"حرب الإلغاء" ضد الأكثرية، أصبحت حرباً مكشوفة وبكل الأسلحة خصوصاً "الثقيلة" منها، التي كانت طوال السنوات الماضية ساكنة وصامتة. هذه الكثافة في "الرماية"، حتى ولو كانت حتى الآن "كلاماً بكلام"، إلا أن أحد أهدافها الواضحة زرع "إرهاب فكري"، يربك ويخيف قوى 14 آذار أولاً، وثانياً جميع اللبنانيين، لعلهم لشدّة قلقهم وخوفهم يرحبون بالحل السوري على حساب استقلالهم وسيادتهم وحريتهم.
دمشق التي تعيش "زهواً علنياً" لاستعادتها قوتها وحضورها في لبنان، عادت لتتحدث بلسان أعلى مسؤوليها ومنهم نائب الرئيس فاروق الشرع، بكل صغيرة وكبيرة من هموم وشجون لبنان. ولأن إجراء الانتخابات الرئاسية هو محور الأحداث وتطوراتها، فإن دمشق تبشر علناً وأمام زوّارها وخصوصاً اللبنانيين منهم "أن الانتخابات الرئاسية مؤجلة ولن تجري الآن ولا حتى في الربيع القادم. فلا داعي للاستعجال ولا للسؤال عن آلية الحل".
الفراغ المفتوح
أكثر من ذلك، في إطار شرح لزوم ما لا يلزم، تردد دمشق، "بأنها ربحت الحرب وليس معركة ضد قوى 14 آذار، وأن مطلوب ملاحقتهم واقتلاع من يجب اقتلاعه عندما يرسم الحل النهائي للبنان وللمنطقة والذي ستجني دمشق ثماره التي نضجت لأنها عرفت كيف تصمد وكيف تمانع وكيف تستثمر الوقت لمصلحتها، ولذلك فإن دمشق التي صمدت ثلاث سنوات على العزلة، قادرة الآن على الصمود وهي مرتاحة حتى نهاية حزيران المقبل، حيث ستقرع الأجراس لها".
هذا الارتياح في دمشق يعود إلى "ان الرئيس جورج بوش هو الآن "بطة عرجاء"، وفي مطلع الصيف القادم سيكون "بطة ميتة". وفي تفسير ما هو مفسّر، أن "البطة العرجاء" غير قادرة على الحركة بسرعة في وقت تبدو فيه السرعة ملحة. وبطبيعة الحال كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية سيتحول إلى "بطة ميتة" "لا تحل ولا تربط"، بعد هذا التاريخ يتحول الانتظار، نوعاً من متابعة مريحة لتفكك خصومهم خصوصاً قوى 14 آذار واندحارهم السياسي وما أن تتشكل الإدارة الأميركية الجديدة، حتى يكون كل شيء جاهزاً. الأميركيون الذين يؤمنون بالواقعية السياسية ويعملون وفقاً لقواعدها ونتائجها، لا بد أن تأخذ الإدارة المنتخبة حديثاً بالوقائع الجديدة، ومنها أن قوى 14 آذار ضعيفة وعاجزة في حين أن قوى 8 آذار قوية ومقتدرة".
"حرب الإلغاء" لن تكون فقط في استمرار "الفراغ" في الرئاسة الأولى حتى الصيف المقبل على الأقل، ولا في الحملة المنظمة ضدّ الحكومة، ولا ضدّ 14 آذار. هذه "الحرب" تتضمن كما يبدو "أمر عمليات" ميداني لتعجيل الاستسلام. الكلام عن التصعيد ليس فقط جزءاً من "الحرب النفسية"، الكلام عن الطلب من الموظفين عدم الخضوع لأوامر رؤسائهم وحكومتهم والتهديد بإقفال الطرقات بمئات السيارات (بقرار ذاتي من المواطنين وليس "الروموت كونترول")، يبدو جدياً، رغم خطورته إلى درجة أنه إعلان حرب، يمكن أن يدفع البلاد من حالة "الفراغ المنظم" إلى هاوية "الحرب الأهلية".
