8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التصعيد في غزّة والعراق ولبنان مستمر حتى بدء المفاوضات على "سلة الملفات" عام 2009

ما يجري في غزة يعني لبنان وكل اللبنانيين. ليست الاخوة ووحدة المصير، سوى الإطار لهذه العلاقة. الأمر أكثر تعقيداً منذ غزو العراق واستشهاد الرئيس رفيق الحريري. هذان الحدثان وما نتج عنهما وبعدهما من مواجهة بين واشنطن وطهران ودمشق، أوقع هذا التشابك المعروف بين "الملفات البركانية" المفتوحة على طول "قوس الأزمات" الممتد من أفغانستان وصولاً إلى غزة. هذه الحالة تدفع للقول بأنه لا يمكن معرفة مستقبل الأزمة في لبنان من دون معرفة مسار الأزمة في غزة ومستقبلها.
الجرائم الإسرائيلية
طبعاً، الجرائم الإسرائيلية اليومية بحق أهل غزة، تفتح جروحاً عميقة في الجسد العربي الممتد من المحيط إلى الخليج (رغم أن الكثيرين لا يريدون سماع هذا التوصيف القومي في زمن الخطاب الأصولي). ورغم هذه السكينة في الشارع العربي المدجن منذ زمن بعيد، فان النتيجة معروفة. لأنه مهما طال هدوء البراكين، فانها حكماً ستنفجر يوماً، وحممها ستأخذ كل شيء في طريقها.
هذا الكلام قد يكون جزءاً من الخطاب العربي القديم لكن هذا هو الواقع. ومن تضاريس هذا الواقع، أن التصعيد على "قوس الأزمات" يتم بالتكافل والتضامن الدليل على هذا انه في الأيام العشرة الأخيرة، التي عاشتها غزة قصفاً وتدميراً وقتلاً وحصاراً، جرى تصعيد حربي في العراق، وتصعيد سياسي في لبنان. وقد انتهى هذا التصعيد باعتراف عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن "باب الأزمة مسدود". علماً أن لا شيء يمنع من إضافة صغيرة وهي أن هذا الباب وان فتح سيفتح على جدار عازل. فالوقت لم يحن للخروج من نفق الأزمة.
في غزة تطوّر مهم جداً، حجبته الأحداث اليومية وآخرها العقوبات الإسرائيلية الجماعية المحرّمة دولياً في قطع الكهرباء عن شعب غزة. هذا التطوّر يتمثل في ظهور الخلاف المستتر بين جناحي "حماس" في غزة إلى العلن، إلى درجة تحوله إلى مناكفة علنية أساسها المحاولة "الفتحاوية" المزعومة لاغتيال رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنية.
وزير الداخلية سعيد صيام هو الذي أعلن بنفسه عن محاولة الاغتيال، متهماً شخصيات مهمة في حركة فتح بها. من الطبيعي أن تنفي "فتح" مثل هذا الاتهام، لأنه يفتح الخلافات بين الحركتين على مستنقع جديد من أوحال الأحقاد وتبادل الاتهامات وربما القتل، دون ان يلتقط أي طرف بأن كل جرح يصيب أحد التوأمين السياميين يصيب الآخر بنزف مشترك حتى الوفاة.
لكن الأهم أن اسماعيل هنية، هو الذي سارع إلى نفي اتهام وزير داخليته سعيد صيام، مشدّداً على أن هذه الاتهامات "ستدخل الساحة الفلسطينية في مزيد من الانكسار والانشطار والانقسام".. وان البديل من كل ذلك الحوار وكيف نبدأ به". هذا التوجه لأحد أبرز وجوه حركة "حماس" يطمئن. لكن يدفع للسؤال إلى أين تذهب غزة المحاصرة في ظل هذا الخلاف وقبله الصراع مع حركة "فتح" والرئاسة الفلسطينية بزعامة محمود عباس؟
تيارات "حماس"
وبعد أن فتح هذا الخلاف داخل حركة "حماس" يمكن قراءة بعض تضاريسه حالياً على النحو التالي:
* تيار معتدل داخل "حركة حماس" يتزعمه اسماعيل هنية رئيس الوزراء المقال الذي لا يعترف بإقالته، ويرفض هذا التيار التصعيد الحاصل، وهو في اعتداله وتوجهه نحو المصالحة الوطنية يعمل على المحافظة على خصوصيته.
* تيار متشدّد داخل حركة "حماس" أيضاً يتزعمه محمود الزهّار الذي استشهد ابنه مؤخراً وسعيد صيام وزير الداخلية ونزار ريان والجعبري قائد قوات القسام، وتمسك هذه المجموعة خصوصاً الزهار عن طريق اشقائه وابنائه وابناء عمومته بالجناح العسكري في الحركة مما يمنحه القوة داخل الحركة وقوة القرار عسكرياً.
