8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اغتيال بوتو يضع العالم فوق "صفيح نووي" ويطرح مسألة تشكيل محكمة دولية مثل لبنان

كان الرئيس رفيق الحريري "عمود خيمة الاعتدال" في لبنان والمنطقة. اغتالوه. وقع "الزلزال" وما زال لبنان والمنطقة يعيشان على وقع الزلازل الارتدادية. هذه الزلازل تتداخل فيها العوامل الذاتية والمحلية مع ذبذبات الخارج وتداخلاته. لبنان صغير بمساحته، لكن لأنه بموقعه يشكل حلقة القطع والوصل في المنطقة، فانه اكتسب هذه الخصوصية الفريدة، التي عادت عليه بكثير من التجارب والنتائج المرّة أكثر بكثير مما نجح في اكتسابه واستثماره.
الحقيقة أولاً
من أجل كشف الحقيقة أولاً، وبناء سد أمام القتلة الذين يستسهلون الاغتيالات سلاحاً لتنفيذ سياساتهم وكسب ما يمكنهم كسبه، جرى لأول مرة تشكيل محكمة ذات طابع دولي، ومهما قيل عن هذه المحكمة واحتمالات تشكيلها وعدم تحويلها إلى محكمة بلا محاكمة، فان أمراً واحداً يبدو ثابتاً، هذا الأمر أن هذه المحكمة أصبحت مثالاً لكل الشعوب والقوى التي يستضعفها القتلة ويضعوها على خط الزلازل. ومن ذلك انه قبل أن تجف دماء بناظير بوتو، برز سؤال يؤشر بقوة إلى توجهات الشعوب في العالم وهو كما نقلته صحيفة "اللومند" أمس: هل يمكن أن تشكل محكمة دولية لمحاكمة قتلة بوتو على مثال المحكمة الدولية المشكلة لمحاكمة قتلة الحريري وباقي شهداء "ثورة الأرز"؟
الجواب على السؤال المتعلق بالباكستان، "ليس فوراً" لان بناظير بوتو، هي حلقة جديدة في سلسلة طويلة بدأت منذ العام 1948، إلى جانب ذلك، وهو مهم أن الرئيس الباكستاني برويز مشرف والمرشح للرئاسة ليس متهماً، لانه أحد أكبر الخاسرين من عملية الاغتيال. رهان مشرف كان المحافظة على موقعه بدمقرطة نظامه العسكري. الآن كل شيء يبدو في مهب العاصفة.
الذين قتلوا بوتو، هم الرافضون للاعتدال، والراغبون بـ"طلبنة" (من الطالبان) باكستان.
استمرار وقوع لبنان على خط الزلازل منذ 14 شباط من العام 2005 حتى الآن، تعزز مع حالة الفراغ الاستثنائية وغير المعهودة في العالم. والاهتمام الدولي الاستثنائي به، نابع من تزاوج "اللبننة" مع "العرقنة" ليخترق هذا "الكوكتيل" كافة الحدود القائمة في المنطقة مع ما في هذا من "حرائق" في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط.
الخوف حالياً على باكستان ومنها أكبر بكثير. باكستان تدور فيها وحولها كل الاحداث فوق "صفيح نووي"، يهدد العالم كله. لأن التطرف لن يتم استيراده اليها. انها أحد أكبر مصانعه وأوسع "مزارعه".
لقد أنشأ بعض الجنرالات الباكستانيين حركة "طالبان" ورعوها، ولم ينتبهوا إلى أن اللعب بنار التطرف والاصولية، لا بد أن يعود اليهم ليحرق اصابعهم ومن ثم الأرض كلها.
باكستان على مثال لبنان والعكس صحيح، تعيش حالة "الحرب الأهلية الباردة" هذه الحالة سابقة على اغتيال بوتو. الآن خطر انزلاق الباكستان سريعاً نحو الحرب الأهلية الدامية، قائم بقوة لأن كل الأسباب الموجبة لمثل هذا الانزلاق متوافرة. قوى عديدة تريد ذلك. وقوى دولية فاعلة تخاف من ذلك، لأن في قلب هذه الحرب، سيكون السؤال المصيري، من الذي سيملك قرار القنبلة النووية والصواريخ البالستية؟؟
ترابط حلقات النزاعات
ما يخيف العالم، أن "القاعدة" و"الطالبان" هما من نواة هذا الخطر في وقت يتراجع فيه حضور القوى الحليفة في أفغانستان من جهة، وتتمدد فيه "القاعدة" على طول "قوس الأزمات" من جهة اخرى كيفية تحصين الباكستان ومنع اشتعال الحرب الأهلية فيها سيكون الشغل الشاغل لواشنطن وباقي المجتمع الدولي.
