8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

دمشق في مواجهة "تسونامي" دولي ـ عربي والحلف الأميركي ـ الفرنسي أمام اختبار

كلود غيان الأمين العام لقصر الاليزيه أتى إلى بيروت مع المستشار كريستوف بيغو، ليس بصفته "الرجل الظل" للرئيس نيكولا ساركوزي فقط. غيان جاء إلى بيروت ممثلاً للاتحاد الأوروبي بدوله السبع والعشرين زائد قوة الدفع للحلف الأميركي ـ الفرنسي الجديد. غيان حالياً هو أقوى مبعوث دولي يزور لبنان لحل الأزمة اللبنانية فيه. أكثر من بطاقة التعريف الاستثنائية، فإن غيان، أتى إلى بيروت بعد أن التقى الرئيس بشار الأسد، وبعد ان تحادث معه بكل "وضوح وشفافية".
باختصار، غيان يملك أوضح صورة لخريطة الألغام في الأزمة اللبنانية، زائد كل الأدوات اللازمة لاستطلاعها وتكفيكها. رغم ذلك، نجاحه ليس مضموناً، وفشله ما زال ممكناً.
الرهان المستحيل
اللبنانيون عقبة أمام النجاح المضمون. تفرقهم وتداخل الخارج بالداخل، وارتباط البعض بهذا الخارج إلى حد الاندماج، من جهة، وانعدام الثقة بين القوى والأحزاب من جهة أخرى، تحول دون الامساك باليد الدولية ـ العربية للخروج من قعر الحفرة التي سقطوا فيها، والتي بدلاً من تجاوزها يحفرون عميقاً فيها يوماً بعد يوم.
لكن تبقى دمشق هي الممسكة بوريد الإنقاذ. لأن دمشق لعبت منذ البداية على أخذ لبنان رهينة لكسب رهاناتها المتعددة، سواء الأساسية منها وهي التي تعني لبنان والرديفة لها وهي تتناول العراق وفلسطين. وفي الوقت نفسه، عمدت إلى وضع حزام ناسف حولها، وتهدد الجميع بما فيهم الشعب السوري نفسه والعرب والعالم باستعدادها لنسف نفسها بنفسها ومعها محيطها كله. وما ذلك الا لأن دمشق تعتقد بأن لها كل شيء، أو لا يكون لأحد أي شيء.
يبدو ان العالم وبما فيهم العرب يدركون خطورة هذه اللعبة، وربما يرون ان دمشق تبلف، لكن لا أحد يستطيع ضمان ربح رهان على انتحاري، أو تبسيطاً على لاعب روليت روسية. ولذلك دخل العالم في تفاصيل هذه اللعبة، وقبل قواعدها وهو سيتابعها حتى اللحظة الأخيرة.
السؤال الآن متى هذه اللحظة: لأن اللعب إلى ما لا نهاية لم يعد ممكناً خصوصاً في حالة منطقة الشرق الأوسط حيث يومياته تمضي تحت قوس الأزمات المتفجرة إلى درجة اشعال حروب تبدأ محدودة ولا أحد يعرف كيف ستنتهي. وبالنسبة إلى الأزمة اللبنانية، فإن خط النهاية أصبح واضحاً وهو اليوم الأخير من المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي أي 23 من الشهر الجاري.
الالتزامات والممارسة
حتى الآن، أصبحت اللازمة الموسيقية الدائمة لدمشق حول رئيس توافقي إلى نشاز تلتقطه حتى الأذن التي لم تسمعه من قبل، فكيف بفرنسا وايطاليا وألمانيا واسبانيا. لذلك التقط الرئيس بشار الأسد الفرصة وحاور كلود غيان حول نوعية المقايضة المطلوبة والتي تبدأ بلبنان وتنتهي بالجولان. بهذا تكون دمشق قد قبلت بالمبدأ اجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان.
المهم الآن، الفعل والممارسة، اذ لا تكفي الوعود، ولا الالتزامات الشفهية، فالأسد الابن لم يعرف عنه ما عرف عن والده الرئيس الراحل حافظ الأسد.