رسالة الى وزراء الخارجية
"حزب الله"، لا يريد الحرب الأهلية. هذا أمر ثابت لأنه يتعلق أولاً وأخيراً "بهوية" بندقية المقاومة. "بندقية" الحزب حالياً هي بندقية المقاومة ضد العدو الإسرائيلي لتحرير مزارع شبعا واستعادة الأسرى، أما في حالة الحرب الأهلية، فإن هذه البندقية ستصبح حكماً بندقية "ميليشياوية" تلغي حكماً هذه المقاومة وتصبح مرفوضة لبنانياً وعربياً، مما يسهل حكماً إدراجها على لائحة الإرهاب الدولي، التي طالما عمل الرئيس الشهيد رفيق الحريري مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك للحؤول دون تبني الاتحاد الأوروبي لها.
لكن لا يكفي اتخاذ قرار مصيري واستراتيجي، وفي الوقت نفسه يدع قوى أخرى أكانت خارجية أو داخلية ـ خارجية تدفعه نحو حلقة نار الحرب الأهلية.. اللبنانيون الذين يعرفون حالياً معظم تفاصيل الحرب الأهلية، يعرفون أيضاً أن أصغر التنظيمات وأصغر "الرجال" الذين ينبضون على وقع الخارج، قادرون على إشعال الحروب، ولعل ما حصل حتى الآن يؤكد ذلك سواء في منطقة جامعة بيروت العربية في مطلع العام الماضي، ونهر البارد في أيار الماضي، وفي البسطة مع الأيام الأولى لهذا العام ما يؤكد ذلك، أي طرف داخلي أو خارجي يستطيع أن يلقي "بكرة النار" إلى الدوائر المحتقنة طائفياً ومذهبياً نازعاً المسؤولية عنه تاركاً لـ"حزب الله" مهمة إطفاء النار إذا ما استطاع ذلك وبعد إحراق أصابعه وربما أكثر.
تصعيد الحرب النفسية حتى الآن، "رسالة" موجهة إلى الداخل اللبناني ولكن أيضاً وبالتحديد إلى مؤتمر وزراء الخارجية العرب. هذا المؤتمر الذي تشعر دمشق أنه هذه المرة، موجه ضدها في وقت انسحبت منه حتى ترى منه "أفعالاً وليس أقوالاً". ولذلك تبدو دمشق محرجة عربياً أكثر من أي مرة سابقة، وإذا لمست دمشق بأن نتائج المؤتمر سلبية حتى ولو كانت مجرد مضبطة اتهام كلامية ضدها أو حتى دعوتها لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، فإنها ستتشدد أكثر فأكثر.
"خريطة الطريق"
ترجمة تشدّد دمشق سيكون مزيداً من التصعيد في لبنان متمثلاً في تحويل "الحرب النفسية" إلى "خريطة طريق" ميدانية، ينفذها "رجالها" وتتحمل المعارضة وخصوصاً "حزب الله" أعباءها ومآسيها.
ولذلك فإن السؤال الكبير سيبقى، هل ينجر "حزب الله" إلى الشوارع في بيروت، حيث كل شارع سيتحول إلى "سكين" يطعن شرعيته التي اكتسبها في مواجهة العدو الإسرائيلي في الجنوب؟
دمشق تريد العودة إلى لبنان بأي ثمن. ليس مهماً أن يكون ذلك بعودة رستم غزالي وجامع جامع والحواجز العسكرية على الطرقات المهم العودة إلى "وحدة المسار والمصير"، وضبط حركة جميع القوى السياسية ورجالاتها بالـ"روموت كونترول". وهذه العودة ليست فقط سياسية ومادية واقتصادية، إنها شخصية أيضاً. ومن ذلك أن الرئيس بشار الأسد الذي ورث السلطة من رئيس بحجم والده حافظ الأسد لا يريد أن يبقى الرئيس ـ الوريث الذي خسر "درة إرثه" وهي لبنان. لذلك مطلوب عودة هذه "الدرة" إليه تأكيداً لشرعية استحقاقه "للإرث".
اجتماع كل الأسباب الموجبة سياسياً واقتصادياً وأمنياً وشخصياً لدى دمشق لاستعادة لبنان من جهة، وتزايد شعور المعارضة بأنها قريبة من فرض الإمساك بالسلطة عبر حصولها على "الثلث المعطّل" أولاً وفي تسلم حقائب وزارية محددة وتسمية قائد للجيش ومدير للمخابرات ووضع الفيتو على أسماء هنا وهناك، يتطلب أكثر من الصبر، لقد حان الوقت أمام قوى 14 آذار وضع استراتيجية على المدى الطويل كما فعلت دمشق وحلفاءها منذ خروج القوات السورية من لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.