أربعة أطراف أصيبت مباشرة "بالزلزال الأمني والسياسي" في عملية اغتيال الشهيد عماد مغنية. "حزب الله وإيران، دمشق والفلسطينيين. لن تتوقف مفاعيل هذا "الزلزال" مع ما حصل. "الزلازل الارتدادية" ستتوالى، وبعضها سيكون بلا شك أوسع وأعمق وأقوى. هذه الجريمة السياسية والأمنية ليست عادية أبداً، ولذلك يجب ملاحقة مفاعيلها بصبر ودقة.
"العقل الاستراتيجي"
عماد مغنية، بين الواقع والأسطورة، يبقى في جميع حالاته متجاوزاً للصورة الأمنية التي التصقت به. ليس عماد مغنية رجل أمن أو مسؤول أمن كبير فقط، إنه عقل استراتيجي نشأ ونما وتبلور في قلب نار المواجهة ابتداء من فلسطين وانتهاء بفلسطين. ولادته الأولى كانت في الشياح مع المقاتلين في "فتح"، وهو ما زال يافعاً يتجاوز بقليل سن المراهقة. ومن "فتح" وتربيته الإسلامية الملتزمة دخل على الثورة الإسلامية في إيران، وهي في بداياتها التي أطلق عليها مرحلة "تصدير الثورة". لهذا يمكن القول إنه شكل منذ هذه البداية، حلقة وصل بين ثلاث ساحات هي: لبنان وفلسطين وإيران.
هذه البداية، التي يمكن وصفها بعبور "الجسر" الملزم، هي التي ألصقت به صورة الملاحَق بالمشاركة في عمليات خارجية لعل الثابت الوحيد فيها صورته في عملية طائرة T.W.A بعدها قيل الكثير عن مشاركته في عمليات "موجعة جداً" ضد الولايات المتحدة الأميركية تحديداً. وهذا كله هو الذي جعله مطلوباً في 42 دولة من العالم، ودفع أحد المسؤولين الأميركيين للقول "سنلاحقه ألف عام. نحن لا ننسى".
دوره الرائد في تأسيس "حزب الله" والمقاومة معاً هو الأساس في تكوين شخصية عماد مغنية وموقعه. يمكن الحديث مطولاً عن موقعه ومسؤولياته في المقاومة. المهم في كل ذلك الآن، أنه يمكن تعيين مسؤول آخر مكانه لكن في جميع الحالات فإن "لبنة" أساسية في "حائط" المقاومة قد سقطت، ولا يمكن لأحد أن يملأ الفراغ الذي أحدثته. وهذه "اللبنة" كانت في حالات عديدة مؤطرة وضابطة لكل التوازنات القائمة داخل الحزب والمقاومة. وهذا الفراغ الكبير هو الذي يشكل الضربة الموجعة جداً للمقاومة والحزب معاً.
"بيت العنكبوت"
أيضاً وهذا مهم جداً بالنسبة للبنان وللبنانيين، ولادة عمادة مغنية من رحم الالتزام بفلسطين أولاً ثم بالثورة الإسلامية، جعلته يخرج من السقوط في "بيت العنكبوت" اللبناني. لذلك وكما يقال فإن عماد مغنية لم يكن متقبلاً هذا الانخراط للحزب الى درجة الغرق في تفاصيل يوميات الأزمة اللبنانية والذي جعلته طرفاً في الحرب الأهلية الباردة مهما كانت ممانعته. ولذلك يجب متابعة وملاحقة حركة الحزب مستقبلاً في مواجهة الأزمة الداخلية اللبنانية. وهذا الموقف يجد جذوره كما يقال في رفضه الكامل لحرب المخيمات واعتباره لها حرقاً لوجهة البندقية الإسلامية الملتزمة.
"جرح" طهران، عميق بقدر "عمق الجرح" نفسه في الحزب والمقاومة معاً. عندما يكون مسؤولاً بهذه الأهمية والموقع والصفات، قد عاش بداياته مع "القطبة" الأولى لنسيج الحضور السياسي والفكري والعسكري الإيراني في لبنان أولاً وفي "القطبة" الأولى لنسيج العلاقة الإيرانية الفلسطينية فإن مسألة تعويضه صعبة جداً. من طبيعة هذه العلاقة أولاً وأساساً قيام ثقة صلبة لا يمكن لأقوى التجارب والزلازل هزها، والثقة بين طهران وعماد مغنية حيكت ميدانياً وليس أهم وأكثر ثباتاً في مثل هذا الارتباط والتداخل من عمادة النار.
هذه الحالة الخاصة جداً، هي التي تجعل طهران في إطار علاقات "التوأمة السيامية" مع لبنان وفلسطين يتيمة. والتعويض عنها صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً لأنه لا يمكن تعويض الأخ أو الابن متى رحل.
خسارة الفلسطينيين وخصوصاً التيار الإسلامي منهم أيضاً كبيرة. لم تكن علاقته بهم واجباً نضالياً سياسياً وعسكرياً فقط. عماد مغنية الذي خرج من رحم الالتزام بالثورة الفلسطينية بقي على التزامه مشكلاً صلة الاتصال والوصل بين القضية المركزية فلسطين والمقاومة بمفهومها الشرعي والقومي معاً.
"الخاصرة الضعيفة"
ربما هذه "الخاصرة الفلسطينية الضعيفة"، هي التي عجلت في التصميم على اغتياله، لأنه غير مسموح مطلقاً بهذا الربط، ولا هذه العلاقة المباشرة التي تقفز فوق أطر دقيقة بُنيت من زمن طويل.
ربما هذه "الخاصرة" الفلسطينية "الضعيفة"، عجّلت في اغتياله، من غير المسموح إسرائيلياً وجود هذا الربط مع الداخل خصوصاً في ظل "حرب الصواريخ" ودروس حرب تموز في لبنان، وفي الوقت نفسه فإن مثل هذه العلاقة المباشرة بين عماد مغنية والفلسطينيين تجاوزاً لمرحلة طويلة من تأطير هذه العلاقة.
دمشق خاسرة كبيرة في عملية اغتيال عماد مغنية. "الموساد" خطط ونفذ، لكن حصول العملية في قلب دمشق، يعني وجود اختراق أمني خطير جداً، في أدنى الاحتمالات. دمشق مضطرة ومجبرة على العمل لرفع المسؤولية عنها بأي ثمن، لأن هذا "الزلزال" طال بشكل أو بآخر جسور الثقة بينها وبين طهران و"حزب الله" وذلك مهما جرى "العض على الجرح" حالياً والتزام الصمت، فإن فترة السماح ليست مطلقاً مفتوحة أمامها.
اغتيال عماد مغنية يقفل مرحلة طويلة من حياة أبناء جيل نفّذ التزامه السياسي باندفاع غير محسوب ولا مسبوق. توقيت هذا الاغتيال ومكانه يطرح تساؤلاً حقيقياً ومن بدون أي خلفيات هل هذه العملية تشكل رصاصة انطلاقة لمواجهة مفتوحة غير محدودة النتائج، أم أنها بداية قرع على بابٍ لتسويةٍ يدفع ثمنها من يغمض عينيه عن حقيقة ما يجري خلف الستار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.