بعد الرابع والعشرين من تشرين الثاني، سيكون في مواجهة دمشق، عالم مختلف وآلية مختلفة. لا البلف في اللعبة ينفع، ولا التهديد بخنق لبنان الرهينة ينتج، لأن لبنان محكوم في حال عدم الخروج من الأزمة بحل يوصل رئيساً جديداً إلى قصر بعبدا، بالموت وان تعددت اشكاله وأساليبه.
تستطيع دمشق ان تظهر قوتها أمام اللبنانيين ومعهم الشعب السوري، فالعالم يباحثها مباشرة أو بالواسطة، وسياسة العزل مضت إلى غير رجعة، لكن هذه القوة اصبحت الآن معلقة على حافة السكين، مهما كان هذا العالم بحاجة إلى عدم انتحار دمشق خوفاً من خروج مارد الأصولية الاسلامية من القمقم، الذي ضبطته حتى الآن لمصلحتها، ومهما أرادت اسرائيل استمرار حالة "الكوما" في الجولان.
الحلف الاستثنائي
عودة إلى باريس الحاضرة في الأزمة اللبنانية كما لو أن الرئيس جاك شيراك ما زال في قصر الإليزيه. باريس ـ ساركوزي مندفعة بقوة استثنائية، ليس لأنها ما زالت ملتزمة بالتزامات شيراك، ولكن لأن ساركوزي يقود سياسة جديدة عمادها حلف استثنائي بين باريس وواشنطن. وساركوزي يريد نجاح سياسته انطلاقاً من لبنان، ليقدم بذلك اثباتاً للفرنسيين على صحة خياراته السياسية على الصعيد الاستراتيجي.
واشنطن بدورها لا يمكنها سوى أن تدعم باريس ـ ساركوزي بأقصى ما يمكنها. أمامها فرصة حلف استراتيجي نادرة في تاريخ العلاقات الفرنسية ـ الأميركية. لذلك ترك بوش لساركوزي قيادة "قطار" الحل للأزمة اللبنانية إلى نهاية الخط الأحمر للاستحقاق الدستوري. أكثر من ذلك واشنطن تؤكد انها الآن تعتمد على "عبقرية الديبلوماسية الفرنسية للمساهمة في حل الأزمات في الشرق الأوسط سواء في لبنان أو العراق أو المؤتمر الدولي حول الفلسطينيين وإسرائيل". ولذلك تعمل فرنسا الآن بكل قوتها لكي تكون "مفيدة ومنتجة" ومن الطبيعي أن أي فشل يحصل خصوصاً في لبنان لن تستطيع هضمه. وبالتالي فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام من سبب فشلها. وبقدر ما هي مستعدة في حالة لبنان للتطبيع مع دمشق إذا التزمت ايجاباً نجاح الانتخابات الرئاسية والاستحقاقات التي تليها، وبقدر ما هي مستعدة لفتح أبواب واشنطن أمام دمشق للحوار معها والتفاهم معها، كما تريد وتطمح، فإن باريس مستعدة للانقلاب بنسبة 180 درجة على نفسها في حال الفشل وركوب قطار التشدّد الأميركي حتى محطته النهائية ضد دمشق.
ما يحصل الآن على الصعيدين الدولي والعربي بسبب الأزمة اللبنانية نادر. تحول لبنان، إلى حالة مغناطيسية تجذب إليها يومياً المواقف الدولية والعربية الايجابية والداعمة والمتحركة، جميعها انضمت إلى "جبهة" واحدة لتحرير لبنان من الأزمة السياسية التي تهدّد مصيره. هذا الحضور المكوكي واليومي للمسؤولين والمبعوثين إلى لبنان، يشكل اعترافاً علنياً بأن الأزمة اللبنانية تعني كل دولة من هذه الدول على حدة، وأن أمن لبنان هو من صلب أمنها القومي، فهل تستطيع دمشق الوقوف في وجه هذا "التسونامي" الدولي والعربي وعدم الالتزام بتحويل قبولها بالمبدأ بإجراء انتخابات رئاسية إلى فعل وممارسة؟.
منطقياً، من المستحيل على دمشق البقاء وحدها ضد العالم، إلا إذا أصرّت على الاستمرار في رهاناتها على أساس أن العالم لم يتغير لأنها هي لم تتغير، أو لأن قواعد اللعبة لا تتغير، مع أن اللعبة نفسها قد استبدلت بأخرى لها قواعد وشروط مختلفة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00