاني" التي وضعتها تحت بند الإرهاب. والعراق يريد ألا يكون ممراً لكل الملفات لأنه من المفترض أن يكون الحوار حوله المحور الأساسي للمؤتمر. دمشق تأمل أن يكون حوارها مع باريس طريقاً لها لتلتقي وتتفاهم مع واشنطن، وطهران تريد معرفة حدود خيارات الحرب والسلام من خلال تعامل اللاعبين الكبار وخصوصاً واشنطن مع "كرات النار" في المنطقة.
يبقى لبنان الذي يأمل من هذا المؤتمر الذي يأتي في اللحظة المناسبة من مسار المخاطر التي يعيش فيها ولذلك يأمل ملاحقة "الفيلة" لقضيته وسحبه عن حافة الهاوية دون أن يتحول إلى "كبش محرقة" أو حتى "طعماً" للبعض، أمل لبنان في ذلك أنه ليس مجرد قطعة بورسلين في المخزن ليتحطم مثله مثل باقي قطع المخزن. لبنان هذه المرة قادر على دفع أكبر "فيل" إلى الجنون مثله، قصته في ذلك قصة النملة التي تدخل اذن الفيل، فتدفعه نحو المصير المشترك في قعر الهاوية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00