8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ساركوزي فشل لأنه اعتقد بحاجة الأسد اليه ولأنه غير قادر على الضغط عليه

فن الانتظار فوق بركان يغلي، فن جديد خارج من الحالة اللبنانية. واذا كان الانتظار وحده صعباً، فكيف اذا كان مفتوحاً على خوف يومي مشروع من انفجار البركان في أي لحظة، والانزلاق بسرعة قياسية من حافة الفراغ المنظم الى الفوضى الدامية والدموية. رغم ذلك ما على اللبنانيين سوى الانتظار والتعايش معه.
اللبنانيون بدأوا ييأسون من الحل. لذلك لا يريدون اليوم وغداً وحتى يأتي هذا الحل المنشود، أكثر من الهدوء واستمرار القوى المتحصنة في مواقفها تضبط أعصابها وعدم جرّ البلاد والعباد الى الموت فالهجرة ولو الى "بلاد الواق واق" كما كان يقال. على الأقل كل لبناني وحده ينجح أكثر من بقائه مواطناً في شعب يتكلم يوماً بعد يوم عن لبنان الوطن والسيادة والاستقلال والحرية ويعمل عكس ذلك وكان خلاصه في الأجنبي كائناً ما كانت هويته وأهدافه، بما فيها تحرير فلسطين والعمل من أجل الوحدة العربية.
استحقاق "القمة العربية"
الحل بعيد. آذار المقبل، قد يكون موعداً آخر مثل مواعيد هذا الشهر. البرلمان مقفل، وأغلبية الثلثين ممنوعة. كل ذلك بانتظار ان تتصالح قوى الداخل بعد أن تخرج من جزرها الأمنية، وتفتح أبواب الثقة المتبادلة بعضها على بعض. والبقاء بانتظار أن تقع المصالحة العربية ـ العربية، وتحديداً بين السعودية وسوريا، وعلى أن تكون هذه المصالحة المأمولة قبل 18 آذار، وبعد التفاهم على انعقاد القمة العربية المنتظرة في دمشق في الأسبوع الأخير من آذار. أما اذا نقلت القمة الى القاهرة، أو لم تعقد أصلاً، فالأرجح ان على اللبنانيين الانتظار.
أيضاً وأيضاً، على اللبنانيين انتظار ما تريده واشنطن في المنطقة بعد أن يحسم الصراع الداخلي فيها بين بقايا المحافظين المتشددين ومعسكر ما يطلق عليه مجازاً "الحمائم"، أو المعتدلين. واذا بقي الوضع هكذا فيجب الانتظار حتى يدخل الرئيس المنتخب البيت الأبيض، ليبدأ مسيرته وفرض نهجه مع ادارة تعرف ماذا تريد، ولا تمضي وقتها في التنافس على حساب الدول. ومعنى ذلك، ان على اللبنانيين الانتظار حتى آذار 2009.
تبقى محطتان أساسيتان على طريق الانتظار وهما دمشق وباريس، دون تناسي واسطة العقد بينهما وهي واشنطن. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يوصف من الفرنسيين بأنه "هاوي مغامرة"، وأن هوايته هذه أوصلته الى الإليزيه، لأن من يهوى المغامرة مستعد لمواجهة كل شيء الى جانب حب المفاجآت.
والمعروف ان من صلب المغامرة، جني المكاسب وحصرها في شخص المغامر. وساركوزي فتح الباب على دمشق الذي أغلقه الرئيس جاك شيراك، لكي يقطف الحل وايجابياته في المنطقة، ليضع جزءاً مهماً من أساس مشروعه لبناء "الاتحاد المتوسطي" من جهة، ويقدم خدمة لواشنطن بفتح باب الحوار مواربة لها مع دمشق، ويفرح اللبنانيين والفرنسيين معاً لأنه أنقذ لبنان.
