8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إستمرار النزاعات المزمنة وغياب تعريف موحّد للإرهاب وتقديم الحل الأمني يزيد من تفاقم الأزمة

لا يختلف اثنان، ولو كانا من الغرب أو الشرق، أن الإرهاب هو المعضلة الكبرى والأساسية في عالم ما بعد الحرب الباردة وتلاشي عالم القطبين، لكن أيضاً لا يلتقي اثنان ولو كانا من الشرق معاً أو من الغرب، على تعريف نهائي للإرهاب وسبل معالجته والوسائل الناجعة لمواجهته والأهم لاجتثاثه.
ومن الآن وحتى يتفق العالم على تعريف واحد للإرهاب، وآلية واحدة متكاملة لمواجهته، فان العالم سيتابع رقصه فوق صفيحه الساخن جداً.
التجربة التونسية
من المحاولات الجدية للتعامل مع معضلة الإرهاب، "المؤتمر الدولي حول الإرهاب" الذي عقد في تونس بمناسبة حلول ذكرى التغيير وتسلم الرئيس زين العابدين بن علي السلطة قبل عشرين عاماً. طبعاً لم يقف المؤتمر على التعامل مع صيغة الإرهاب فقط، بل تمحور حول "أبعاد الإرهاب والمخاطر وآليات المعالجة". والملاحظ أن الحضور التونسي والدولي البارز ممثلاً بالرئيس بن علي نفسه والأمين العام للأمم المتحدة كي مون، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفسور اكمل الدين احسان اوغلي، كان طاغياً على درجة أن المشاركين الآخرين وبعضهم من الشخصيات العلمية والأكاديمية البارزة بقي طيّ الكتمان. وهذا كله ربما عائد إلى خطأ في التنظيم وليس عن سابق تصوّر وتصميم.
ويبدو أن التجربة التونسية في التعامل مع ظاهرة الإرهاب بنجاح عامل مهم، خصوصاً وهي الواقعة جغرافياً وميدانياً في القلب من هذه الظاهرة التي وضعت الجزائر على حافة السكين طوال عشر سنوات وما زالت تقض مضاجعها من وقت إلى آخر، والمغرب السمح تاريخياً الذي يعاني أيضاً من إرهاصات هذا الإرهاب. طبعاً قد يكون الثمن أحياناً باهظاً على الصعيد الأمني، لكن مردوداته على الاستقرار والاستثمار تجعل التعامل مع الثمن قابلاً للتفهم. ولا شك أن تونس، تتابع مسارها السياسي بدقة واضحة، رغم المطالب الداخلية الملحة والتعقيدات الإقليمية. ولا شك أن الرئيس بن علي الذي ازداد خبرة ومعرفة بالممارسة بمسار التوفيق بين الأمن ومتاعبه وحقوق الانسان وواجباتها، قد عرف أيضاً كيف يصيغ رؤيته لهذا الواقع الطارئ لهذه الظاهرة المرضية التي هي الإرهاب، الذي وان كان قديماً قدم العالم، إلا انه ظل قائماً بعنفه الأسود وغياب تحديد واقعي له من القوى المتصارعة. ولذلك عندما يقول الرئيس التونسي "أن الحل الأمني ضروري لكنه غير كافٍ"، فانه يقول ذلك عن خبرة قديمة ومعرفة وتجربة متكاملة مع بعضها البعض.
"الأمن والتنمية"
عندما يقال عدم آحادية الحل الأمني، فان الحل الحقيقي يصبح مزيجاً من "السلم والأمن والتنمية".
ولا شك أن تونس تعيش حالياً في "جو أمني" أدى، رغم كلفته الباهظة أحياناً، إلى نمو حالة من التنمية ظاهرة للعيان من خلال موجة الاستثمار الواسعة في العاصمة تونس، فقد تغيرت تونس العاصمة كثيراً، فالبناء اتسع وتضخم مع تصاعد واضح في كثافة البنى التحتية خصوصاً على صعيد الجسور والطرقات، وصولاً إلى نمو قطاع الخدمات السياحية، حيث انتشرت الفنادق الفخمة حول العاصمة، بعدما كان هذا القطاع محصوراً بخدمة شرائح معينة من الطبقات المتوسطة الغربية وخصوصاً الفرنسية منها.
