8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باريس ـ الساركوزية تعيد اكتشاف المنطقة وتشابك طرقاتها وملفاتها بعد أن تجاهلت وحدتها

مراجعة باريس ـ الساركوزية لنهجها وتحركها السياسي، لا يقتصر على "الفخ الشامي"، الذي أصابها في الصميم حسب المثل المعروف "أول "قدومها" شمعة على طولها"، ودفعها لتجميد مبادرتها اللبنانية بحجة ترك الدائرة مفتوحة أمام المبادرة العربية. المراجعة تشمل كما يبدو واضحاً الآن سياسة فرنسا تجاه الشرق الأوسط.
ويبدو أن اللقاءات التي أجراها الرئيس نيكولا ساركوزي مع القادة والزعماء العرب سواء في باريس نفسها أو خلال جولاته الأخيرة من الجزائر إلى الرياض والخليج انتهاء بالقاهرة، دفعت باتجاه هذه المراجعة المستندة هذه المرة إلى الواقع والقراءة الميدانية المباشرة، والتي إذا ما جمعت ومزجت نتائجها "بالإرث" الكبير للجمهورية الخامسة في المنطقة يمكن أن يبنى عليها الكثير مستقبلاً.
"الطرق المتشابكة"
قبل أشهر قليلة فقط، أي بعد انتهاء الحملة الانتخابية وبداية الولاية الرئاسية، كان ساركوزي "لا مبالياً" تجاه العالم العربي في وقت لم يكن يخف فيه "تعلقه وإعجابه بإسرائيل"، وقد استتبع ذلك نفي وجود "سياسة عربية لفرنسا"، هذه السياسة التي طبعت معظم سنوات "الجمهورية الخامسة" والتأكيد بأن "لا وجود لعالم عربي موحد ولا داعي للإصابة بعمى وحدة وهمية" وبالتالي يجب تطبيق سياسة "تنسجم مع كل "منطقة" من هذه المساحة الواسعة على حدة".
الآن أخذ الرئيس نيكولا ساركوزي يدرك أن هناك ما يجمع بين "مناطق" هذا "العالم الواسع"، المفتوح على إيران جنوباً وتركيا شمالاً. ومن صلب هذه القراءة الاكتشاف المتأخر "بأن الملفات متشابكة ومتداخلة" إلى درجة أن طريق دمشق تمر ببيروت وبغداد والرياض وغزة وطهران والعكس صحيح، كائنة ما كانت، التي تبدأ منها والعاصمة التي ستنتهي بها.
هذا الفهم الجديد لباريس ـ الساركوزية لخريطة المنطقة بأن الطرق فيها متقاطعة وملفاتها متشابكة، يقود حتماً العودة بصيغة أو أخرى إلى تنفيذ "سياسة عربية" وسياسة "شرق أوسطية" حتى ولو كانت توجد خصوصية معينة في هذا الملف أو أن الإشارات الحمراء، أقل أو أكثر على هذا الطريق أو ذاك.
بالعودة إلى الملف اللبناني الساخن، فإن قرار الرئيس ساركوزي "بالانقطاع" عن سياسة سلفه الرئيس جاك شيراك زائد "رؤيته" لخريطة المنطقة دفعت به بسرعة معروفة عنه، الى القفز من حالة "الإنغلاق" التي طبقها شيراك مع دمشق إلى حالة "الاندلاق". ويؤشر الواقع والتطوّرات أيضاً، الى أنه إذا كان "الإنغلاق" قد انتج أحياناً تجاهلاً للتطوّرات وحتى "جهلاً" لحركة دمشق فإن "الاندلاق" السريع أدى إلى سوء في التقدير، ما انتج هذا "الفشل" الذي لا داعي له بمختلف الحسابات، خصوصاً وأن دمشق سجلت كما اعتادت إلى درجة الاحتراف "نقاطاً لصالحها"، تبني عليها هجومها الحالي على المبادرة العربية".
الآن أخذت باريس مسافة واضحة مع دمشق تقوم على مراجعة موقفها من الأزمة اللبنانية. ويتم استمرار التعامل معها بما يتعلق بالملفات الأخيرة "بدراسة وحذر شديدين" حتى لا تتعرض لسقطة أخرى لا بد أن تكون أكثر إيلاماً لها، ومما يسهم في ذلك أن باريس لمست وفهمت بعمق أن دمشق تنام على "حلم تطبيع علاقاتها مع واشنطن فور انتهاء ولاية جورج بوش، وأن توثيق علاقاتها معها ليس سوى لتقطيع الوقت أو في أحسن الأحوال كسب محامٍ كلمته مسموعة الى جانبها". وليس لبناء علاقة منفصلة عن تطورات علاقاتها مع واشنطن.
