لا رسائل، بعد الرسالة التي حملها موفدا الرئيس نيكولا ساركوزي إلى الرئيس بشار الأسد. الموفدان الفرنسيان كلو جيان الأمين العام لرئاسة الجمهورية، هو "ظل" الرئيس، ومع المستشار الديبلوماسي جان دافيد لافيت، هما اذن الرئيس وعيناه. ساركوزي اختار أقرب مساعديه وأعلاهم رتبة لكي يسمع من نظيره الأسد "كلمة السر" النهائية التي لا كلمة بعدها حول الانتخابات الرئاسية في لبنان.
هذه القفزة العالية لدرجة الحوار الفرنسي مع دمشق هي بداية أو نهاية للحوار. إذا جاء الردّ السوري واضحاً وشفافاً وبعيداً عن اللازمة الموسيقية حول الوفاق والتوافق، فإن مساراً جديداً للتطبيع بين دمشق وباريس سيبدأ. ويبدو أن ساركوزي مستعد جدياً للسير باندفاع واضح على هذا المسار. أما إذا استمر العزف السوري بالطريقة القديمة نفسها، فإن باريس ستفقد الأمل ولن تحاول من جديد حتى لا تكون موضع شماتة.
الطريق إلى واشنطن
الرئيس ساركوزي، أراد أيضاً من خلال إرسال "ظله" إلى دمشق، ليسمع جواباً واضحاً ونهائياً من الرئيس الأسد حول لبنان بحيث لا يتحلل من كلمته على أساس أن الالتزامات التي قد تجري بين وزيره للخارجية وليد المعلم ونظيره الفرنسي برنار كوشنير قابلة للتفسير وتدوير الزوايا. أيضاً ساركوزي الذي سيلتقي غداً الرئيس الأميركي جورج بوش ليتباحث معه حول لبنان، لا يريد أن يتعهد بشيء غير قادر على تنفيذه فيما بعد. اجابة الأسد الواضحة تنتج مهمة أوضح لساركوزي.
الأسد أراد من البداية أن يثمر الحوار مع باريس حواراً مباشراً مع واشنطن. الرئيس السوري كان وما زال يعتبر أن الحل في واشنطن، والتعهدات القابلة للتنفيذ من واشنطن، والالتزامات غير القابلة للنقض تكون مع واشنطن. أخيراً جاءت الفرصة فهل يضيعها الأسد؟.
حتى الآن، دمشق ترى أن رهاناتها قد نجحت، وأن رهانها الكبير على الوقت قد أعطى ثماره. ألم تتغير المعادلات إلى حد كبير وربما أساسي نتيجة لهذا الرهان؟.
ألا يمكن أن تكسب دمشق أكثر فأكثر لو تابعت معركة "عض الأصابع"، علماً أن الوجع أخذ يخف. ما يعزّز ذلك أن الأسد يعتبر انه باقٍ إلى الأبد، في حين أن بوش لم يعد أمامه أكثر من سنة واحدة يريد خلالها انقاذ ولو جزء من صورته القاتمة المليئة بهزيمته في العراق وهزيمة حلفائه المحافظين المتشدّدين الجدد.
طبعاً إذا أصرّ الأسد على هذه الرؤية، فإن موقف ساركوزي، سيكون صعباً، لأن رهانه على حل في لبنان قد فشل. والاصعب أن الرئيس الفرنسي سيجد نفسه مضطراً لصعود "القطار الأميركي" مع "صقور الإدارة" الأميركية واحتمال انضمام كونداليزا رايس المعتدلة إلى هؤلاء بالنسبة لسوريا ولبنان.
