8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

استمرار التوتر في المنطقة يرفع درجة التأزيم ويؤخر تصاعد الدُخان الأبيض من البرلمان

الانجاز الوحيد لكل المبادرات الدولية وخصوصاً الفرنسية منها، والاقليمية وخصوصاً السعودية منها، هي في ضبط إيقاع الأزمة السياسية بحيث يسود الفراغ المنظم ولا ينزلق بلبنان نحو الانفجار الأمني الواسع، لكن هذا الانجاز الكبير ما كان ليحصل لولا ارادة اللبنانيين على مختلف شرائحهم وانتماءاتهم بعدم الانجرار نحو الحرب الأهلية، تاركين السياسيين المتحصنين في مربعاتهم الأمنية ادارة الحرب الأهلية الباردة إلى حين.
رغم التعب الظاهر للمبادرين وخصوصاً الفرنسيين منهم، من الحالة اللبنانية، فإن ذلك لن يحول دون استكمال عملية الغرق في يوميات وتفاصيل هذه الحالة الاستثنائية المتقاطعة مع اهتمام دولي واقليمي نادر. ولذلك فإن الحركة الديبلوماسية ستستمر، حتى ينتج عنها الحل، فينتقل مرشح الإجماع العماد ميشال سليمان من حالة الرئيس بالقوة الى رئيس بالفعل يعمل على ادارة البلاد والأزمة من بعبدا، على أمل أن تكتمل المعادلات الدولية والاقليمية فيأتي بناء "جمهورية جديدة" بعد العمل على تأسيسها خلال هذه الفترة.
التفاؤل المبالغ
حالياً، رغم كل أجواء التفاؤل التي يحاول البعض اشاعتها أو حتى زرعها، لا يبدو ان ساعة الحسم قد حانت وجلسة الانتخاب قد دقت ساعتها رغم المواعيد المعلنة. وهذا الوضع ليس فعل تشاؤم، وانما هو نتاج واقعية سياسية، أبرز تضاريسه في استمرار تصاعد التوتر على "خط الزلازل" في المنطقة.
زمن الانتصار بالضربة القاضية ولى. وهو انتهى قبل الدخول في تفاصيل انعقاد الجلسة التاريخية ونصاب الثلثين. انتهى ذلك الزمن، مع فشل "مخيم" رياض الصلح وملحقاته في إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من جهة، وفي عدم نجاح الحكومة ومعها الأكثرية في تفكيك التخندق لقوى 8 آذار وراء تحصينات مواقف معلنة وأخرى مبيتة خارجة كلها من "المخيم" وكل ما يرمز اليه.
المواجهة حالياً، واضحة. الانتصار سيكون بالنقاط. وفرضية التعادل والاقرار بالقاعدة التاريخية لا غالب ولا مغلوب ممكنة جداً. المهم نجاح كل طرف من الطرفين قوى 14 آذار في رفع سقف أرباحها لتستثمرها في معركة السيادة والاستقلال وبالتالي الحد من خسائرها هنا أو هناك. بدورها فإن قوى 8 آذار تعمل على الخط نفسه بطريقة معاكسة. فهي تريد أن تسجل "بانتصارها" انتصاراً مفتوحاً ومعترفاً به "لقوة الممانعة والصمود والتصدي" خصوصاً بعد استفاقتها على وجوب تحرير الجولان وبطبيعة الحال متابعة الامساك بوريد الأمن والاستقرار، عبر فهمها المكعب الخاص للدستور والميثاق، غير القابل لفعل تدوير الزوايا.
انقطاع باريس عن الماضي
دمشق العائدة علناً بقوة الى الداخل اللبناني، لأنها لم تخرج منه أصلاً، رفعت أقواس النصر عالياً. نجحت دمشق لأنها أمسكت بقوة "برهينتها" لبنان، في وقت يطمح الجميع الى انقاذ الرهينة لكن لا يريد أحد أن يصيب محتجزها أي مكروه. دمشق نجحت في المناورة لأنها في كل مرة رشت الوعود، صدقها الآخرون وخصوصاً باريس.
مشكلة باريس، أنها لفرط رغبتها في إنقاذ لبنان "الرهينة" تغاضت عن تجارب الماضي ودروسها، خصوصاً وأن الرئيس نيكولا ساركوزي قرر "الانقطاع" عن الماضي القريب ممثلاً بالرئيس جاك شيراك. مع ان المثل الشعبي "اسأل مجرب ولا تسأل حكيم" ما زال قائما وواقعياً وحقيقياً جداً.
النتيجة المباشرة لهذا الانقطاع كانت في مفاوضة ساركوزي عبر مبعوثيه مع دمشق حتى الدقيقة ستين من الساعة اربع وعشرين من الاستحقاق الرئاسي. لم يضع ساركوزي خطاً زمنياً أحمر للتفاوض كما يحصل حتى في أبسط عمليات التفاوض والمقايضة.
خط الزلازل الاقليمي ـ الدولي، ما زال يعيش حالة الزلازل الارتدادية. لذلك تعيش المنطقة تقلبات قياسية، تراوح بين أقصى التوتر والهدوء، ما لم يستقر "خط الزلازل" على حالة شبه نهائية، لن يظهر الدخان الأبيض من ساحة النجمة.
هذه المراجعة ليست للادانة وانما للاستفادة من وقائعها ودروسها. وما لم يغيّر الرئيس نيكولا ساركوزي آلية مفاوضاته مع دمشق، آخذاً بعين الاعتبار هذه التجربة الصعبة التي دفع ثمنها من رصيده، فإنه سيخسر اكثر، فلا الفراغ المنظم في لبنان يمكن ضبطه الى ما لا نهاية، ولا فترة السماح الأميركية له مفتوحة الى ما لا نهاية. يجب أن يعيد الرئيس الفرنسي ضبط ساعته على توقيت الشرق، حتى ينجح. لا يكفي ان يقول ولايتي الرئاسية بالكاد بدأت وما زال أمامي أربع سنوات ونصف يمكنني خلالها تصفية حسابات الفشل مع من أفشلني، ساركوزي يعرف أكثر من غيره ان المتغيرات خصوصاً في الشرق الذي لا يعنيه كثيراً الوقت والضحايا، هي التي تصيغ الوقائع.
السبت المقبل، موعد آخر للبنانيين مع الأمل. لكنه أيضاً، هو موعد حاسم لباريس مع الحقيقة. فإما تكون قد نجحت في صوغ آلية تنتج الحل بالتفاهم مع دمشق، واما تكون قد فشلت وما على اللبنانيين سوى انتظار الاستحقاق العربي في 22 آذار موعد القمة العربية المقبلة، علماً ان 18 آذار هو الموعد الدستوري الآخر للجلسة الأولى للاستحقاق الرئاسي في الدورة العادية لمجلس النواب.
المهم ألا يحيل الرئيس بشار الأسد عملية إقناع الجنرال عون على الفرنسيين من جهة وعملية إقناع الرئيس نبيه بري على رئيس الوزراء التركي رجب اردوغان كما أعلن. ويجب ان يتوقف الدوران داخل الحلبة، بعد ان تعدى عدد الجولات ما هو متعارف عليه ومقبول.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00