اغتيال بناظير بوتو هو جرس انذار أخير لواشنطن تحديداً. وما لم تضع استراتيجية حقيقية متدرجة الاجل، سواء لمواجهة الوضع الطارئ بسرعة، ومن ثم التعامل مع خصوصية الحالة الباكستانية الخطيرة على المدى الطويل فان الولايات المتحدة الأميركية ستخسر نهائياً الحرب العالمية ضد الإرهاب، وستجعل العالم كله يرقص معها فوق "الصفيح النووي" الباكستاني.
لا يكفي أن تدعو كونداليزا رايس الباكستانيين وزعماءهم لإجراء الانتخابات فوراً وكما كان مقرراً ضمن المهلة الدستورية. يجب أن تقدم على ما يجب القيام به لاثبات جديتها وعدم الانقلاب على أولوياتها كما حصل في لبنان. لا يوجد أي شك حالياً أن الهزيمة في العراق ستكون في صلب الفشل في باكستان. ليس مطلوباً أن تنقل واشنطن قواتها إلى باكستان لابعاد شبح الحرب الأهلية عنها، خصوصاً وأن مثل هذه الخطوة سترفع من درجة حرارة الحريق وتوسعه أكثر فأكثر. المطلوب الا تغير أولوياتها، بحيث يعتقد الباكستانيون في لحظة من اللحظات انها قايضتهم استناداً إلى البراغماتية السياسية.
خطر الفراغ
الإسراع بإجراء الانتخابات في باكستان، يحصنها ويحول دون السقوط في التجربة اللبنانية الجديدة وهي الفراغ المنظم، مع فارق هو وجود رئيس ضعيف جداً كيفما تحرك فهو خاسر على المديين القصير والطويل. قد يحتمل لبنان أكثر استمرار الفراغ، لكن باكستان والعالم معها لا يحتملان. بناظير بوتو، كانت واعية جداً للخطر المحيق بها وهي تجول في باكستان، لكنها كما قالت قبل لحظات من اغتيالها: "لقد وضعت حياتي في خطر، لاني شعرت ان البلد في خطر". هذا هو معدن القادة الذين ينجدون وطنهم، ولو على حساب سلامتهم الشخصية.
شهداء "ثورة الأرز" من الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصولاً إلى النائب الشهيد انطوان غانم، دون ان ننسى شهيد حماية لبنان الوطن من الإرهاب الأعمى، الجنرال فرنسوا الحاج، كانوا مدركين لحجم الخطر الذي يعيشونه،. رغم ذلك واجهوا قدرهم كما بناظير بوتو واستشهدوا ليعيش لبنان ـ الوطن.
الآن، قدر كل لبناني أن يقدم مصلحة الوطن على أي مصلحة حتى ولو كانت قومية، لبنان ـ الكيان بخطر. لا أحد في العالم يضمن عدم الانزلاق في الفراغ المنظم إلى الفوضى الدامية. والافرقاء مدعوة لصياغة حل وطني بسرعة لأن دائرة النار تضيق حول لبنان.
نار الباكستان، سترفع من درجة التشدّد الأميركي وأيضاً العالمي. حتى روسيا مضطرة للتشدّد خوفاً من "طلبنة" الباكستان. بدورها إيران مضطرة إلى رفع درجة الاستنفار لمواجهة مستجدات الموقف الأميركي على حدودها، ومخاطر انفجار الحرب الأهلية أو على الأقل تمدد العنف الاصولي والطالباني ايضاً على "خاصرتها الرخوة".
هذا التشدّد لا بد أن يجد صداه وتردداته في حلقة القطع والوصل اللبنانية. لهذا كله، السرعة في إنجاز الحل الذي يحصن لبنان مطلوب "أن تقرع اجراسه الآن، الآن وليس غداً".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00