يستطيع الرئيس بشار الأسد، أن يدفع بالحل في لبنان، بانتخاب رئيس للجمهورية حسب القواعد الدستورية وضمن المهلة الدستورية، لأنه حاضر ومؤثر في الأزمة وبتعقيداتها بعيداً عن اللازمة الأخرى وهي عدم تدخل أحد. الخراب هذه المرة لن يكون طريقاً مفتوحاً لدمشق للعودة إلى لبنان. لو كان ذلك ممكناً وليس بالعكس كما حصل في العقود السابقة، لما كان العالم كله مهتماً بالعثور على حل للأزمة اللبنانية.
لبنان قلب العالم
لبنان من القلب في منطقة الشرق الأوسط، الآن هو في قلب العالم. "مؤتمر دول جوار العراق" تحول في جزء أساسي منه إلى مؤتمر حول لبنان. أجندة الرؤساء والزعماء تضم عنواناً أساسياً ولفترة لا تقل عن عشرين يوماً، نقطة ساخنة هي لبنان. قمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع بابا روما غير المسبوقة عنوانها الأساسي إنقاذ لبنان، ونموذجه التعدّدي الاستثنائي في العالم. قمة ساركوزي ـ بوش ستلاحق تفاصيل التفاصيل للأزمة اللبنانية. قمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع الرئيس حسني مبارك قبل 48 ساعة من بدء العد العكسي لرحلة لبنان نحو الفراغ، يبدو فيها الهمّ اللبناني في قمة الهموم العربية التي سيعالجانها.
هذا الحضور الدولي والعربي غير المسبوق لمساعدة لبنان في الخلاص، قمة نجاحه ستكون انتخاب رئيس للجمهورية يدير الأزمة ولا يحلها. ليس لأن لبنان عاجز أو لأن الرئيس المنتخب سيكون غير مؤهل، وإنما لأن الظروف المحيطة بلبنان ووقوعه في القلب من قوس الأزمات، لا تؤهل للحل، ولا تفتح له حتى باباً عليه على مصراعيه.
الأزمة الباكستانية القائمة على الطرف الشمالي لقوس الأزمة، غير قابلة بالتأكيد للحل حالياً. الأزمة التركية ـ الكردية أيضاً لن تحل حالياً، لا عسكرياً ولا سياسياً. الأزمة العراقية ما زالت بعيداً خلف خط الأمل. الأزمة الفلسطينية ومهما كانت رغبة واشنطن لصياغة حل ينفذ على طول سنة كاملة، ستبقى تراوح مكانها، فلا إسرائيل مستعدة للتنازل وهي أقوى مما كانت سابقاً، ولا الفلسطينيون المتقاتلون قادرون على فرض التسوية.
المطلوب، فرض هدنة طويلة أو قصيرة على قوس الأزمات حالياً، حتى تحصل متغيرات فعلية وحقيقية، تتيح حلولاً في السنوات المقبلة. وهذا ممكن جداً ولو اختلفت شروط كل أزمة على حدة. حتى الهدنة يمكن أن تكون باردة جداً ويمكن أن تكون ساخنة.
انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، هو عنوان هذه الهدنة الملحّة للبنانيين، ولكن أيضاً للعرب وللأوروبيين. وهذه الهدنة يمكن أن تشكل مثالاً للآخرين يعملون وفقاً للمعادلة التي ستنتجها بعد مزجها بوقائع أزماتهم. أليس لبنان هو المختبر الحقيقي لكل الاختبارات؟.
يبقى، ان فرصة تاريخية تبدو قائمة أمام الرئيس بشار الأسد لاصلاح ما أفسده النظام السياسي ـ الأمني السابق، والدخول في مرحلة جديدة من التطبيع البطيء لكن المنتج فعلاً. فهل يقدم الرئيس الأسد تحديداً على الدخول في مثل هذا الرهان؟.
الحظ ليس ملكاً لأحد، ولا الرغبة بالحيازة مهما بلغ جموحها قابلة للتنفيذ حتى ولو كانت من نوع لي أو لا لأحد، أم يستمر في رهانه على الوقت وتعب الآخرين وخصوصاً اللبنانيين فيقع الخراب هذه المرة على الجميع.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.