والمهم في كل هذا التوصيف، أن بن علي وهو يوازي بين "الأصولية الغربية التي انتجت صراع الحضارات" من جهة و"الأصولية الإسلامية المتجسدة بالعنف والإرهاب"، فان اكمل الدين احسان اوغلي يكمل هذا النهج بالتأكيد على محاولة البعض من خلال التشديد على الإرهاب "استعداء حضارة ضد حضارة مما يؤجج بواعث العنف والكراهية".
بدوره الأمين العام للأمم المتحدة كي مون وضع يده على الظروف التي تؤدي إلى انتشار الإرهاب وهي:
"النزاعات التي لا تزال من دون حل والتي طال أمدها (وهذا التحديد يشمل بلا شك رغم عدم تصريح كي مون بذلك الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي"، وبهذا الاعتراف يكون كي مون قد كسر محاولة إسرائيل لنفي مسؤولية هذا الصراع عن انتشار الإرهاب).
* تجريد الضحايا من انسانيتهم.
* انعدام سيادة القانون وانتهاكات حقوق الانسان.
* التمييز على الأسس الاثنية والقومية والدينية.
* الاقصاء السياسي (والمقصود واضح هنا في إلغاء الديموقراطية ومسار التبادلية أو تداول السلطة بين الأغلبية والمعارضة).
* التهميش الاجتماعي والاقتصادي.
* انعدام الحكم الرشيد".
وإذا كانت مكافحة الإرهاب تتطلب التعامل مع هذه النقاط بإيجايبة فإن حل النزاعات المزمنة، وتوافر الديموقراطية ورعاية حقوق الإنسان والعمل على إلغاء التهميش الاجتماعي والاقتصادي، تعني مساهمة مباشرة فاعلة ومؤثرة في ضرب الإرهاب عبر محاصرته ومن ثم اجتثاثه من جذوره.
يبقى أن عدم وجود تعريف واضح ومحدد وإجماعي للإرهاب، يبقي العثور على آلية حقيقية كافية لمعالجته مستحيلاً، ذلك أن الاختلافات حول تعريف الإرهاب تجعل مواجهته مفتوحة على كل المخاطر مثلما أن عدم وجود سقف واضح لهذا التعريف تجعله أيضاً مفتوحاً على مختلف الأهداف والهواجس، وعندما يكون الاحتلال بكل صيغه وأشكاله مرفوضاً، فإن المقاومة تكون شرعية وواجباً، وتصبح تسميتها بالإرهاب إرهاباً.
أخيراً، بعد تجربة "فتح الإسلام" في لبنان، فإن الجمع بين الإرهاب والألم على لبنان، يصبح حاضراً كبيراً، في مؤتمر مثل "المؤتمر الدولي حول الإرهاب"، وإذا كانت تجربة الصيف في لبنان مكلفة جداً، فإنها في الوقت نفسه تثير نوعاً من الثقة بهذا البلد الصغير وبقراره الاستثنائي بالمواجهة. وفي الوقت نفسه فإن الخوف يبدو حقيقياً لدى الجميع من أن يؤدي سقوط لبنان في الفراغ، الى انفجار بركان الإرهاب فيه المتعدد المظاهر والأسباب، والذي لا بد أن يتداخل فيه الداخل بالخارج، مما يعني تجربة جديدة في الإرهاب غير مسبوقة في العالم.
هذا الخوف المجمع عليه حول لبنان، هو الذي يدفع الجميع الى "استجداء تعاون اللبنانيين واتحادهم شرطاً لإنقاذ لبنان ومعه المنطقة".
وما لم يتّحد اللبنانيون كلهم، فإن وحدة العالم كله معهم لن تنفع ولن تثمر، ولذلك كله ويل للبنانيين إذا انفجر إرهاب الحرب الأهلية وامتزجت بالعرقنة، وويل للعالم كله وليس منطقة واحدة من هذا المزيج الذي لن يعترف بالحدود!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00