لا يمكن للرئيس الإيراني أحمدي نجاد مهما بلغ تشدده الفكري، وتعنت مواقفه السياسية، سوى التقاط المبادرة الخليجية بدعوته للمشاركة في الدورة 28 للمجلس الأعلى لدول الخليج العربية بسرعة وإيجابية ترافقها دقّة في الحسابات المستقبلية.
الرئيس نجاد يعرف أكثر من غيره، ومهما ارتفع سقف بعض مواقفه المتعنتة، أن خطر هجوم أميركي ضد بلاده، ما زال قائماً وان خفت احتمالاته مؤخراً. لا يكفي أن يتراجع نفوذ المتشددين في واشنطن، حتى يزول خطر الحرب.
بوش "الصقر"
الرئيس جورج بوش هو أكبر المتشدّدين، لا بل أنه "الصقر" الحقيقي في مواجهة إيران. وهو لم يتأخر من التهديد بحرب عالمية إذا هاجمت إيران إسرائيل، مع العلم أن الإيرانيين أكثروا من التصريحات حول عدم وجود مثل هذا الاحتمال.
إذن، دعوة القمة الخليجية أحمدي نجاد للمشاركة في أعمالها، هي دعوة لقراءة كتاب مفتوح على الواقع مرفق بكل النوايا الطيبة، فالقمة التي تعقد تحت ظلال الهاجس الأمني المزدوج، الأول وهو مستمر منذ سنوات مع إرهاب "القاعدة" والثاني وهو محتمل مع استمرار خطر اندلاع حرب إيرانية ـ أميركية، تريد أن يلمس نجاد بعقله وقلبه، كم لا ترغب دول الخليج العربية دخول مغامرة بحجم حرب أميركية إيرانية، حتى لو كان ذلك الدخول من باب الواقع الجغرافي وليس بالنار.
ومن الطبيعي، أن يكون الملف النووي حاضراً في كل المباحثات فالخطر نابع من هذا الملف، وإذا كانت بدايته من الموقف الأميركي الحاد، فإن عقدته رفض كل دول الخليج تحويل امتلاك إيران للطاقة النووية من الاستخدام المدني إلى الاستخدام العسكري، وبدون مبالغة فإن دول المنطقة كلها تخاف من هذا التحول مهما أعطت طهران من ضمانات شفهية.
المطلوب من الرئيس أحمدي نجاد تقديم ضمانات حقيقية تقوم على الفعل والممارسة وليس المواقف والتصريحات أخطر ما في امتلاك إيران للسلاح النووي، تحوله إلى سباق تخوضه دول المنطقة مباشرة أو بالواسطة، مما سيؤدي إلى استنزاف ثرواتها قبل أعصابها. والحل ليس بنظام أمني إيراني ـ خليجي في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، لأنه غير واقعي وغير ممكن، وانما في سياسة محسوبة بدقة صناعة السجاد.
مزيداً من الواقعية السياسية، إذا لم يقتنص أحمدي نجاد هذه الفرصة الاستثنائية لا بل التاريخية، فالنتيجة هي وقوف إيران عارية من محيطها الجغرافي ـ السياسي ـ الأمني، أمام واشنطن، مما سيعطي الموقف الأميركي المتشدد قوة دفع سعت اليها في السابق ولم تحصل عليها، وقد تأكد ذلك عندما لم تنجح قمة أنابوليس في إزالة نتوءات المواقف العربية، لتشكيل جبهة اعتدال ضد طهران كما كانت تخاف وتحذّر منه.
"النمر الجريح" الخطر
حالياً، أولويات الإدارة الأميركية تغيرت تبعاً لتغييرات مراكز الأحداث على امتداد "القوس الإسلامي". ولذا يقال الآن ان هموم واشنطن تندرج على سلم أولوياتها.