الثمرة المهترئة
باريس رغم "تشددها" مع طهران الى درجة عدم استثمار زيارة علي ولايتي مستشار "المرشد" آية الله علي خامنئي ووزير الخارجية الأسبق لباريس، وحتى إبقاؤها سراً لا يتداوله الإعلام الفرنسي على مختلف أنواعه، مع أن الملف النووي خطير ودولي، "وليونتها" مع دمشق، بحيث لم يتأخر ساركوزي بالاتصال هاتفياً ثلاث مرات مع الرئيس بشار الأسد وايفاد "رجله الأول" كلود غيان الى دمشق أكثر من مرة للمساهمة في حل الأزمة الرئاسية في لبنان. باريس هذه تبدي "تعجبها" من الإدارة السورية لسياستها، و"اعجابها الضمني" بالإدارة الإيرانية لأزمتها.
وفي حين تتعامل طهران مع كل مبادرة بأقصى ما يمكنها من الصبر وتوظيفها بسرعة لكسر أي احتمال بالمواجهة، فإن دمشق تتعامل مع كل يد ممدودة نحوها وكأنها تطلب مساعدة منها لانقاذها أو دعمها، مع أن كل ما في الأمر هو مد اليد للتعاون لتذليل العقبات على طريق رفع الحصار أو حتى التجاهل والتحضير لبناء علاقات ثنائية شفافة ومتينة تساهم في مواجهة الوضع الصعب القائم.
أيضاً في حين تتعامل طهران الأقوى ألف مرة من دمشق مع الرئيس جورج بوش وإدارته على أساس انهما "نمر جريح" وهو بهذا أخطر بكثير من "نمر" يتحرك بحرية وراحة، فإن دمشق تتعامل مع هذه الإدارة نفسها وكأنها "بطة عرجاء" يجب متابعة موتها المعلن مع انتخاب رئيس وإدارة جديدة للولايات المتحدة الأميركية.
واستكمالاً لكل ذلك، فإن باريس لاحظت أن طهران وإن كانت "متلاحمة ومرتبطة عضوياً" ـ إذا صحّ التعبير ـ "بحزب الله" وبالتالي بالأزمة اللبنانية، فإنها وهي تدعم "الحزب" وحلفائه قد وضعت "خطاً أحمر" يجب عدم اختراقه بالمطلق وهو "حماية أمن واستقرار لبنان وعدم انزلاقه نحو الحرب الأهلية"، في حين أن دمشق لا يهمها سوى "استعادة لبنان" مهما كانت الطرق والنتائج.
ولذلك فإن دمشق تلاحق الأزمة اللبنانية على أساس رفع درجة "الاهتراء" يومياً، حتى يصبح سقوط لبنان بين أيديها مطلباً دولياً، لأن لا أحد يريد أن يفتح يديه "لثمرة" مهترئة حتى ولو كانت لبنان.
باريس ترغب فعلاً بنجاح المبادرة العربية، بعد أن اعتبرت في البداية أي دخول على خط مبادرتها حتى ولو كانت عربية "محاولة للقفز فوقها". وهي ترى الآن أن نجاح هذه المبادرة يمكن أن يكتمل فور وضوح مسارها النهائي بجهودها الماضية واللاحقة. ويبدو واضحاً وبلا أي شك أن باريس تستعجل نجاح المبادرة العربية، وإن كانت لم تعد تثق بايجابية دمشق على صعيد ملف الأزمة اللبنانية.
هذه "الرغبة" المستندة الى إرادة واضحة من قبل فرنسا تقوم أيضاً على قلق مشروع بأن واشنطن "لم تلغِ أي خطة تجاه طهران، وأنها تنتظر أي فرصة تسمح لها لترمي كرة النار وكل المرارات التي تشكلت منذ غزو العراق وسط المنطقة، وعندها لا تعود تنفع كل الجهود ولا كل النوايا.
ولأن باريس لا تريد أن تكتفي بالآمال والصلوات، فإنها ترغب فعلاً بأن تفتح طهران بوابة الحل للملف النووي ولو عبر الدكتور البرادعي، وحتى لو كانت بداية هذا الحل الإعلان عن "استقرار النشاط النووي الإيراني الى حيث وصل، والذي لا يسمح لها بصنع سلاح نووي"، من جهة وأن تعمد دمشق الى المساهمة "بالأعمال وليس بالكلمات" في ترجمة التوافق في لبنان لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، لأن لا شيء مضموناً في المنطقة وخصوصاً بالنسبة للبنان، حتى ولو كان سقوطه "ثمرة مهترئة" في أحضان دمشق لأن نتيجة هذا الاهتراء قد تكون "كارثية".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00