8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"حريق" خط "التماس" الأول "رسالة بالنار" إلى القاهرة طالت الجيش ووحدته

قليل من الواقعية والموضوعية واجب في ظل هذا الجو الهستيري السائد على العشرة آلاف و452 كلم.
هذا الجو الذي كلما طالت الأزمة وشعر اللبنانيون أن الأفق أمامهم مسدود تقوقعوا أكثر فأكثر في مذهبيتهم وأخذوا بخطابها "الانعزالي" الرافض لغير تحقيق انتصارها، وهي تعلم جيداً أن الانتصار ممنوع على أحد في الداخل وأن المنتصر كان وما زال الخارج. وهذا الواقع ليس ابن هذه الأزمة، أنه حقيقة منذ العام 1860 عندما وقعت أول حرب أهلية وتوزعت الدول الطوائف تحت بند الحفاظ عليها، وهي قولاً وفعلاً لا تريد أكثر من تحصين مصالحها خلفها.
تستطيع كل القوى والأطراف في الداخل اللبناني أن تعلن صبحاً ومساءًا أنها ضد الحرب الأهلية وأنها ترفضها لألف سبب وسبب. لكن يبقى السؤال الواقعي والحقيقي: ماذا تفعل هذه القوى والأطراف مجتمعة وكل منها على حدة للحؤول دون الانتقال من حالة الحرب الأهلية الباردة السائدة منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلى حالة الحرب الأهلية الدامية؟
المسؤولية المشتركة
"لا شيء". بالعكس كل طرف يختبئ وراء مسؤولية الطرف الآخر، نازعاً عنه المسؤولية، قاذفاً بها لدى الآخر وكأن المسألة هي تحديد المسؤول وليس كيفية الحؤول دون الوصول إلى هذه الحالة التي لا يتمناها أحد. وإذا كانت الحرب السابقة قد انتجت "اللبننننة"، فان هذه المرة ستكون نهاية لبنان وسيصبح "كل من له مرقد عنزة فيه" مثالاً لمأساة طويلة حيث ما أعطي للبنانيين لم يعطَ لأحد، ولذلك ليس عليهم سوى أن يبكوا كالنساء والرجال معاً على خسارة ما خسروه.
لقد جرب الجميع وقبل عام تحديداً. "زواريب" طريق الجديدة مع أحداث جامعة بيروت العربية، ومع ذلك لم يتعلم أحد بأن كل شارع وكل زاروب، هو "خط نار"، يرسم بالدم "خطوط تماس" دائمة. ومهما بلغت درجة القناعة وحجم الإقتناع بأن التجمعات التي حصلت في مستديرة مار مخايل "بريئة" و"غير منظمة" و"عفوية" فان أحداً لن يستطيع أن يزيل من أمامه فكرة "التوقيت" الدقيق لهذا التجمع وما استتبعه من أحداث ومصادمات وضحايا.
كان يمكن ضبط هذه التجمعات "البريئة" لو أن لبنان بخير، ولو لم يكن الوضع كله مثل خزان غاز مفتوح لا يحتاج إلى أكثر من عود كبريت واحد، ليشتعل ويشعل كل الأزقة والشوارع. أمن "حزب الله" قادر ومقتدر في الضاحية الجنوبية لبيروت. ومع ذلك لم يستطع ضبط الأمور. لأن "الشارع" غير "ميدان المقاومة".
للمقاومة عدو واحد، وبندقية واحدة، وقرار واحد. المقاومة تملك قرار الدخول في المعركة والخروج منها.
في شوارع بيروت وزواريبها لا أحد يملك سوى قرار إطلاق الشرارة. بعدها لا أحد يملك أي قرار، لأن كل هذه الأزقة المقفلة على "ظلام الطائفية والمذهبية مفتوحة ومخترقة على جميع أجهزة الشر من مخابرات لا يعنيها من يُقتل ومن يحرق ومن يشرد. ما يهمها أن تنجح في تنفيذ الأوامر التي تلقتها. يمكن الحديث كثيراً عن "القنّاصة" وعن "تجاوزات في تنفيذ الأوامر". ولكن يجب أيضاً السؤال عن مسؤولية من حرّض وخطّط ونفّذ في دفع هؤلاء الشباب إلى الشوارع والأزقة خصوصاً وأن كل الصور والتحقيقات تؤكد ان تلك المجموعات كانت مؤطرة ومدعومة بقوى مساندة وتوصل لها كل ما تحتاجه من دواليب وأدوات تحطيم.
"خط التماس" الأول
عندما تكون المصارحة بهذه الواقعية والشفافية يمكن معالجة الوضع والاستفادة من المأساة والعمل لمنع وقوع تجربة أخرى، لا أحد يضمن الخروج منها مجروحاً ومصاباً بهذا العدد من الضحايا.
أما الاستمرار في رؤية ما حدث بعين واحدة فمعنى ذلك أن "خطوط النار" ستفتح من جديد أمام كارثة "لا طائف" بعدها مهما بلغت المكابرة والثقة بالنفس. المسؤولية مشتركة، مثلما أن مصير هذا "البلد" الذي للأسف لم يصبح بعد وطناً فوق المزايدات والارتباطات بالخارج مسؤولية مشتركة.
عودة إلى الحدث نفسه في ساحة مار مخايل وطريق صيدا القديمة ومسيرة "خط التماس" الأول بين الشياح وعين الرمانة خلال الحرب الأهلية الماضية أو بالأصح المستمرة بشكل أو بآخر. مهما بلغت الطيبة والبراءة، لا أحد يمكنه الفصل بين توقيت الشغب وانعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة. ما حصل سواء في بداياته أو في نهاياته كان "رسالة بالنار" للمجتمعين برفض التفسير العربي للمبادرة وإعلاناً صارخاً بأن العماد ميشال سليمان لم يعد المرشح التوافقي للرئاسة.
الجيش اللبناني، المؤسسة الوطنية الأخيرة المتماسكة وضعت بين "مطرقة" الرد على المتظاهرين والمسؤولية عن سقوط ضحايا وجرحى مباشرة أو قنصاً، و"سندان" الاكتفاء بمتابعة ما يحصل وكأنه يتابع شريطاً سينمائياً فقط. فإذا قاوم "المطرقة" فقد الجيش وتحديداً قائده العماد المرشح ميشال سليمان مصداقية توافقية وأصبح طرفاً في النزاع الدائر وان بقي ساكناً على "سندان" ما يحصل خسر ما هو مأمول منه وما هو مطلوب أصلاً منه إعادة الأمن والاستقرار إلى البلد.
والسؤال هل يستحق. إحراق ترشيح العماد ميشال سليمان إحراق البلد كله، خصوصاً وأن إعلاناً صريحاً قد صدر بأن دمشق وحلفاءها لم يعودوا يثقون به؟. للأسف يبدو أن البعض وخصوصاً الذين ينبضون على وقع دمشق لا يهمهم شيء سوى "الانتصار" في معركة تأجيل الحل إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية، حيث الآمال معلّقة على التفاوض مع الإدارة الجديدة.
يبقى أن أي عملية تفاوض بين دمشق و واشنطن لن تكون لصالح أي طرف لبناني بما فيهم الحلفاء وأولهم "حزب الله". أي مفاوضات ستكون أولاً وليس آخراً على "حسابه"، ومن ثم على حساب لبنان لأن المطلوب عودته إلى زمن الوصاية ووحدة المسار والمصير.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00