* تيار الخارج ويتزعمه خالد مشعل رئيس الحركة المقيم في دمشق. وهو وان كان يميل إلى التيار المتشدّد إلا أنه يحاول الإمساك بالعصا من وسطها حتى يكون موجوداً على مختلف المستويات والتيارات داخل الحركة وامتداداتها.
وتشدّد تيّار الزهار ـ صيام، يتجاوز غزة إلى الأخذ بموقف ايديولوجي يرى ان تحرير فلسطين يمر عبر "أسلمة" الأنظمة الإسلامية من اندونيسيا إلى غزة، ولذلك فإن تنسيقه مع طهران ودمشق يجري على قاعدة سياسة "شراء الوقت". هذه العملية المنتجة على المديين القصير والطويل. على المدى القصير يمكن استثمار الأزمة في أخذ مزيد من التنازلات هنا وهناك على طول "قوس الأزمات"، وعلى المدى الطويل فإن "أسلمة" الأنظمة عملية تتطلب الصبر الكثير ولا داعي للعجلة، وعلى أساس هذا كله تصبح سياسة "القصف الصاروخي" رغم ان خسائره الإسرائيلية محدودة جداً، وضخم على الصعيد الفلسطيني، عملية منتجة ومثمرة لأنها تؤدي مباشرة إلى قطع المفاوضات بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت، على أمل أن يكون بديل عباس في المفاوضات حكومة حركة حماس المعترف بها شرعياً بعد أن نزعت عنها.
إلى جانب ذلك، فإن المتشددين في حركة حماس يؤكدون ميدانياً "وأد" مؤتمر انابوليس وبالتالي ثبوت عدم جدّية الإدارة الأميركية واستكمالاً لكل ذلك ابتعاد الإسرائيليين عن مسار التفاوض النهائي الذي لا يرغبونه أصلاً، وحصولهم على ضوء أخضر لعملياتهم العسكرية من الرئيس جورج بوش، الذي غادر المنطقة متذمراً من فشله في تشكيل "جبهة عربية" من المعتدلين ضدّ إيران.
هذا التصعيد العسكري في العراق وفي غزة، والسياسي في لبنان، تستثمره طهران ودمشق ببراعة من دون رأفة ولا رحمة. أرواح الفلسطينيين والعراقيين من جهة وقلق اللبنانيين من انهيار مؤسساتهم الدستورية كلها ليست سوى "ضريبة طبيعية لتحقيق الانتصار الكبير"، هذا الانتصار الذي يختصر في الوصول إلى مرحلة التفاوض الشامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، على كامل حزمة الملفات.
عملية التفاوض المفترض حدوثها في أوائل العام 2009 بين الإدارة الأميركية الجديدة ودمشق وطهران ستبدأ من حيث خرجت إدارة الرئيس جورج بوش، أي من وقائع فشله المدوي في إقامة الشرق الأوسط الجديد، وفي استمرار الحرب في العراق، وفي تراجع الآمال بحل سلمي للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي كمقدمة ضرورية لتنفيذ الوعد بقيام دولة فلسطينية، وفي استمرار الفراغ ـ إذا بقي فراغاً منظماً ـ في لبنان.
هذا الواقع المحرج والمؤلم للمفاوض الأميركي لا بد أن ينتج عنه تنازلات لطهران ودمشق، والتنازل كما تريد العاصمتان، مزيداً من التقديمات منها الاعتراف بالدور الاقليمي لطهران في منطقة الشرق الأوسط والتفاهم حول الملف النووي، أما بالنسبة لدمشق فإنّ الإمساك بالقرار اللبناني على طريق تحويل المحكمة ذات الطابع الدولي إلى "محكمة بلا محاكمة"، سيشكل "الجائزة الكبرى لها".
هذا ما تريده دمشق وطهران وتعملان له، يبقى معرفة ماذا ستفعل واشنطن، وهنا يجب الانتظار حتى انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية؟سؤال صغير وبريء إلى الأطراف اللبنانية التي تلعب ضمن الخطة الاستراتيجية لطهران ودمشق سواء عن وعي وتصميم ام عن عدم وعي: هل يستحق اللبنانيون الاستمرار في هذه الحالة التي لا أحد يضمن انزلاقها نحو الحرب الأهلية الدامية أو على الأقل نحو عودة القرار السوري منفرداً في لبنان سواء بوجود حواجز عسكرية سورية أو عدم وجودها، يومها يصبح الحديث عن الثلث الضامن وأغلبية الثلثين مناسبة للبكاء على أطلال السيادة والاستقلال والحرية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00