القفز الى افغانستان
ساعة الحقيقة تكاد تدق بين باريس ودمشق. حتى الآن، لا يريد ساركوزي اعلان فشله، لأنه لا يريد أو لا يستطيع التراجع، ولا التقدم لأنه أخذ قراراً منذ البداية انسجاماً مع واشنطن بأن سلامة النظام في دمشق في كفة وباقي المسموحات والممنوعات في كفة. لذلك سحب ساركوزي كل ما قاله عن انذار الرئيس الأسد، على قاعدة "كلام الليل يمحوه النهار". كان المطلوب وما زال أن تحسن دمشق "سلوكها"، خصوصاً في لبنان، وهذا ما لن يحصل عليه أحد. بالعكس دمشق في موقع الهجوم والآخرون في حالة الدفاع.
الفشل الذي يعيشه حالياً ساركوزي ومعه "طبيبه" برنار كوشنير الذي جاء الى لبنان ـ مشكوراً ـ سبع مرات، لن تعوضه "قفزته" الى أفغانستان دعماً منه لصديقه جورج بوش وللحلف المتهاوي. لا شيء يعوّضه سوى استعادة زمام الأمور، بعد اعادة حسابات الأشهر العشرة الماضية من الوساطات والمبادرات والجولات المكوكية.
مشكلة الرئيس الفرنسي انه فاوض الرئيس السوري، وهو يعتقد انه متفق معه على ضرورة انقاذ لبنان وعدم سقوطه في الفوضى. الواقع ان ذلك لم يكن صحيحاً. ذلك ان الرئيس السوري فاوض وهو يرى انه كلما طال زمن التفاوض زاد رصيده، لأن الآخرين غارقون في القلق والخوف، في حين يفاوض وهو مطمئن.
أكثر من ذلك، دمشق تعلم انه كلما طالت فترة التفاوض كلما ازداد انهاك الرهينة وهي لبنان، الى الوقت الذي يصبح فيه الحل بالعودة الى بيت الطاعة مطلباً للرهينة نفسها. بذلك تكون دمشق قد اكدت من جديد صحة المثل بأن "صحن الثأر يؤكل بارداً".
امتصاص الصدمات
نجاح دمشق في كل هذه اللعبة الخطرة، في قدرتها على امتصاص الضربات وحتى استثمارها لصالحها، ومن ثم مقايضتها من كيس غيرها. لكن هذا النجاح غير المسبوق لدمشق في "لعبة الأمم"، غير مضمون الى الأبد. والمكاسب التي حققتها حتى الآن قابلة للخسارة. والسؤال هل تتحمل دمشق التضحية بكل المكاسب التي حققتها لأنها مطمئنة لصحة رهاناتها؟.
دمشق يمكن ان تفشل، اذا تأكد لباريس وواشنطن، بأن خيار دمشق المحافظة على الفراغ في لبنان حتى ولو كان ثمنه الانزلاق نحو الفوضى. والفشل ممكن ولو بقيت سلامة النظام مضمونة. أمام المجتمع الدولي خيار كبير يمكن المراهنة عليه وهو المحكمة ذات الطابع الدولي. التسريع بإجراءات انشاء المحكمة يؤكد أنه يمكن كسر ارادة دمشق في الاستمرار في الامساك بلبنان ـ الرهينة والتفاوض حوله وعليه. واذا ما صحّ هذا الخيار فمعنى ذلك ان شهر شباط من العام القادم سيكون صعباً جداً، لأنه سيكون شهر امتحان الارادات والمواقف.
اللبنانيون وحدهم دون شعوب العالم يعيشون "فن الانتظار" على وقع ثلاث ساعات بدلاً من واحدة كما الآخرين. وهي "ساعة الحقيقة"، و"ساعة مخيم رياض الصلح" و"ساعة الفراغ". المهم أن يخرجوا سالمين ومحافظين ولو على الحد الأدنى من استقلالهم وسيادتهم وحريّتهم، قبل انفجار البركان.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00