المحافظة على قرار الإمساك بالقنبلة النووية والصواريخ البالستية الباكستانية بعد انفجار العنف في باكستان. وما لم يستقر الوضع السياسي في باكستان، فإن قلق واشنطن سيستمر وستبقى كما يقال على "سلاحها" أمام التطورات.
* الملف النووي الإيراني. ذلك أن واشنطن ومعها معظم دول العالم لا تريد أن تسمح بامتلاك طهران للسلاح النووي أو حتى القدرة على تصنيعه. لكن العالم لن ينجر أو يخدع بتقارير أميركية مفبركة كما حصل مع العراق قبل غزوه. لذلك فإن واشنطن ستبقى أيضاً على سلاحها، لكن هذه المرة تبدو أن كل الخطط العسكرية اللازمة معدة وجاهزة وتكاد تكتمل بانتظار لحظة القرار النهائي. ويبدو ان الرئيس جورج بوش يرغب جداً بترك الملف الإيراني مفتوحاً بكل حالاته أمام خليفته بحيث لا يكون يبدأ الحوار على البارد ومن حيث فشل في تنفيذه. ولذلك كله فإن المطلوب من طهران العثور على صيغة تحفظ بها إنجازاتها النووية وماء وجهها، وفي الوقت نفسه تسحب البساط من تحت اقدام دعاة الحرب في واشنطن.
* العراق، طبعاً الأساس هو كيفية الخروج من المستنقع العراقي بأسرع ما يمكن وبأقل ما يمكن من الخسائر. وكل من يساعد واشنطن في هذا الإنجاز يضع نفسه أمام "سلة حوافز وهدايا" ثمينة أو مناسبة.
* سوريا. كيفية فك دمشق لتحالفها مع طهران يبدو حالياً مهمة أساسية أمام واشنطن. وهي اعتمدت حتى الآن الحوار بواسطة "الترويكا" الأوروبية المشكلة من باريس ومدريد وروما. ويبدو بعد انابوليس، ان مساراً جديداً قد بدأ ولا بد أن تظهر نتائجه سلباً أو ايجابا قبل الربيع المقبل. ولدى دمشق ما يكفي من المساحة على "قوس الأزمات" لإثبات نواياها الطيبة عبر توجيه رسائل ميدانية ايجابية في العراق وفلسطين ولبنان.
* أفغانستان التي عادت هماً مكشوفاً وخطيرا امام واشنطن. فالطالبان نجحوا حتى الآن في استعادة نصف افغانستان تقريباً، وهم سيتابعون هجومهم وانتشارهم حتى أثناء الشتاء فكيف مع مطلع الربيع المقبل. ومع استمرار انسحاب القوى الحليفة فإن واشنطن لن تقبل بهزيمتها وخصوصاً أن أفغانستان شكلت وما زالت المركز في الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب.
* لبنان، الذي وان تراجعت أهميته أميركياً في ظل هذه المتغيرات الا ان ثوابت الموقف الأميركي لم تتغير وهي ضرورة المحافظة على سيادته واستقلاله وحريته. ولذلك فإن ملاحقة واشنطن لتطورات لبنان مستمرة مع تركيز واضح على الدور السوري فيه، حيث مفاعيله ونتائجه تشكل النتيجة الأولى لاختبار نوايا وطموحات دمشق من استكمال مسار المفاوضات معها.
أمام الادارة الأميركية أقل من سنة من امتحانات القوة المباشرة على امتداد "قوس الأزمات الممتد من أفغانستان الى لبنان. ولا يمكن مطلقاً التعامل مع ادارة جورج بوش على أساس انها في أسوأ أيامها وأضعف أحوالها. فالنمر الجريح اخطر بكثير من الفيل الهادئ، أو الأسد القادر. ولذلك من الأفضل للخصوم سواء كانت طهران أو دمشق السير بحذر، والتعامل بانتباه شديد مع هذا "النمر الجريح". وعدم اعتبار نزفه فرصة لاصطياده لأنه ما زال أمامهما اجيال عديدة للدخول في مواجهة رابحة وحاسمة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.